هل كان ضروريا أن تصدر النقابة الوطنية للصحافة المغربية بلاغا ضد نائب برلماني وجه سؤالا شفويا في إطار مهمته الرقابية يسائل فيه السياسة التحريرية للقناة الثانية، لاسيما وأن سؤاله استند إلى ممارسة إعلامية - ربورطاج حول موقف المستثمرين من تدبير الحكومة للأزمة الاقتصادية- يعرف المبتدئون في الصحافة، فضلا عن الذين يرأسون بعض هياكلها النقابية، أنها لا تندرج مطلقا ضمن أي صنف من أصناف الخدمة العمومية، ولا تحترم أي معيار من معايير التعددية، سوى أن تكون خادمة لأجندة سياسية واضحة يكشفها سياق الجدل السياسي بين الحكومة والأغلبية؛ هذا إن لطفنا العبارة ولم نتحدث عن إرادات تعاكس الإصلاح يتم توظيفها من أجل فرملة الإصلاح. نقابة السيد يونس مجاهد، بلعت لسانها ولم تتحدث بكلمة واحدة عن الجرائم المهنية التي ترتكبها القناة الثانية ضد التعددية بكل مستوياتها، ولم تحرك الذاكرة التاريخية وتستدع صفحات المناورات السياسية التي قامت بها هذه القناة ضد القوى الديمقراطية التي كان السيد يونس مجاهد آنذاك ينتسب إليها، وفضلت أن تقدم مرافعة تنقل بالحرف مضمون البيان الذي أصدرته القناة الثانية على خلفية الحدث، بل إنها مضت أبعد من ذلك، فصارت تصادر حق العمل البرلماني في المساءلة والرقابة على أداء المؤسسات، داعية نواب الأمة إلى الصمت والاكتفاء بمخاطبة المؤسسات المعنية كالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري قصد القيام بواجبها كما لو كانت المساءلة للقناة الثانية خطا أحمرا لا يجوز الاقتراب منه ولا يدخل في الاختصاص الرقابي لنواب الأمة. والأخطر من ذلك، وهو ما يبرهن على إقحام النقابة في اصطفافات سياسية تخرج بها عن الاستقلالية والحياد، أنها بدلا من أن تركز على موضوع النازلة المرتبط بتقييم الممارسة الإعلامية التي جاءت كشاهد إثبات في سؤال النائب البرلماني، وتبدي نظرها في السياسة التحريرية المؤطرة لها، وهل تعكس استقلالية القناة أم اصطفافها في خدمة أجندات سياسية معروفة، بدلا عن ذلك كله، أعطت للبلاغ مضمونا سياسيا أشبه ما يكون بالبلاغ الأخير للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وذلك حينما انخرطت في الهجوم على الحكومة واتهام الوزارة الوصية من غير أي دليل بالمعاقبة المالية الانتقامية للقناة الثانية، بل جعلت من نفسها ناطقا رسميا باسم القناة تدافع عن سياستها التحريرية للقناة وتبرر رداءة المنتوج، وتنخرط في لعبة التضليل عند الحديث عن استقلاليتها. المفارقة، وفي تناقض غير مفهوم، أن النقابة في آخر بلاغها، وبعد أن كسرت كل رصيد المصداقية التي تمتلكه راحت في آخر البلاغ توجه دعوة إلى مسؤولي الإعلام العمومي لتقديم خدمة عمومية راقية ومضمون جيد، وتطوير آليات الشفافية والاستقلالية وآليات الحكامة وتغليب المهنية واحترام التعددية السياسية وحق الاختلاف في الآراء، هذا مع أن جوهر المشكلة كله، بل محور موضوع السؤال الشفوي للنائب البرلماني كان يدور حول هذه النقاط لا غير. لقد أدركت النقابة للأسف في بلاغها أنها أقحمت نفسها في اصطفافات سياسية كانت استقلاليتها تفرض عليها أن تبقى في الحياد، أو على الأقل تفرض أن يكون موقفها مرتبطا بالدفاع عن الصحفيين أو تقويم الممارسة المهنية بناء على قواعد الخدمة العمومية وأخلاقيات المهنة ومعايير ضمان تعددية الرأي، ولذلك حاولت في آخر البلاغ أن تتذكر أن هناك أشياء أساسية تحكم الممارسة المهنية وأنه لا بد من احترامها، حتى تظهر بمظهر المحايد الذي يأخذ العصا من الوسط، لكن قبل فوات الأوان، بعد أن أهرقت ماء استقلاليتها، وانضمت إلى جوقة المعاكسين لإرادة الإصلاح، وأصبحت ملحقة وظيفية للقيادة الجديدة للاتحاد الاشتراكي، تترجم ، بلغة إعلامية وبمضمون سياسي واضح، بالحرف مضمون البلاغ الأخير لحزب الاتحاد الاشتراكي في ظل قيادته «البامية».