احتضن مسرح محمد الخامس بالرباط، مساء الأحد، 3 فبراير 2013 المهرجان الفني الثالث «مغرب المديح»، الذي نظمته حركة التوحيد والإصلاح بشراكة مع المسرح الوطني محمد الخامس، احتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف. وتميز المهرجان الفني الذي تابعه جمهور غفير امتلأت به جنبات المسرح الوطني، بتكريم الفنان محمد حسن الجندي، وسلم محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، درعا تذكاريا للمحتفى به، كما قدم له عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، هدية تذكارية بالمناسبة. تميز المهرجان الفني بحضور شخصيات فنية بارزة ومخرجين مسرحيين ونقاد سينمائيين، منهم الممثلة صفية الزياني والمخرج عبد المجيد فنيش، والمخرج أنور الجندي وعدد من أبناء وبنات محمد حسن الجندي وزوجته، وكذا عدد من الوزراء.وتخلل المهرجان الفني عرض شريط وثائقي، عن الممثل المحتفى به، تضمن شهادات مختلفة في حق محمد حسن الجندي، قدمتها شخصيات فنية وأدبية وأفراد من أسرة الفنان المكرم، وتضمنت أيضا كلمة لمحمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، وتضمن الشريط أيضا مشاهد من أهم الأعمال الفنية التي شارك فيها الفنان، منها فيلم الرسالة. وتخلل المهرجان الفني، وصلات فنية في مدح المصطفى عليه الصلاة والسلام، بمشاركة الفنان محمد بجدوب وجوق محمد أمين الدبي، بالإضافة إلى مجموعة الغزالي للموشحات، ومجموعة الإشراق الفنية الأمازيغية، التي غنت بالأمازيغية مدحا لرسول الله. واعتبر محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، أن محمد حسن الجندي «فنان عملاق يجسد النبوغ المغربي من خلال شخصيته وأدائه الفني طيلة مساره الطويل»، وعبر رئيس الحركة عن أمله في ظل ما تعيشه الأمة العربية، من تحولات وتصالح مع مرجعياتها، «أن تكون فرصة لتلتفت الهيآت المسؤولة والمشرفة على العمل الفني، لمثل هذه القامات، وأن تتيح فرصا للأعمال التي تعطي الأمل للأمة في فعل حضاري جديد». وتحدث عبد الإله ابن كيران عن الزيف في المجال الفني والذي يمس عددا من «الأبطال والعمالقة»، وقال في كلمة مقتضبة لحظة تكريم الفنان محمد حسن الجندي، «المغرب بلد الرجال، ومهما كان الزيف سيظلون رجالا»، وقال «الحمد لله في هذا البلاد، وإن كنا نرى بعض الزيف نجد الأصالة ونجد الرجال، لنكن واضحين وصرحاء، لم ننتبه في الأول لهؤلاء الأبطال والعمالقة، حين كنا صغارا وعشنا معهم من خلال المذياع والتلفزيون، وشخصياتنا تكونت معهم، منهم الطيب لعلج رحمه الله وثلة من المسرحيين والفنانين والمغنين والأساتذة الكبار في السياسة وفي الشعر والنثر والفلسفة». وفي سياق متصل، قال محمد حسن الجندي، أن أعماله لم تحظ بالعناية في وطنه، وأضاف قائلا في كلمة له بمناسبة الاحتفاء به، «هذا الذي يحز في قلبي، وهو الهم الذي سأرحل به، هذه التراكمات كلها لا تساوي في وطنك شيئا»، وأكد المتحدث أن «تكريم الفنان هو فسح لمجال العطاء، وتكريم الفنان هو أن لا نتركه يغيب عن الأنظار، ونسأل عنه ماذا قدم؟ ماذا أنجز؟ وماذا كتب؟»، يضيف الفنان المقتدر، «هذا هو تكريم الفنان». عبد الكريم برشيد - المؤلف والمخرج المسرحي: الجندي من الجيل الذي لم يجد جامعة أمامه فحول الحياة كلها إلى جامعة مفتوحة في مقام التكريم هذا، لا يسع المرء سوى أن يكون شاعرا، أو فليصمت، وقد يكون الصمت أبلغ من الكلام أحيانا، وقد يكون أكثر شعرية من شعر الشعراء، وقد يكون أكثر صدقا من حكمة الحكماء، وعليه، فإنني سأؤثث هذه الكلمات بكثير من الصمت البليغ، وما لن أقوله، في هذه الكلمة، هو بالتأكيد أكبر مما سوف أقوله، وهو أخطر مما قد أقوله الآن في كلمات مختصرة ومختزلة ومركزة، وهو بهذا يحتاج إلى أسفار ومجلدات