وأخيرا تحركت وزارة الأوقاف، واستعملت نصوصا قانونية صارمة وظهائر شريفة لا لمنع منكرات موازين، ولكن لتوقيف خطيب جمعة لتجرئه على نقد هذا «المخلوق» الغريب عن ثقافتنا. في الحقيقة كنا سنصفق لهذه الوزارة لو أمرت خطباء الجمعة بالتحذير من خطورة هذه المهرجانات على أخلاق الأمة وشبابها، وأن تطلب من الوعاظ تذكير الآباء بمسؤولياتهم أمام الله ليقوموا بمنع أطفالهم من الحج إلى موسم المنكر هذا، لكن الوزارة سكتت دهرا ونطقت توقيفا. فقبل سنوات كانت هذه الوزارة قد وجهت مذكرة وطنية لخطباء الجمعة كي يحذروا العباد من استهلاك الملح العادي، ونصحت الناس بأكل المواد المملحة بملح غني بمادة اليود الصحي. وكانت خطب وطنية حيث شملت كل ربوع المملكة، وكنت ذاك الوقت متواجدا بمدينة طاطا لإحياء أمسية فنية، وصادفت يوم الجمعة هناك. فبدأ الفقيه يخطب بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فقيها شابا فصيحا يصدح بأعلى صوته ويحذر الناس من شر داهم سيقصم ظهر الأمة، وقد انتفخت أوداجه واحمرت عيناه وهو يؤكد على أن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.. المهم خطبة قوية، لكن المفاجأة كانت شديدة عندما قال: أيها الناس ما أهلككم إلا الملح العادي، فعليكم يرحمكم الله باستهلاك الملح المزود باليود لتتقوى أجسامكم، وصب جام غضبه على هذا المسكين الملح العادي، وأثنى وأوصى خيرا على ملح اليود، وكأني به يريد تكفير آكلي الملح العادي. و لقد هممت أن انهض وآخذ نقطة نظام في هذه الخطبة العصماء، وأذكر الخطيب بالمناكر الواضحة كالخمور والربا وزنا المثليين والذيوث .. لكن تذكرت حديث ومن لغا فلا .. فسكتت على مضض، وقلبي يعتصر ألما ثم قمنا للصلاة. وعند عودتي إلى مراكش وفي الجمعة التالية تناول الفقيه نفس الخطبة السالفة الذكر لكن بنكهة مراكشية، وهكذا كنت محظوظا حيث استمعت إلى هذه الخطبة مرتين، وبذلك تملحت على الجانبين ووعظت مرتين وبذلك قاطعت الملحتين، بالله عليكم كيف تقوم الوزارة الوصية بدفع الخطيب دفعا ليلج المطبخ العادي، ويتحدث عن ملحتين عادية وممتازة، ولا نسمح له بولوج مطبخ السياسة والفن والاقتصاد.. فعندما يتحدث الفقيه في موضوع تزوير الانتخابات تقوم ضجة كبيرة واك واك الفقيه حشر أنفه في السياسة، وعندما يسكت نقول الفقيه في دار غفلون أي أنه ساكت عن الحق، فماذا نريد من الخطيب إذا سكت مصيبة وإن تكلم مصيبتين، وأنا أسائل بدوري وزير الأوقاف بعد أن أوقفوا عبد الله النهاري والآن الخمليشي وغدا فلان ومن سبقوهم كثير. إذا لم يتحدث الفقيه عن سوء الخلق وقلة الحياء في موازين فهذه مغنية شبه عارية بالسليب، أعباد الله، وهي تتلوى كالأفعى أمام الإعلام فماذا سيقول الخطيب وهذا ميدان الوعظ بامتياز، هل يسكت أم يتحدث عن الملح والزعفران، ويحض على الكسكسو، وينبه العباد إلى خطر كرموس النصارى الهندية. وهكذا يتفادى التوقاف، اتقوا الله فهذا الدين لم يغفل الدنيا والآخرة وارفعوا أيديكم عن تكميم أفواه الخطباء، إننا في حاجة إلى قانون حماية الخطيب أثناء تأدية مهامه، وأن يكون واضحا في تحديد الشروط والواجبات، ولما لا تكون للعلماء المعتبرين حصانة تحميهم من ذوي النفوذ السياسي، كي لا يشتطوا في استعمال نفوذهم لتكميم أفواه الخطباء. هل تريدون من الخطيب أن يكون التيس المستعار يحلل الحرام لا وألف لا. أش اظهر ليك أبا المعطي في حريرة الأوقاف الحامضة أنا أولدي مقاد على مشاكل أو اللي حطب شيء يسخن بيه ..