كانت الآلات تدور، تهتز أجزاؤها، صوتها يعلو كأنها حيوان صغير لا يكف عن "الدمدمة"، تأخذ لفات عملاقة من الصفحات الكبيرة بالالتفاف على أسطوانات قبل أن تعاود الظهور، وهي حاملة للنصوص القرآنية في انتظام.. تخرج الأوراق من مكان خفي في داخل الآلة. التي بدت وكأنها تحاول أن تتخلص مما في داخلها.. تتهاوى الأوراق المطبوعة فيلتقطها عمال منهمكون في متابعة تفاصيل مراحل إخراج العمل في صورته النهائية.. جميع من يقفون إلى جوار ماكينات الطباعة، يعجزون عن رفع أبصارهم عنها، كأنما هم مسحورون فلا يملكون تحويل أبصارهم عن هذه الماكينات الهادرة التي تضخ أعدادا هائلة من المصاحف كل يوم... تركيز شديد على مراجعة وتدقيق الطباعة.. لضمان تكاملها وسلامتها وعدم احتوائها على أية أخطاء في النص القرآني وغيرها من النواحي الفنية..فشرف طباعة المصحف الشريف كافيا لإدراك حجم المسؤولية الشرعية الكبيرة في هذا العمل الجليل والحساس. كانوا يتحركون حول ماكينات الطبع أو الكبس أو القص أو الخياطة أو التجليد وكأنهم مجموعة "تروس" في آلة واحدة.. كل فريق يبدأ عمله من حيث ينتهي عمل الفريق الذي قبله بنسق سلس وحثيث..، ينجزون شتى الأعمال من طباعة وتجميع، وخياطة، وتجليد... "التجديد" تنقل بالصورة والكلمة، تفاصيل كل هذه المراحل التي تمر منها طباعة المصحف الشريف، من داخل أروقة مطبعة فضالة بالمحمدية