الطريقة التي تعامل بها الإعلام العمومي ووكالة المغرب العربي للأنباء مع قرار حزب الاستقلال في مجلسه الوطني الأخير والبلاغ الصادر عن لقاء لجنته التنفيذية الاستثنائي يثير كثيرا من النقاش حول استقلالية هذه الوسائط والتزامها بالمعايير المهنية ومستلزمات الخدمة العمومية، ومراعاة تعددية تعبيرات الرأي، إذ بدل أن تنخرط وسائل الإعلام العمومية في تقديم خدمة عمومية تستهدف تنوير الرأي العام بالحدث وخلفياته وفتح نقاش علمي دستوري يشارك فيه فقهاء دستوريون حول الالتباسات التي نشأت من جراء الاستناد إلى الفصل 42، بل وفتح نقاش علمي سياسي يتم فيه مناقشة قرار حزب الاستقلال وسياقه وتداعياته في المرحلة الدقيقة التي يمر منها المغرب وخلفياته السياسية، تحولت وسائل الإعلام العمومية إلى فاعل سياسي يقدم الإسناد الإعلامي والسياسي للإرادات التي تحاول أن تستغل الحدث لإضعاف فاعل سياسي لها حسابات معلنة معه. وتتبع الرأي العام كيف وفرت وسائل الإعلام العمومية بسخاء سيولة زمنية فاقت كل المعايير المهنية قدمتها على طابق من ذهب لبعض الفاعلين السياسيين ضدا على واجب احترام ومراعاة تعددية تيارات الرأي السياسي، والأخطر من ذلك، أن وكالة المغرب العربي للأنباء، سمحت لنفسها، وعلى غير المعتاد، أن تنسب للملك مضمون مكالمة هاتفية استنادا إلى مصادر حزبية، وإدراجها ضمن الأنشطة الملكية، مع أن الأعراف المهنية، والاحترام الواجب للملك، يقتضي انتظار بلاغ من الديوان الملكي يوضح بالتحديد مضمون هذه المكالمة، لاسيما وأن إيراد هذا الخبر في وكالة رسمية، يطرح إشكالات كبيرة تتعلق بالمضمون والشكل، إذ أن أي خطأ في نقل مضمون المكالمة الهاتفية التي تخص وضعية سياسية حساسة يمكن أن ينتج عنه سوء فهم والتباس قد يفضي إلى الإخلال بالاحترام الواجب للمؤسسة الملكية لاسيما في هذه الظرفية التي يستهدف بها المغرب في اختياره الديمقراطي ومساره الحقوقي. والواقع، أن حاصل التجييش الإعلامي الذي انخرطت فيه وسائل الإعلام العمومية لم ينتج إلا الخلط والالتباس، فلا حكومة السيد عبد الإله بن كيران سقطت، ولا حزب الاستقلال انسحب من الحكومة، ليبقى الرأي العام فاقدا للبوصلة بسبب الإمعان في إقصاء الخدمة العمومية في التعاطي الإعلامي، والاستمرار في سياسة اغتيال تعددية تيارات الرأي، والخروج عن مقتضيات التعاطي المهني. ماذا كان يضر وسائل الإعلام العمومية، أن تجعل من الحدث لحظة تنوير للرأي العام، وأن تجعل موقف حزب الاستقلال أمام مشرحة التحليل السياسي والدستوري، وأن تستضيف الفقهاء الدستوريين والمحللين السياسيين النزهاء، وأن تضمن تعددية الرأي السياسي، وأن تبقى على الحياد المهني الذي يؤسس للمصداقية والنزاهة في التعاطي الإعلامي؟ ماذا كان يضر الإعلام العمومي لو ابتعد عن أسلوب المناورات والضرب تحت الحزام، فقط لأن الأمر يتعلق بتصفية حسابات مع رئيس الحكومة أو مع حزبه، مع أن كل المعطيات التي يمكن أن يستند إليها التحليل الموضوعي تؤكد أن أسوأ السيناريوهات التي قد يراهن عليها لتدبير هذه الأزمة، سيكون فيها الحزب المستهدف هو الرابح الأكبر بحكم جاهزيته ورصيده الشعبي. إن أبسط ما يمكن أن يتم به التعليق على الإخراج الإعلامي الذي تم تدبيره بطريقة بئيسة، هو أنه يعكس حالة الاضطراب والهلوسة التي وصلت إليها جيوب مقاومة الإصلاح بسبب عدم تصديقهم أن تصمد الحكومة وتستمر في ولايتها، والخوف الشديد من أن تكون نهاية زمن الريع والامتيازات غير المشروعة، بفاعلية الثقافة السياسية التي تؤسس لها هذه الحكومة.