كثير هم أولئك الذين يغيظهم اندماج الحركة الإسلامية وتحولها إلى مكون من مكونات المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي، وانخراطها في عملية التدافع السلمي من أجل تغيير المجتمع وفق رؤيتها المنبثقة من المرجعية الإسلامية. ولذلك كما سبق أن أشرنا إلى ذلك في كثير من المناسبات فإن هؤلاء يودون لو لم يكن في الحركة الإسلامية معتدلون وأن لو كان جميع الإسلاميين متطرفين. والسبب واضح وهو أنه إذا كان من السهل إحكام الحصار والمنع والعزل على المواقف المتطرفة من بعض المنتسبين للحركة الإسلامية أو تلك التي تؤمن بالعنف سبيلا للتغيير وهو ما حفظ الله منه عموم الحركة الإسلامية في المغرب، فإن ذلك يصبح صعبا بالنسبة للحركة الإسلامية التي تجنح إلى الاعتدال وتؤمن بالعمل من خلال المؤسسات وفي ظل القانون. لذلك يعمد خصوم الحركة الإسلامية من الاستئصاليين إلى التركيز على بعض النتوءات أو المواقف الشاذة أو العارضة تضخيما وأحيانا اختلاقا وسحبها على مجمل الحركة الإسلامية بما في ذلك التي تعمل في إطار المشروعية وتمارس دور المعارضة كحزب وفق الآليات المعمول بها مثل الرقابة البرلمانية بمختلف أشكالها، للتأكيد على أنه ليس في الحركة الإسلامية معتدل، والسبب واضح وهو أن الحركة الإسلامية حين تختار خيار العمل المدني والسلمي والتدافع من خلال المؤسسات فإنها تختار مدافعة المتعلمنين ودعاة التغريب والتدمير الأخلاقي للمجتمع المغربي من خلال ملعب يودون لو استأثروا به وحدهم خاصة وأنهم يزعمون أنهم ديموقراطيون وماهم بذلك. في الآونة الأخيرة تعرضت مجموعة الأسئلة الشفوية التي طرحها فريق العدالة والتنمية إلى حملة تشويه مقصود حيث روجت بعض الصحف إما عمدا أو خطأ أن فريق العدالة والتنمية يدعو إلى منع البعثات الأجنبية من المغرب، وأنه بدأ هجوما منظما على الفن والفنانين حينما وجه سؤالا حول دعم "فيلم لحظة ظلام" من أموال الشعب رغم ما تضمنه من لقطات خليعة. والواقع أن تساؤله الأول توجه إلى المراقبة الواجبة لوزارة التربية الوطنية على بعض المضامين الموجهة إلى أبناء المغاربة في هذه البعثات وبعضها مس بثوابت المغرب وعقيدة المغاربة وتاريخهم، ولم يكن ضد اللغة الفرنسية أو الثقافة الفرنسية ولا إلى أن ينزوي المغرب ويحرم نفسه من ميزة التلاقح الحضاري. كما أن سؤاله الثاني لم يكن موجها ضد الفن والفنانين، والواقع أن هؤلاء سواء في القاهرة أو في مراكش استنكروا تلك اللقطات الخليعة التي تضمنها الفيلم المعلوم، كما اعتبروا أن قيمته الفنية عادية. والشيء نفسه بالنسبة للوقفة الاحتجاجية التي نظمتها السكرتارية الوطنية لدعم العراق حول النشاط التطبيعي الذي نظم في الدارالبيضاء مؤخرا في المجمع السينمائي "ميغاراما" الذي حاول البعض أن يستنتج منه ظلما وعدوانا أنه موجه أصلا ضد الاستثمارات الفرنسية في المغرب، في حين أنه احتجاج على استقبال "فنان" معادي للقضية العربية. وبهذه المناسبة تقول إنه بقدر ما ينبغي أن نؤكد أن محافظة الحركة الإسلامية على خطها الثابت أي خط المدافعة المدينة السلمية هو من المصلحة العليا للوطن وأن تسعى إلى أن تفوت على الاستئصاليين رغبتهم في أن يروها يوما تحيد عن هذا الاختيار الاستراتيجي فإنه من المصلحة العليا للوطن أيضا أن تحافظ هذه الحركة على صبغتها وأن تقوم بدورها في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن المصلحة العليا للبلاد ستخسر كثيرا لو لم يبق "الإسلاميون" إسلاميين، وأصبحوا دون لون ورائحة يتخذون شكل الإناء الذي يوضعون فيه... وقديما قال أرسطو: الطبيعة تخشى الفراغ، فإذا لم يمارس تنبيه الدولة والمجتمع ضمن الأطر الدستورية والقانونية وبطريقة سلمية وحضارية إلى مخاطر الانزلاق إلى إضعاف الهوية الإسلامية للبلاد التي هي الأساس الذي تقوم عليها شرعية نظام دولتنا، وتم الضغط في اتجاه أن يكون للمغرب إسلاميون دون إسلام... فإن ذلك قد يكون وسيلة لصناعة أبشع أنواع التطرف الذي وقى الله بلادنا لحد الساعة من مخاطره بفضل سياسة الإدماج والاندماج الرشيدين من قبل الدولة ومن قبل الحركة الإسلامية معا.