التواضع مقام من مقامات الإيمان وشعبة من شعبه، يعرف الإيمان بعلاماته وشعبه ومنها التواضع. وبإمكاننا أن نقول: إن التواضع أدب وخلق من الأخلاق الإسلامية الحميدة التي دعت لها النصوص الشرعية سواء من خلال الحث عليه، أو من خلال نماذج الشخصيات الكبيرة من الأنبياء والرسل والصالحين الذين تحلوا به في حياتهم. وأما عن كيفية إتقانه واكتسابه، فذلك في نظرنا يتوقف على الآتي: 1 فقه النصوص الشرعية التي تدعو إليه، وتظهر فضائله وحسناته. 2 مرافقة المتواضعين من أهل العلم والصالحين. 3 قراءة قصص المتكبرين وما كان من مرارة كبرهم، ووخيم عواقبها عليهم. 4 مراقبة النفس بتدريبها على خلق التواضع حتى يعود شيئا عاديا في حياتها. لمن نتواضع؟ 1 نتواضع لدين الله عز وجل، وذلك بعدم الاعتراض على أحكامه، أو رفض شريعته، أو معاكستها ومحاربتها. فذلك كله ينم عن الكبر. ويظهر أن العبد متكبر على ربه، غير راض على أحكامه، متهم إياها بالتقصير. قال صلى الله عليه وسلم:" وما تواضع أحد لله إلاَّ رفعهُ الله"(رواه مسلم). 2 التواضع للحق: لا يجوز أن يتكبر الإنسان على الحق إذا أظهر الله تعالى على لسان بعض عباده. كثيرون يردون الحق عنادا وكبرا أن كان من جهة فلان أو فلان، والمسلم هو الذي يذعن للحق ويقبله، ولا يعاديه لأنه لم يكن من جهته. وكان لقمان يوصي ابنه بالتواضع كما في القرآن الكريم، وكان مما أثر عنه أنه قال له: يا بني، تواضع للحقّّ تكن أعقل الناس. 3 التواضع للخلق: إذ البشر جميعا يستوون في العبودية لله، فالخلق كلهم عباد الله. فلا يجوز أن يتكبر على أحد من عباد الله بمال أو نسب أو خِلقة أو علم أو فضل .. ومن التواضع للخلق التواضع لكبار السن ومساعدتهم والتذلل لهم، قال صلى الله عليه وسلم:" إن من إجلال الله إجلال ذي الشيبة المسلم". متى يكون التواضع عزا ومتى يكون ذلا وصغارا؟ كل شيء يوضع في غير محله لا يؤدي الغرض منه، ولا يبقي على حقيقته. فالتواضع يكون عزا إذا كان لدين الله عز وجل أو للحق أو للخلق. أما إذا لم يكن لهذه الثلاثة فإنما هو تصنع له، وتظاهر به، لا يرتفع به الإنسان عند ربه أو عند الناس. لأنه ذلا ومسكنة. ويكون التواضع ذلا في المواقف الآتية: 1 عند التذلل والانكسار لأهل الظلم، أو لأهل المال، بتصويب أفعالهم وأقوالهم التي تخالف الشريعة أو العقل والمنطق. فليس مثل هذا من التواضع في شيء. وإنما هو ذل السطوة والمال التي يحرص البعض عليهما ويطمع فيهما وفي منافعهما باحتقار نفسه. 2 قبول الإهانة من الناس ليس من التواضع في شيء بل هو ذل يقبله البعض. إذ متى دعت الشريعة الناس أن يهانوا ويقبلوا الإهانة ويحتقروا أنفسهم؟! إن من حق النفس على المسلم إكرامها من غير ظلم أو اعتداء. وقديما قال القاضي الجرجاني: أرى الناس مَن دَاناهم هَان عندهم ومَن أكْرَمَتْه عِزّة النَّفْسِ أُكْرِمَا وقال المتنبي: من يَهُن يَسْهُل الهوان عليه ما لِجُرْح بِمَيّتٍ إيلامُ