التعاون الجماعي خُلق من الأخلاق الإسلامية التي حث الإسلام عليها ودعا إليها بإلحاح، وقدم ما يلزم لتربية المسلمين عليها، فالتعاون من ضروريات الحياة والأعمال الكبرى لا تتحقق إلا عن طريقه، جعله الله فطرة في جميع مخلوقاته، فنرى النحل والنمل وغيرها من الحشرات تتحد وتتعاون في جمع طعامها، وتتحد كذلك في صد أعدائها. والإنسان أولى بالتعاون لما ميزه الله به من عقل وفكر. وقد ورد الأمر بالتعاون على البر والخير، والنهي عن التعاون على الإثم والعدوان في قول الله تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب"سورة المائدة: 3 التعاون لغة مطلق المساعدة، قال صاحب الألفاظ المؤتلفة :باب الإعانة: يقال أعانه وأجاره وأيده.. ورافده وأغاثه وعاونه وعاضده وآزره وناصره.. وظافره وظاهره ومالأه,.. وتعاون القوم أعان بعضهم بعضا. أما التعاون المأمور به شرعا فمقيد بأن يكون تعاونا على البر والتقوى وليس على الإثم والعدوان. سئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" سورة المائدة: 3، فقال: هو أن تعمل به وتدعو إليه وتعين فيه وتدل عليه. فلما كان الإنسان ضعيفا بوصفه فردا، قويا باجتماعه مع الآخرين، وكان شعور الإنسان بهذا الضعف يدفعه حتما إلى التعاون مع غيره في أي مجال، أمر الله العباد أن يجعلوا تعاونهم على البرّ والتقوى لا على الإثم والعدوان. قال القاسمي في تفسيره : "لما كان الاعتداء غالبا بطريق التظاهر والتعاون، أُمروا بأن يتعاونوا على كل ما هو من باب البر والتقوى، ومتابعة الأمر ومجانبة الهوى..، ثم نُهوا عن التعاون في كل ما هو من مقولة الظلم والمعاصي. قال ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" سورة المائدة: 3 اشتملت هذه الآية على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم فيما بينهم بعضهم بعضا وفيما بينهم وبين ربهم، فإن كل عبد لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين : واجب بينه وبين الله وواجب بينه وبين الخلق، فأما ما بينه وبين الخلق من المعاشرة والمعاونة والصحبة، فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاونا على مرضاة الله وطاعته التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله ". وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: "الإعانة هي: الإتيان بكل خصلة من خصال الخير المأمور بفعلها، والامتناع عن كل خصلة من خصال الشر المأمور بتركها، فإن العبد مأمور بفعلها بنفسه، وبمعاونة غيره عليها من إخوانه المسلمين، بكل قول يبعث عليها، وبكل فعل كذلك. ان أمة الاسلام هي أمة التعاون، فما اجمل أن نكون متعاونين على البر والخيرات متناهين عن الإثم والمنكرات نقضي حوائج بعضنا, فيعين قوينا ضعيفنا, ويفقه عالمنا جاهلنا, ويفرج غنينا كرب فقيرنا, وينافس بعضنا بعضا في قضاء الحوائج كما كان السلف الصالح. فشريعتنا الإسلامية تريدنا جسدا واحدا، إذا تألم فيه عضو تداعى له سائر الأعضاء؛ قَالَ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" وشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ..