انتقل استهلاك المغاربة للمضادات الحيوية من 1.7 مليون علبة إلى 1.9 مليون علبة في الفترة ما بين يناير 2012 و يناير 2013 ويعزو المراقبون هذا الارتفاع المطرد لكون المضادات الحيوية متاحة في الصيدليات بدون وصفة طبية كما أن المرضى وخاصة المصابين بالانفلونزا يلجاون اليها بكثرة باعتبارها علاجا فعالا وسريعا. بالمقابل بينت العديد من الابحاث ان الاستعمال العشوائي والمفرط للمضادات الحيوية تترتب عليه مخاطر صحية كثيرة وهي المخاطر التي حذرت منها مرارا وتكرارا منظمة الصحة العالمية وباحثين في المجال الصحي، هؤلاء توصلوا إلى أن أكثر من 40 بالمائة من الوفيات في العالم سببها سوء استخدام المضادات الحيوية. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن حالة وفاة واحدة من بين 5 حالات تحدث نتيجة الالتهاب، ووفقا لنفس المنظمة فإن العديد من الأمراض البكتيرية ستصبح في القريب غير قابلة للشفاء بسبب تراجع فعالية المضادات الحيوية الحالية، وبعد أن كان ظهور المضادات الحيوية في سنة 1920 “نعمة كبيرة" و “معجزة" بالنسبة للأطباء بسبب فعاليتها وسرعتها في القضاء على البكتيريا إلا أنها تحولت مؤخرا إلى “نقمة" بعد التحذيرات المتوالية للمنظمات والمراكز الصحية بسبب المقاومة التي أصبحت تلقاها هذه المضادات وهو ما سيجعل الجراثيم هي الرابح الأكبر في هذا الصراع الأبدي بين الصحة والمرض. الابراهيمي: المغاربة يستعملون المضادات بشكل مفرط ليلى: “أصيب طفلي بالأنفلونزا أخذته إلى الطبيب فوصف له مضادا حيويا"... مراد: “ غالبا ما أصاب بالانفلونزا في فصل الشتاء، لا أزور الطبيب، اكتفي بأخذ مضاد حيوي من أقرب صيدلي، وبعد أيام قليلة أعود لحالتي الطبيعية"... رشيد: “ أصبت بالالتهاب في الحنجرة، نصحني أحد الأصدقاء الذي سبق له أن أصيب بنفس الأعراض بتناول مضاد حيوي معين، ففعلت وكان الشفاء". إنها مشاهد وشهادات لمغاربة يلجأون للمضادات الحيوية باعتبارها تلك “الوصفة السحرية" التي تقضي على المرض في أقل وقت ممكن. بوصفة طبية أو بدونها يتناول المغاربة المضادات الحيوية بشكل عشوائي دون وعي بالمخاطر ودون وجود جهات تقوم بتحسيس المغاربة ونشر الوعي بينهم حول الكيفية التي ينبغي التعامل بها مع هذا النوع من الدواء، فالأطباء يبالغون بوصفها باعتبارها أسرع طريقة للاستشفاء والصيادلة يوزعونها على المرضى بدون وصفة طبية، كما أن المرضى أنفسهم يبادرون إلى اقتنائها إما عن سابق تجربة أو استنادا إلى نصيحة من آخرين سبق لهم تجريب الدواء. الطبيب الجراح مصطفى الإبراهيمي، حذر من سوء استعمال المضادات الحيوية، وأوضح في اتصال مع “التجديد" بأن بعض الاطباء يسيئون استعمال هذا الدواء كما أن بعض المواطنين يلجأون إلى التطبيب الذاتي بمعنى أن المريض يعالج نفسه بنفسه أو يذهب مباشرة إلى الصيدلي وفي الغالب مساعد الصيدلي فيخبره بالأعراض التي تظهر عليه من قبيل ارتفاع درجة الحرارة والسعال وغيرها فيكون الحل السريع هو المضاد الحيوي. في حين -يشرح الدكتور الإبراهيمي- توجد طريقة علمية لاستعمال المضادات الحيوية، فبالإضافة إلى الأعراض الاكلينيكية يستوجب الأمر في بعض الأحيان التعرف من خلال مجموعة من التحاليل على ماهية هذه البكتيريا خاصة الآن مع تطور تأقلم البكتيريا مع المضادات الحيوية. ونبه الابراهيمي إلى أنه في كثير من الأحيان تظهر على الشخص أعراض لها علاقة بالفيروسات لكن يتم علاجها بالمضادات الحيوية بطريقة غير علمية. وعلى سبيل المثال عندما يتعرض الفرد لنزلة برد، يتسبب فيروس الانفلونزا بظهور أعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة