شكل موضوع "الفتوى في العصر الحاضر بين الانضباط والتسيب"محور ندوة فكرية نظمتها كلية أصول الدين بتطوان، أول أمس الثلاثاء، وشارك فيها علماء وفقهاء وباحثون في مجال الدراسات العقدية والفكرية والعلوم الشرعية. وأكد المتدخلون أن تنظيم هذه الندوة يهدف عامة إلى تسليط الضوء على المناهج التي تضبط عمل الإفتاء وشروطه والكشف عن الأخطاء ومكامن الخلل التي تقع فيها بعض الفتاوي، التي لا تقوم على أسس علمية وعقائدية مضبوطة شرعا وفقها، مشيرين إلى أن الفتوى في الشأن العام على مستوى المغرب هي من اختصاص المجلس العلمي الأعلى وحده. وأكد عميد كلية أصول الدين بتطوان، محمد الفقير التمسماني،حسب وكالة المغرب العربي للأنباء، أن الهدف من تنظيم هذه الندوة هو "بلورة رؤى عامة تذكر المهتمين بالشأن الديني والطلبة بأن مجال الفتوى له نظام ممنهج لابد من مراعاته والالتزام به، وهو نظام محدد رسمه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسار على نهجه الصحابة والفقهاء المسلمون والعلماء"، معتبرا، في الوقت ذاته، أن ظهور "فوضى الفتوى" في العصر الحاضر "دفع بكثير من العلماء إلى التصدي لهذا الأمر والكشف عن الهفوات والسقطات التي تعلقت بالظاهرة". وأضاف التمسماني أن هذه الندوة تشكل مناسبة للكشف عن الأخطاء التي يقع فيها بعض من يدعي الإفتاء في شأن المسلمين، مع التذكير بالمنهج الذي يضبط عمل المفتي، مشيرا إلى أن الأخطاء التي تقع فيها بعض الفتاوي أرجعها العلماء إلى ثلاثة أمور "إما جهل بالدليل أو تجاهل بالتأويل أو خطأ في التنزيل". وأبرز التمسماني أن الفتوى في المغرب "مقننة ومنظمة"، موضحا أن "الفتوى في الشأن العام هي من اختصاص المجلس العلمي الأعلى، فيما فتوى عامة الناس وإخبارهم بما يحتاجون إليه في شؤون دينهم ودنياهم، أو ما يعرف عند العلماء بمجرد إخبار، فهي مناطة بكل عالم وفقيه متمكن له القدرة ليبلغ عن الله ورسوله". وفي نفس السياق، قال رئيس مركز البحوث والدراسات في الفقه المالكي، التابع للرابطة المحمدية للعلماء، محمد العلمي، في عرض بعنوان "شروط الفتوى وكيفية تطورها من العهد القديم إلى الوقت المتأخر"، إن علماء الإسلام، ونفس الحال في المغرب، "أضافوا قواعد من أصول الفقه إلى علم الإفتاء لمواكبة العصر والمستجدات الطارئة ولمواجهة تراجع المعرفة الفقهية وضمور المعارف العلمية والشرعية عموما عند المتأخرين"، موضحا أن العلماء "سهلوا الشروط من جهة وشددوا القواعد من جهة أخرى حتى لا يتدخل في الفتوى من يتساهل ويعمل فيها الهوى والانحراف ويخرج عن سياقها الصحيح". وأكد أنه في العصر الحاضر يمكن أن "تستمر القواعد بناء على هذا المبدأ، وهو حصول الاستقرار في الحديث عن الشرع والدين بشكل متجدد مع الزمن والمكان لحماية الضمير والوعي الديني من كل عوامل الهدم". من جهته، أبرز رئيس شعبة أصول الدين وتاريخ الأديان بكلية أصول الدين بتطوان، توفيق الغلبزوري، أن الفتوى اليوم "أصبحت فوضى في كثير من المواقع وبغير خطاب ولا زمام وأصبح يقتحم ميدان الفتوى كل من هب ودب وكل من لم يتمكن من أهلية الفتوى والاجتهاد لاسيما بعد ظهور فضائيات ومواقع الكترونية، التي أصبح فيها شائعا ما يصطلح عليه "فتاوى على الهوى". وذكر أن مجال الفتوى والإفتاء "له علوم وقواعد وضوابط تحدد من يحق له الإفتاء ومن لا يحق له ذلك لاسيما في الشأن العام".ودعا إلى "البحث عن سبل العلاج والوقاية من هذه الأمراض والأدواء للحد من التسرع والعجلة التي بدأت تطبع مجال الفتوى دون تمحيص وتثبت وتبين، خاصة في المجالات التي تهم المجتمع بأسره وتهم الدولة، وذلك استنادا إلى ما جاء في الأثر "أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار".