أثارني أخيرا ما كتبته إحدى القاضيات على الفايس بوك وعنونتها ب»سلطة القضاة...وهمية»، تتحدث كاتبة تلك الكلمات عن خيبة أملها في مهنة القضاء، وهي التي كانت تتوقع أنها ستكون «قاضية مستقلة ذات نفوذ..قاضية لها سلطة البت في نزاعات المواطنين...قاضية لها مكتب و كراسي و سيارة ... لها مهنة تحظى بالإحترام من طرف الكل...مهنة نبيلة شريفة...مهنة تمكنها من تغيير عادات سيئة ...قاضية تحكم بحرية...». في الحقيقة هي كلمات مثيرة وصادمة في الآن ذاته، هل فعلا يعاني قضاؤنا من هذه السوداوية، ألهذه الحدود لدينا أياد خفية تحكم وتتحكم في قضايانا، هل فعلا لدينا قضاة بدون سلطة..وليس لقضاتنا من هاته المهنة إلا الإسم، و ليس لهم من السلطة إلا الصورة..؟ في الواقع، تصيبني مثل هذه الاعترافات بالذهول، ألا تساهم في تشويه صورة القضاء وطنيا ودوليا، بل تساهم أيضا في إسقاط هيبة القاضي وهيبة الأحكام التي ينطقون بها، بل تشويه لسمعة نساء و رجال القضاء ؟ دائما أجدني أمام سؤال عريض: لماذا كل هذا السواد، فمحاكمنا مليئة بقضاة يفرضون على الآخر احترامهم (متقاضين، محامين، موظفين وحتى الهيئات الأعلى منه..)-، ولدينا من القوانين ما تحقق أهداف ردع كل من حاول إهانة قاض ومهما كانت سلطته أيضا. كيف لقضاة مهنتهم النظر في الخصومات والدعاوى وإصدار أحكام ملزمة أن يشتكون من ظلم أو إهانة متقاض أو محام أو... مع كل احترامي لما كتبته القاضية إلا أنني لا أتفق معها، فلدينا من القضاة رجالا ونساء نحترمهم ونقدر مجهوداتهم، يفرضون هيبتهم على الجميع، وبالقانون هم أسياد الموقف...قضاة عادلون يحكمون ولا يبيعون ذممهم، منهجهم الآية الكريمة «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا «. ومع كل هذا، فلا أحد يستطيع إنكار أن وضعية القضاء ببلادنا ليست بالجيدة، وأن قضتنا في مواجهة الاستقلالية والتحدي الأخلاقي والفعالية والعصرنة، وأن الحسابات السياسية، والرشوة والفساد لاتزال مثار نضالهم..وأن استقلال القضاء ليس مطلبا في حد ذاته، وإنما وسيلة لضمان الحقوق التي أقرها القانون، وتكريس مبدأ دولة الحق الذي يحميه القانون...لكن لدينا من القضاة من أدى ثمن فرض مبادئه حرمانه من المهنة طول الحياة، ومنهم من تم عزله... ومن أجل قضاء نزيه مستقل وشفاف..من أجل تسين الوضعية المادية للقضاة وتحسين ظروف اشتغال القضاة، يناضل مئات القضاة من داخل نادي قضاة المغرب في العلن في سابقة هي الأولى من نوعها في المغرب. ويجب أن تظل هيبة القضاء محفوظة..على اعتبار أن هيبة قضاتنا من هيبة الأحكام التي يقضون بها ومن هيبة العدالة التي هي أساس الحكم.