لم يكن أحد يتصور أن تكشف قضية مساءلة القناة الثانية يوم الأربعاء 12 يونيو 2013 في البرلمان بخصوص احترام التعددية والحياد في البرامج التي تنجزها، كيف تنقلب المعارضة - لاسيما منها التي خرجت في أصل نشأتها من رحم الشعب- على المكتسبات الديمقراطية التي كانت بالأمس تناضل من أجلها، وكيف تقدم التغطية الكاملة بلبوس دستوري وقانوني لتبرير عودة المؤسسات فوق الدستورية التي لا تخضع لأي شكل من أشكال الرقابة البرلمانية. يوم الأربعاء 12 يونيو 2013، ظهرت تباشير التحالف الاستراتيجي بين حزب الاتحاد الاشتراكي في نسخته الجديدة مع حزب الأصالة والمعاصرة، من خلال التبرير «الدستوري» والقانوني لإعفاء مؤسسات أو مقاولات عمومية من المساءلة، حيث تم بجرة قلم «كشط» كل الرصيد الوطني الديمقراطي في المطالبة بوضع هذه المؤسسات والمقاولات تحت رقابة ومساءلة البرلمان. «الاتحاديون الجدد» إلى جانب حلفائهم من البام، أزالوا فصولا كاملة من الدستور، وتمحلوا في التأويل القانوني، وفي إنتاج دفوعات مهترئة، فقط من أجل تبرير عدم مساءلة مدير قطب الإعلام العمومي السيد فيصل لعرايشي ومدير القناة الثانية السيد سليم الشيخ، مع أن هؤلاء حضروا بشكل عاد إلى البرلمان، فاستشكلوا أن يكون للبرلمان سلطة مساءلة هذه المؤسسات والمقاولات في ظل وجود مؤسسة دستورية (هيئة الاتصال السمعي البصري) تقوم بالسهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الرأي والفكر، كما اعترضوا على أن يكون لوزير القطاع المعني صلاحية الحديث في الموضوع بنفس الحجة، أو أن يكون له الحق في إحضار هؤلاء المسوؤلين، بل إن بعض البرلمانيين اختلطت بهم المواقع، انخرطوا في نفس المنطق، ونسوا أن فريقهم سبق أن راسل مدير إحدى القنوات العمومية للحضور للمساءلة لنفس الغرض! كان يمكن أن يتم مناقشة هذه الاعتراضات مناقشة علمية، لكن حين يكون النص الدستوري قاطعا لا يبقي أي مساحة للتأويل، تصير المناقشة السياسية مهمة، أي يصير بحث الخلفيات جزءا أساسيا من التحليل. الفصل 102 من الدستور صريح في أنه يمكن للجان المعنية في المجلسين، أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم، والفرق واضح بين ما يدخل في مهام الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المحددة بنص الفصل 165، وبين وظيفة الرقابة والمساءلة التي ضمنها النص الدستوري للبرلمان، بل هذه الوظيفة هي التي تؤهل المؤسسة التشريعية لممارسة دورها المنصوص عليه في الفصل 71، والذي جعل أول مجالات القوانين التي تدخل في صميم وظيفتها الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور تصديرا وفصولا. والمفارقة أن خطاب المعارضة يجيز مساءلة الوزير عن السياسية العمومية في قطاعه، ومن مشمولها مساءلة واقع التعددية بمختلف مستوياتها عبر وسائل الإعلام لاسيما منه العمومي، وفي نفس الوقت يعتبر أن ليس للبرلمان سلطة في مساءلة المؤسسات والمقاولات العمومية التابعة للقطاع الوصي، بل لا يرى للوزير أي مدخل لمناقشة مدى احترام قنوات القطب العمومي لدفاتر التحملات، وأن «الهاكا» هي السلطة الوحيدة التي ترجع لها المساءلة والرقابة واتخاذ القرارات الزجرية. كان يمكن أن يكون لهذا المنطق وجه، لو لم تجرد المعارضة البرلمان من دوره الرقابي، ولو لم تكلف نفسها البحث عن الذرائع التي تبرر إبقاء بعض المؤسسات والمقولات العمومية فوق المساءلة، لكن، لما وصل الأمر إلى تجاوز الدستور، وطي صفحات مجيدة من النضال الديمقراطي الذي أثمر نصوصا منه تعطي للبرلمان سلطة إحضار مسؤولي هذه المؤسسات والمقاولات للمساءلة، حين وصل الأمر إلى هذه الدرجة، صار واضحا أن بعض الأحزاب السياسية صارت تقدم الدعم والتغطية الكاملة لجيوب مقاومة التغيير، وتبرر تعطيل النصوص المشرقة من الدستور، وتحاول بهذه الأساليب العودة إلى ما قبل فاتح يوليوز.