مما لا يختلف حوله الناس: تفاوتُ المؤمنين في سلم الكسب والعطاء قوة وضعفا، مما يعني تفاضلهم في الأجر والثواب. وقد تواترت النصوص الصحيحة والأخبار الصريحة لتدل على فضل أهل القوة في مناح كثيرة، ففي السبق إلى الإسلام: لا أحد يعدل تلك الثلة المؤمنة التي صابرت ورابطت أول الأمر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي فضل الصحبة والهجرة والنصرة والبيعة ما استفاض بذكره القرآن والسنة: "والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنت تجري تحتها الأنهر خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم"سورة التوبة 101. وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة". المؤمن قوي في اعتقاده وإيمانه: صادق في توكله، راض بقضائه وقدره، لا وساوس الرزق تنهشه لأن "الله هو الرزاق ذو القوة المتين"سورة الذاريات58 ، ولا ضيق المستقبل يؤرقه، ولا تتابع النعم يطغيه، ولا نزول النقم يقنطه لأن عزاءه في قوله: "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون" سورة البقرة155.. اجتهدَ في اتخاذ الأسباب وأسلم أمره لمولاه، يرى نفسه معنيا بخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام، إني أعلِّمُك كَلِمات: احفَظِ اللهَ يحفظْك، احفَظِ الله تجِدْه تجاهَكَ، إذا سَأَلتَ فاسْألِ اللهَ، وإذا استَعنتَ فاستعِن بالله، واعلَم أنّ الأمّةَ لو اجتمَعت علَى أن ينفَعوك بشيءٍ لم يَنفَعوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك.. المؤمن قوي في دعوته: يشْرُف بالسير على خطى الحبيب صلى الله عليه وسلم داعيا قويا حكيما، رفيقا شفيقا، لا يداهن في الحق، ولا يبيع دينه بعرض من الدنيا زائل. فهو قد ارتضى لنفسه وراثة النبوة، فنادى متأسيا بكوكبة الهدى: "قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين"سورة يوسف108، اتخذ الزاد من قول الله تعالى: "ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين"سورة فصلت 32 ، واطمأنتْ نفسه لما يصيبه منها من المغارم لأنَّ "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل"(البخاري)، وهانت تضحياته حين طالع بقلبه عظمة المغانم: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم"(مسلم). وما أعظم آية الأعراف في الدلالة على هذا الجمع بين الأخذ بقوة والدعوة بقوة: "وكتبنا له في الالواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين سورة الأعراف 145 . المؤمن قوي في جهاده وانفاقه ساعة العسر والخطر: قال تعالى: "وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير سورة الحديد10..قال ابن كثير رحمه الله: (فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل، ومن فعل ذلك بعد ذلك، وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول، وإخلاصه التام، وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق، وفي الحديث (سبق درهم مئة ألف)، ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه له الحظ الأوفر من هذه الآية، فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء، فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عز وجل، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها.) وقسْ على ذلك بقية الطاعات والقربات التي تحث عليها النداءات القرآنية المتمثلة في المسابقة والمسارعة والمنافسة والإحسان والإتمام..، فلا مجال لمقارنة من يقومون إلى الخير، فيؤدونه بقوة وإتقان مع من تشدهم الغفلة والخمول إلى الأرض شدا، فلا ينبعثون إلى فعل الخيرات إلا كسالى كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون!!