● شهدت مدينة فاس في الآونة الأخيرة عودة مسلسل انهيار الأبنية السكنية إلى الواجهة، كيف تفسرون ذلك؟ ❍ ظاهرة انهيار الأبنية في مدينة فاس ظاهرة قديمة جديدة؛ فهي ترجع إلى فترة التسعينات وقبلها كانت تسجل حالات شبه معزولة، لكن الارتفاع في وتيرتها ناتج عن عوامل نذكر منها؛ أولا، بالنسبة للأنسجة التقليدية العتيقة التي تغطي مساحة تقدر ب 120 هكتارا وهي: المشور، فاس الجديد، المدينة العتيقة (العدوتين الأندلس والقرويين)، فإن تسجيل انهيارات ناتج عن قدم البنايات وشيخوختها، وعدم قيام السكان بالإصلاحات الضرورية، حيث أصبحت البناية التي كانت تقطن بها أسرة واحدة تعج بأزيد من سبع أسر، علما أن شبكة تصريف المياه الصحي والمرافق الأخرى مجهزة في الأصل لأسرة أو أسرتين فقط، مما يجعل عددا من الأسر تلجأ إلى إحداث مرافق جديدة تؤثر سلبا على متانة البنايات. إضافة إلى ما سبق، يمكن الإشارة إلى أنه في السابق كانت ساكنة المدينة العتيقة تقوم بصيانة أسطح البنايات ومجاري المياه خلال كل فصل شتاء، لكن مؤخرا لم يعد أحد يقوم بذلك بعد أن تعددت الأسر داخل البناية الواحدة، مما يجعلها معرضة للانهيار في أي لحظة، ومن الأسباب أيضا تواجد عدد من «الخراب» داخل المدينة العتيقة، التي فضلا عن مساوئها البيئية لها تأثير مباشر على البنايات المجاورة. وتجدر الإشارة، إلى وجود 1729 بناية سكنية في المدينة العتيقة مصنفة من الدرجة الأولى من حيث خطورة الانهيار، يقطنها حوالي 9000 أسرة. ثانيا، بالنسبة للمنطقة الشمالية والجنانات التي تبلغ مساحتها 500 هكتار (240 هكتار في اجنانات و260 هكتار في المنطقة الشمالية)، يبلغ عدد الأسر التي تقيم في البنايات الآيلة للسقوط 11 ألفا و395 أسرة، تسكن أغلبها في 2279 عمارة من خمسة طوابق مصنفة من الدرجة الأولى والثانية والثالثة، تشكل المصنفة من الدرجة الأولى منها حوالي 975 عمارة. ● بعيدا عن المعطيات الخاصة بالدور الآيلة للسقوط، يلاحظ بين الفينة والأخرى حدوث انهيارات بنايات في طور البناء، كحادث انهيار بناية من ستة طوابق في منطقة سهب الورد، هل هذا يكشف أننا إزاء إعادة إنتاج نفس المشكل؟ ❍ فيما يتعلق بهذه الحالة، لا أخفي أننا سجلنا هذه السنة عددا مهما من مخالفات البناء، نتعامل معها وفقا للإطار القانوني المتمثل في إعداد محاضر لهذه المخالفات، وإحالتها على وكيل الملك، ثم استصدار أوامر بهدم هذه المنازل، لكن الظروف التي مر بها المغرب في السنتين الماضيتين عطلت نسبيا تنفيذ هذه القرارات، ولدينا ما يزيد عن 350 قرارا بالهدم لم يجد طريقه إلى التنفيذ مما يؤشر على وجود صعوبة على مستوى التنفيذ. ليس هناك إنتاج للمشكل من جديد، كل ما في الأمر أن هناك مخالفات تحتاج إلى صرامة أكثر من أجل تفادي هذا المنتوج الرديء والسيئ، الذي يتم في غياب أبسط الشروط التقنية والقانونية لسلامة المقيمين والمارة وحتى من يقوم بأشغال البناء. إن ظاهرة البناء العشوائي موجودة بكثرة في منطقة سهب الورد، التي استصدرنا فيها لوحدها حوالي 130 قرارا بالهدم ناتجة عن مخالفات تتمثل في إضافة طوابق بدون ترخيص، كحالة العمارة المنهارة مؤخرا، التي تم إعداد ملف متكامل بشأنها وإحالته على مصالح النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية في حق هذا المخالف. ● ما هي الإجراءات لتفادي حدوث انهيارات في الأبنية؟ ❍ هناك إجراءات وقائية وعلاجية؛ فيما يتعلق بالإجراءات الوقائية تتوزع المسؤولية بين الوكالة الحضرية ومفتشية الإسكان ووزارة الداخلية بمختلف مكوناتها، بالنسبة للدور الأساسي الذي نضطلع به على مستوى ولاية الجهة فهو القيام بالمساطير القانونية وعمليات الضبط والزجر في حالة تسجيل مخالفات، وقد وجهت في هذا الصدد مجموعة من المراسلات إلى رؤساء المناطق والملحقات الإدارية من أجل تشديد عمليات المراقبة والتدخلات الاستعجالية قبل اللجوء إلى المساطير التي تكون غالبا طويلة الأمد. كما حددنا المناطق التي يمكن أن يكون لها امتداد أفقي للبنايات العشوائية، بعد توقيع اتفاقية مع المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي الذي يوفر لنا مجموعة من صور المراقبة الجوية تخص جميع حركيات البناء التي تقع في المناطق التي حددناها سلفا، حتى لا يكون -على الأقل- تأثير على الأراضي الفلاحية والأراضي المجاورة للمدينة، وحتى تبقى رقعة التعمير وامتدادها مضبوطة، ونتجنب الامتداد العشوائي سواء في المناطق القروية والشبه الحضرية المجاورة للمدارات الحضرية، والتي تعرف ضغطا كبيرا لأنها تكون مقبولة في ثمن بيعها، الشيء الذي يجلعها منطقة لغزو هذا النوع من العمارات.أما فيما يخص الإجراءات العلاجية فتباينت حسب المناطق؛ بالنسبة للمدينة القديمة وقعت اتفاقيات بين وزارة الإسكان والداخلية والجماعة الحضرية بفاس ابتداء من 2004، ساهمت إلى حد كبير في تقليص حوادث الانهيارات رغم الانتقادات التي وجهت إلى هذا الإجراء، الذي لم يستطع أن يواكب وتيرة التطور لعدم انتظام السيولة المادية لتمويل البرامج، وصعوبة التدخل في المدينة القديمة. بالنسبة للمنطقة الشمالية واجنانات التي شيدت في سنوات السبعينات والثمانينات، فإن هذا المنتوج وصل إلى نهاية عمره الافتراضي لأن بناء العمارات كان يتم فوق أرض غير صالحة للنباء ودون موافقة تقنية، مما تطلب مقاربات عديدة لتجنب انهيارات؛ الأولى، بدأت منذ تسعينات القرن الماضي من خلال إعادة الإسكان دون استرجاع المنزل في العمارة المهددة بالانهيار، لكن -مع الأسف- ظهرت من خلال الممارسة محدودية المقاربة، لأن الناس يستعجلون الاستفادة، حيث ظهرت بعض السلوكات فالذي كان يسكن في شقة بدأ في زيادة الطوابق حتى يستفيد من أكثر من مسكن. المقاربة الثانية، تمثلت في التدعيم بواسطة نظام يمكن من تدعيم الأساسات والبنيات الحاملة تكلفت به مؤسسة العمران، لكنها فشلت بسبب عدم إقبال الساكنة لأنه كان لزاما مساهمتها المادية. المقاربة الأخيرة فيها أربعة مرتكزات أساسية هي؛ الإحاطة القانونية حيث أعطيت التعليمات للجماعات ورؤساء المقاطعات للقيام بجرد بتنسيق مع مكتب الدراسات لوضع الآليات الجديدة ومحاضر تقنية للبنايات الآيلة للسقوط، والجانب المؤسساتي حيث تم إحداث لجنة تتبع ويقظة تقوم بالتتبع اليومي والمباشر لهذه النبايات وإعطاء الأهمية لجميع شكايات المواطنين. وتمثل البعد الأول لهذه المقاربة في دعم الأسر بمبلغ 1000 درهم للمتر المربع للبحث عن بديل، لكن تبين –فيما بعد- أن مساحات أغلب المنازل صغيرة مما يقلل حجم الدعم الموجه إلى الأسر، الأمر الذي اضطر اللجنة إلى إنفاق سقف أدنى للدعم يتمثل في 60 ألف درهم وآخر أعلى يتجاوز 120 ألف درهم. أما البعد الثاني، فتمثل في تخصيص مخزون سكني منخفض التكلفة في إطار الشراكة العمومية الخاصة، لكن الملاحظ أن الوحدات السكنية قليلة مقارنة مع عدد العمارات المعرضة لخطر الانهيار، كما أنها شيدت في أماكن بعيدة عن أماكن العمارات. الحمد لله، هذه الاتفاقية التي نطبقها في المنطقة للشمالية واجنانات بلغت الميزانية المخصصة لها حوالي 150 مليون درهم، وحاليا تم هدم 130 عمارة وتفريغ الأسر التي تقطن بها، منذ أن بدأت الاتفاقية سارية المفعول سنة 2010.