والعياء وربما سعال ومجموعة من الأعراض الأخرى التي تدل على أنها نزلة برد ولكن مع ذلك يكون المضاد الحيوي غير فعال. المشكل بحسب الإبراهيمي، مطروح بالأساس داخل المؤسسات الصحية، فكلما كانت المؤسسات الصحية كبيرة تستعمل فيها أدوية كثيرة ويزورها كثير من المرضى إلا وتكون الميكروبات كثيرة ويرتفع التأقلم ومن ثمة ترتفع المقاومة التي تكون في بعض الأحيان مقاومة لجميع المضادات الحيوية، وبالتالي يستلزم الأمر القيام بتحليلات للسوائل التي تخرج من الإنسان والأنسجة، وعندما نتكلم عن السوائل فإننا نقصد بالدرجة الأولى الدم والبول وماء النخاع الشوكي إو بعض إفرازات الإنسان مثل ماء المهبل بالنسبة للمرأة أو في حالة تعفنات يكون عينة من القيح، هذه العينات نعطيها للمختبر الذي يحدد بالضبط الميكروب المسؤول ومن ثم يحدد المضاد الحيوي المناسب للعلاج.ويلفت الدكتور الإبراهيمي إلى ضرورة مراعاة مجموعة من الأمور لتقديم وصفة دوائية مناسبة أولها، مراعاة المضاد الحيوي المناسب، لأنه من الممكن أن يكون هناك 5 أو 6 أنواع، ثانيا هذا المضاد الحيوي ينبغي أن يكون له انتشار داخل العضو، فمثلا إذا كان لدينا تعفن في جهاز المسالك البولية علينا أن نحصل على مضاد حيوي يستهدف هذا الجهاز، لأنه توجد بعض المضادات الحيوية عندما نضعها مع البكتيريا داخل المختبر تقضي عليها، لكن عندما نصفها للإنسان لا تؤدي الغرض المطلوب ولاتتجه إلى العضو المريض والمقصود بالعلاج. وبالتالي لا يستفيد منها هذا العضو ولا يأخذ منها إلا التسمم. ورغم أهمية مراعاة هذين الأمرين في العلاج بالمضادات الحيوية، غلا ان ذلك لا يتم في الغالب في المغرب، وسبب ذلك كما يرى الدكتور الإبراهيمي هو مشكل التغطية الصحية الذي لا يشمل جميع المغاربة، كما أن التشخيص يكون في الغالب إكلينيكيا، وحتى عندما يطلب الطبيب إجراء بعض التحاليل يصطدم بضعف إمكانيات المريض المادية، لذلك يتم الاعتماد على الاحتمالات في التشخيص ووصف العلاج، وببساطة أكبر: عندما يصادف الطبيب أعراضا معينة يحدد العضو المتضرر أو المتعفن بناء على التشخيص الإكلينيكي ثم يحدد الميكروب الأكثر احتمالا ويصف الدواء الذي يناسبه. بشكل عام، يلخص الدكتور الإبراهيمي المشكل في المغرب بالاستعمال المفرط للمضادات الحيوية من جانب الاطباء وأيضا من جانب المواطنين الذين يتوجهون مباشرة إلى الصيدليات ويحصلون عليها رغم أن ذلك ممنوع لأنه من الضروري أن يعطي الطبيب رأيه في الحالة. يلفت الدكتور الإبراهيمي الانتباه إلى أن هذه المسالة ليست مطروحة بحدة في البوادي حيث الميكروبات المتواجدة في البادية لا زالت تستجيب للمضادات الحيوية بطريقة كبيرة. في حين توجد المقاومة الشديدة في المراكز الكبيرة وخاصة في المراكز الاستشفائية الجامعية وداخل هذه المراكز توجد بعض المصالح تكون عرضة لمقاومة هذه المضادات الحيوية، ويعني بالضبط مصالح الانعاش والتخدير حيث يكون المرضى فيها في حالة متطورة جدا وبالتالي يكون المجال مفتوحا لبروز ميكروبات متعددة المقاومة. وفي بعض الأحيان - يضيف المتحدث- يضطر المستشفى إلى إغلاق بعض المصالح وهذا ما حدث فعلا في المغرب وفي دول متقدمة مثل فرنسا وأمريكا عندما يسيطر ميكروب على مصلحة من هذا النوع، لأن أي مريض سيدخل إلى هذه المصلحة سيتعرض لميكروب متعدد المقاومة لا دواء له ما ينتج عنه وفيات عالية أو مضاعفات كبيرة بالنسبة لصناديق التغطية الصحية أو بالنسبة للدولة. *** خسائر فادحة دراسات وأبحاث مراكز طبية في دول عديدة وحتى منظمة الصحة العالمية حذرت عدة مرات من الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية