شكل تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لسنة 2012، مناسبة لتقييم مدى تحقيق بعض الأهداف في مجال التربية والتكوين؛ حيث قدم عناصر أساسية، تمكننا من تقييم بعض الجوانب المتعلقة بفعالية ونجاعة منظومة التربية والتعليم، وذلك من خلال مستويين أساسين:المستوى الأول كمي، يمكن الوقوف عليه من خلال بعض المؤشرات الرقمية الواردة ضمن التقرير. في حين المستوى الثاني نوعي، نستخلص عناصره من خلال مسح لمختلف فقرات وأجزاء التقرير. لقد أكد التقرير، في جوانبه الكمية، أن عملية تعميم التمدرس في التعليم الأولي لدى الأطفال بين 4 و 5 سنوات لم تتجاوز 60.3 بالمائة في السنة الدراسية 2012-2013، مع تسجيل تفاوت واضح بين الوسطين القروي والحضري. وأما الهدف المتعلق بتمكين التلاميذ، ذكورا و إناثا، من الوسائل اللازمة لاستكمال سلك كامل من الدراسة الابتدائية، فإن النسبة الصافية للتمدرس، التي استقرت عند 91 بالمائة في 2012 ، بقيت على حالها منذ سنوات عديدة. أضف إلى ذلك أن مؤشر المناصفة (ذكور- إناث) سجل ما يناهز 91 بالمائة في الابتدائي، و 79 بالمائة في الثانوي الإعدادي، و 92 بالمائة في الثانوي التأهيلي، برسم السنة الدرا سية 2012 - 2013. أما فيما يخص القضاء على الأمية، فقد تعذر تحقيق هذا الهدف في صفوف الذكور والإناث من عشر سنوات فما فوق. فنسبة محو الأمية لم تتجاوز 70.3 بالمائة في 2010، ولن يكون بالتالي من السهل رفعها إلى80 بالمائة في أفق 2015 ، كما حدد ذلك في ميثاق التربية والتكوين. إن التأخر في تحقيق الأهداف سالفة الذكر انعكس بشكل جلي على وضعية المغرب فيما يتعلق بالتنمية البشرية، والتي تقاس بمؤشر التنمية البشرية، المحدد من قبل برنامج الأممالمتحدة للتنمية. فإذا كان مؤشر التربية قد سجل وتيرة نمو كبيرة ما بين 1980 و2006، فإن الملاحظ أن مستوى هذا المؤشر بدأ، منذ 2006 يميل إلى الاستقرار عند 0.44، في حين أن معدله لدى البلدان ذات التنمية البشرية المتوسطة انتقل من 0.48 إلى 0.56. وعليه، سجل المغرب تأخرا في الترتيب، منتقلا من الرتبة 124 في 1980 إلى الرتبة 131 في 2005 ، ليصل إلى الرتبة 146 في 2012. أما على المستوى النوعي، فإن القراءة المتأنية للتقرير، تقتضي مقاربة المسألة التربوية ضمن إطارها الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والصحي...، قصد فهمها في تمفصلاتها العلائقية وامتداداتها الأفقية والعمودية، والنظر إليها كنسق متكامل يستمد مدخلاته من الأنساق المجاورة ويمد هذه الأنساق بالمخرجات الملائمة بعد أن أخضعت للتحولات والتغييرات المطلوبة. وانطلاقا من هذه الرؤية، وبغض النظر عن المؤشرات الرقمية السالفة الذكر، فإن المسألة التربوية تكتسي أهمية بالغة في تحقيق الولوج العادل للخدمات الأساسية وتقليص الفوارق الاجتماعية وتقوية التماسك والارتقاء الاجتماعي، والرفع من الأداء الاقتصادي العام. وعليه، ومن هذا المنطلق، تشكل منظومة التربية والتكوين أحد المستويات الأكثر ملاءمة للدفع بالتغيير السوسيواقتصادي إلى الأمام، وإحدى الحلقات الأساسية المتحكمة في معادلة تنمية وإعداد الرأسمال البشري القادر على رفع تحديات التنمية المستدامة وربح رهانات التنافسية. إن استحضار التقرير لهذه الرؤية النسقية المندمجة، بشكل أو بآخر، في تناول الشأن التربوي، جعلنا ندرك حجم التحديات والرهانات المطروحة أمام تثمين الرأسمال البشري والرفع من الأداء الاقتصادي و تحقيق التماسك الاجتماعي، وذلك بالرغم من المجهودات المبذولة والوسائل الموضوعة رهم إشارة منظومة التربية والتكوين في هذه السنوات الأخيرة، والتي لم تستطع تحقيق ما كان منتظرا ومأمولا، مما يفرض على المغرب دولة ومجتمعا التعاطي الجدي والصارم مع إشكالات التربية والتكوين والتعليم، باعتبارها من الآليات الضرورية لاستشراف والإعداد للمستقبل، ومن الميكانيزمات المواكبة للحركية المعرفية والمهنية والتكنولوجية، ضمن سياق دولي ووطني مطبوع بتسارع التحولات على مختلف الأصعدة الثقافية والاقتصادية والمهنية والسوسيوتربوية... إن استيعاب هذه التحولات يقتضي إعادة النظر في طرق اشتغالنا وعاداتنا الجماعية والعمل برؤية جديدة ومقاربة مغايرة في إعادة هندسة المشهد التربوي في أبعاده النظامية وغير النظامية واللانظامية، أهدافا وغايات، وبرامج، وجسور ومسالك، وحكامة... والانخراط في إيجاد الحلول الناجعة لتحديات إكساب التلميذ مناهج بناء المعرفة، وتعزيز كفاياته الحياتية، وتوسيع خبراته، وتطوير حسه الريادي وجاهزيته للشغل وتحقيق الذات والعيش المشترك مع الآخر... كل هذا، يجب أن يتم من داخل نموذج تنموي مندمج، متجه نحو القطاعات الواعدة، ومستند على تعبئة متواصلة لكل القطاعات الشريكة المتمثلة أساسا في التعليم العالي، والتكوين المهني، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، والشركاء الداخليين والخارجيين لمنظومة التربية التكوين.وفي أفق ربح رهانات إصلاح منظومة التربية والتكوين، قدم التقرير حزمة متكاملة من التوصيات والإجراءات الكفيلة ببناء نموذج تربوي مندمج فعال وناجع، يجب أن ينطلق من تشخيصات تقييم السياسات التربوية العمومية، التي تبدو في حاجة ماسة لإصلاح مستعجل. ولن يكون هذا الإصلاح مجديا وفعالا، ما لم يأخذ الدروس والعبر من تمارين الإصلاح السالفة، ويرصد ويستثمر مختلف المكتسبات والتراكمات الإيجابية، وفي هذا الصدد، يبدو الميثاق الوطني للتربية والتكوين ما يزال يشكل إطارا فلسفيا مناسبا للإصلاح، وخاصة بعد إخضاع بعض بنوده ودعاماته للتحيين والمراجعة لتنسجم مع روح ومقتضيات دستور 2011. وضمن هذا النفس الإصلاحي، تشكل التوجيهات الملكية الواردة في خطابي 20 غشت لسنتي 2012 و 2013، خريطة طريق أمام المسؤولين لتحسين الأداء التربوي للتعليم العمومي، حيث قدم الخطاب الملكي السنة الماضية رسالة قوية تدعو إلى الانتقال إلى منطق آخر،» يقوم على تفاعل المتعلمين وتنمية قدراتهم الذاتية وإتاحة الفرصة أمامهم للإبداع والابتكار فضلا عن تمكينهم من اكتساب المهارات، والتشبع بقواعد التعايش مع الآخرين في التزام بقيم الحرية والمساواة، واحترام التنوع والاختلاف»، ولقد شكل هذا الخطاب رؤية منهجية لجعل التعليم موفور الجدوى والجاذبية، وملائم للحياة... وتماشيا مع هذه الفلسفة التربوية، شدد التركيز مرة أخرى، من خلال خطاب هذه السنة، على الإشكالات الكبرى التي تهم الجودة والجوانب النوعية أكثر من المؤشرات الكمية، حيث أكد على ضرورة وضع التعليم في إطاره الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، عبر اعتماد نظام تربوي ناجع يمكن المواطن من الاندماج في دينامية التنمية والاستفادة من عوائدها وثمارها. ولن يتأتى ذلك، في تقديرنا، إلا عبر الانخراط في العمل المركز من أجل المتعلم ومع المتعلم، وتحقيق أكبر قدر من التلاؤم الوظيفي بين المناهج والحاجات الحقيقية للمتطلبات الحياة وسوق الشغل، الشيء الذي يقتضي تحريك ملكة الإبداع والابتكار والاجتهاد والتفاوض الجماعي في إعادة صياغة الشأن التربوي، وتحسين التقائية السياسات العمومية، واللجوء المعمم لأدوات التتبع والتقييم والافتحاص. مع ضرورة إشراك المواطنين، من خلال ممثليهم، في تصور وتفعيل وتقييم ومساءلة الأعمال والإنجازات المرتبطة بالخدمات الاجتماعية العمومية.