إستجابت وزارة العدل و الحريات أخيرا إلى مطالب ترشيد الاعتقال الاحتياطي التي تقدم بها مهنيو قطاع العدل و الجمعيات الحقوقية التي سبق أن راسلت مصطفى الرميد في هذا الإطار، وتطرقت وثيقة مرجعية أصدرتها نهاية الأسبوع الوزارة المعنية حول إشكالية الاعتقال الاحتياطي الذي يعتبر -بحسب الوثيقة- فترة الاعتقال التي يقضيها المتهم على ذمة التحقيق بسبب جناية أو جنحة منسوبة إليه، أو خلال فترة محاكمته قبل صدور حكم حائز لقوة الشيء المقضي به؛ ويتم الوضع رهن الاعتقال الاحتياطي بقرار للنيابة العامة (وكيل الملك أو الوكيل العام للملك) في حالة الإحالة المباشرة على المحكمة، أو من طرف قاضي التحقيق. في حين لم يحدد القانون أجلا للاعتقال الاحتياطي خلال مرحلة المحاكمة على خلاف فترة التحقيق التي حددت فيها مدة الاعتقال الاحتياطي في ثلاثة أشهر كحد أقصى في الجنح، وسنة كحد أقصى في الجنايات؛ حيث يعد الاعتقال الاحتياطي تدبيرا استثنائيا لا يتم اللجوء إليه إلا بصفة استثنائية وبشروط خاصة(المادة159). واعتبرت الوثيقة أن معالجة هذه الإشكالية و إن كانت بالضرورة من أولويات وزارة العدل والحريات؛ فإنه أضحى على المجتمع المدني و من ضمنه الجمعيات التي تهتم بهذا المجال أن تساهم برأيها في ذلك من خلال ورش الحوار الوطني المفتوح من أجل الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة؛ والذي جعل موضوع ترشيد الاعتقال الاحتياطي من بين أهم المواضيع التي اشتغل عليها. وفي السياق ذاته، أصدرت الوزارة المعنية قرابة أحد عشر منشورا في هذا الموضوع بهدف التقليص من نسبته، إلا أن الغاية المنشودة منها لم تتحقق؛ الشيء الذي دفع الوزارة إلى إعادة قراءة الأسباب التي تساهم بشكل مباشر في ارتفاع نسبة الاعتقال الاحتياطي بغية وضع جملة من الأفكار و التصورات التي من شأنها إيجاد حلول ناجعة لمعالجة هذه الظاهرة من قبيل حصر الحالات التي يمكن اللجوء فيها إلى الاعتقال الاحتياطي من خلال ضبط مداخله القانونية و تدقيق مصطلحاتها؛ وحذف التحقيق في الجنح لما يتسبب فيه من إطالة فترة الاعتقال الاحتياطي دون جدوى؛ ومراجعة الموقف من إلزامية التحقيق في بعض الجنايات مادامت المحاكمة أضحت تمر عبر غرفتين ابتدائية وأخرى استئنافية؛ ومعالجة أو حذف المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية حتى لا يبقى الوكيل العام للملك مقيدا بضرورة وضع المتهم رهن الاعتقال عند إحالته على غرفة الجنايات. وفيما يتعلق بتحديد آجال البت في قضايا المعتقلين بالنسبة للمحكمة لتفادي البطء في تصريف ملفاتهم وتأخر البت فيها، ترى الوزارة المعنية ضرورة إخضاع قرارات الاعتقال الاحتياطي التي تصدرها النيابة العامة للطعن أمام هيئة قضائية (غرفة الحريات)؛ تطوير خيارات السياسة الجنائية نحو بدائل الاعتقال وبدائل العقوبات السالبة للحرية وبدائل الدعوى العمومية؛ ترشيد وعقلنة الطعون المقدمة من طرف النيابة العامة في قضايا المعتقلين الاحتياطيين. وتعمل الوزارة على مراجعة مجموعة من نصوص القانون الجنائي لتساير مفهوم السياسية الجنائية الحالية خاصة فيما يتعلق بجرائم السرقة الموصوفة وجرائم عدم توفير مؤونة الشيك..، مراجعة العقوبات الحبسية المحدودة أو القصيرة المدة نظرا لكونها لم تعد تحقق الهدف المتوخى منها، نشر الوعي القانوني لدى المواطنين لتغيير نظرتهم للاعتقال الاحتياطي تخفيفا للضغط على القضاء بسبب عدم الاعتقال؛ وتخليق منظومة العدالة بشكل يزرع الاطمئنان لدى قضاة النيابة العامة وقضاة التحقيق في قراراتهم التي يتخذونها من دون اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي. يذكر أن المغرب يتمركز في خانة المستوى المرتفع فيما يتعلق بالاعتقال الاحتياطي، بحيث بلغت خلال نهاية شهر دجنبر من سنة 2011 نسبة الاعتقال الاحتياطي 42.37 في المائة، بينما بلغت في نهاية سنة 2012 ما قدره 43 في المائة.