حتى إنها تحدث عن خسائر فادحة تتعرض لها اقتصاديات الدول جراء سوء الاستخدام الذي نتج عنه ظهور مقاومة في الجسم لهذه الادوية. المنظمة تتحدث عن “ تهديد خطير على صحة الإنسان ورفاهيته وإنهاك الاقتصاد الوطني عالميا" تلك باختصار الصورة العامة التي رسمتها عن نتائج المقاومة للمضادات الحيوية، وتقدر هذه الخسائر السنوية بما يراوح بين 21000 مليون دولار و34000 مليون دولار أمريكي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبما يقارب من 1500 مليون يورو في أوروبا. ولذلك أطلقت المنظمة برنامج “الاستخدام الحكيم للمضادات الحيوية" من أجل تشجيع الاستخدام المنطقي للأدوية ومكافحة المقاومة للمضادات الحيوية، وذلك عن طريق دعم برامج للتواصل المباشر بين المهنيين الصحيين والمواطنين لشرح المخاطر المحدقة بالصحة جراء الاستعمال المفرط وغير الرشيد للمضادات الحيوية. وطالبت المنظمة دول العالم باتخاذ الخطوات اللازمة لمكافحة ظاهرة «مقاومة المضادات الحيوية» بوضع خطط وطنية، وبتعزيز المراقبة، والاستخدام الرشيد للأدوية، وتعزيز سبل الوقاية من الأمراض المعدية. في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تقول الدراسات إن نصف الإستهلاك البشري للمضادات الحيوية في الولاياتالمتحدة غير ضروري أو غير مناسب، فإما أن المضادات الحيوية لا يُشار إليها، أو أن النوع الخطأ هو الموصوف، أو أن الجرعة هي الخطأ، أو أن مدة تناولها هي الخطأ. ففي هذا البلد المتقدم، يتم إنتاج أكثر من 25 مليون كلغ من المضادات الحيوية سنويا يذهب حوالي 40 في المئة منها للاستعمال الحيواني، وذك لحفز عملية النمو لدى الحيوانات وليس لعلاج الأمراض، كما يتفشى استعمالها في الزراعة فترش،على سبيل المثال، على أشجار الفواكه للسيطرة على العدوى البكتيرية. وتستخدم أيضا بشكل غير ملحوظ في منتجات التنظيف المنزلية المضادة للبكتيريا، والصابون ومعجون الأسنان، وحتى في الألعاب البلاستيكية. ونتيجة لهذا الاستعمال المكثف للمضادات الحيوية، أصبحت البشرية تواجه مأزقا متزايدا يتجلى في الجراثيم المسببة للأمراض والتي تقاوم الأدوية التي كانت قبلاً تقضي عليها. لقد تزايدت في الآونة الاخيرة عدد الأمراض المعروفة التي لم تعد قابلة للعلاج والسبب كما يقول الخبراء أن الجراثيم قامت بتطوير مناعتها في أجسادنا المليئة بالمضادات الحيوية، وفي أجساد الحيوانات، وفي الحقول وغيرها. ** كيف يختار الطبيب المضاد الحيوي المناسب للمريض؟ يختار الطبيب المضاد الحيوي المناسب للمريض والجرعة الدوائية اللازمة والشكل الدوائي الملائم بناء على عدة عوامل، منها: التشخيص السريري والمختبري: وذلك لمعرفة نوع البكتيريا الغازية ومعرفة المضاد الحيوي المناسب. صفات المضاد الحيوي، يجب معرفة صفات المضاد المختار من حيث: تركيزه في الجسم لأن المضاد قد يكون فعالا ضد بكتيريا معينة ولكن تركيزه في الجسم لا يصل إلى الحد المطلوب، وبالتالي لا نحصل على النتيجة المرجوة. طريقة طرحه من الجسم: فمثلا إذا كان الجسم يتخلص من الدواء سريعا فهذا يستدعي إعطاءه على فترات متقاربة. سمية الدواء وآثاره الجانبية: فينبغي الموازنة بين أضرار الدواء ومنفعته للمريض، فإذا ترجحت المنفعة على الضرر فلا بأس من صرفه للمريض. كلفة الدواء: بعض المضادات الحيوية ذات تكلفة عالية ولها بدائل أرخص ومساوية لها في التأثير وأحيانا قد تفوقها علاجيا. عوامل تتعلق بالمريض ومنها: العمر والجنس والوزن. حالة أعضاء الجسم خاصة الكلية والكبد.حالة الجهاز المناعي للمريض وخطر تفاعلات الحساسية الناجمة عن استعمال بعض المضادات الحيوية.