كثيرة.. فقد تخونني الكلمات في هذا المحفل المهيب والرهيب، وأرجو ألا تفعل، وقد لا تطاوعني الكلمات والعبارات، ولكن الصدق لا يكمن أن يهجرني أبدا، أولا، لأن هذا المقام هو مقام الصدق والصادقين، وثانيا، لأننا أمام شاعر ومبدع شامل، وأننا في حضرة اسم بقامة عالية جدا، وبقيمة وازنة وثقيلة، هذا الاسم هو: محمد حسن الجندي.. قد يكون كافيا أن أقول ما يلي، هذا الرجل شاعر وكفى، شاعر حقيقي، له حس الشعراء، وله حدس الصوفيين، وله نبوءة العرافين، وله ذوق الفنانين، وله مسار العارفين، وله صدق المؤمنين، وله روح الحالمين، وقد يكون هو نفسه قصيدة شعرية، أو يكون ملحمة مغربية بنفس شعري ولا أحد يدري.. لقد اختار هذا الرجل المسرح، ولا يختار المسرح إلا من كان في مستوى السؤال الوجودي الكبير، ولا يقترب منه إلا من استطاع أن يدرك درجة التحدي في الوجود وفي الموجودات، ولا يدخله إلا من كان إنساني النزعة، وكان مدني الانتماء، وكان ديموقراطي الطبع، وأعتقد أن هذا المبدع قد أدرك هذه الدرجة، وقد رأيناه وسمعناه وعرفناه ممثلا وكاتبا ومخرجا وشاعرا غنائيا، وعرفناه قارئا للتراث وللواقع ولما وراء الواقع وللتاريخ وللعيد وللاحتفال الشعبي المتجدد.. هو الواحد المتعدد إذن، ولقد تعددت أسماؤه بالأدوار التي كتبها وعاشها بصدق، ولأنه أكبر من أن يكون نفسه وكفى، فقد كان عنترة العبسي، وكان سيف بن ذي يزن، وكان شاعر الحمراء، وكان له حضور في المسرح والراديو وفي السينما وفي التلفزيون وفي الحياة اليومية بين الناس ومع الناس.. هذا المبدع ينتمي إلى جيل التأسيس في الثقافة المغربية الحديثة، الجيل الذي لم يجد جامعة أمامه، فحول الحياة كلها إلى جامعة شعبية مفتوحة، ولم يجد أساتذة فكان ضروريا أن يكون هؤلاء الرواد أساتذة أنفسهم، ولم يجدوا أمامهم كتبا، باستثناء كتاب الحياة، وهل هناك ما هو أبلغ وأصدق وأخطر من هذا الكتاب؟ ... بهذه الثقافة الشعبية الأصيلة إذن، والتي لها ارتباط بالديني والدنيوي، ولها ارتباط بالمحسوس والمتخيل، وباليومي والتاريخي، ولها ارتباط بالمكتوب والشفهي، استطاع هذا المبدع أن يكون كبيرا جدا، وأن يكون في مستوى عظمة أبي الفنون، واستطاع أن يكون سفيرا للمغرب إلى كل العالم العربي، ومنه إلى الكون .. أليس هو كاتب ومخرج ومبدع ملحمة العهد، والتي ساهمت في افتتاح دار الأوبرا بالقاهرة؟ أليس هو الذي أعطانا أسرة كاملة من الفنانين ومن المبدعين الصادقين؟ أليس هو أحد مؤسسي المسرح الإذاعي في المغرب، وهو أحد الذين حببوا المسرح للناس بعد الاستقلال، وهو أحد الذين نشروا تقليد الذهاب إلى المسرح، وذلك إلى جانب تقليد الذهاب إلى الحمام وإلى المنتزهات وإلى الأسواق والمواسم ؟ هذا المبدع الكبير، هو ذلك الحكيم الذي مثل دور أبي جهل في فيلم الرسالة لمصطفى العقاد وهو ذلك المغربي الذي مثل دور رستم الفارسي في فيلم القادسية لصلاح أبي سيف وهو ذلك المقاوم الذي رأيناه ثائرا ومتمردا في فيلم بامو لإدريس المريني وماذا يمكن أن أقول أيضا؟ محمد حسن الجندي إنسان حقيقي، إنسان بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وأعتقد أنه ليس سهلا أبدا أن تكون إنسانا، وأن تدرك درجة الإنسان فيك، وأن تحافظ على جوهر إنسانيتك، وألا تبيع نفسك للشيطان كما فعل فاوست.. هذا زمن الإغراءات والغوايات، والصادقون الصادقون هم الذين حافظوا على عذريتهم، والذين لم يغيروا المعطف والقناع، والذين لم يستبدلوا لغة الكلمات بلغة الأرقام، ولم يفرطوا في الحقائق في مقابل الأوهام.. وهو مغربي من هذه الأرض، وليس سهلا أبدا أن تكون مغربيا في زمن العولمة المتوحشة، وأن تحافظ على ثقافتك وعلى قيمك وعلى لغاتك وعلى هويتك وعلى رسالتك في المسرح وفي الحياة، وأن تناضل ضد التبعية وضد الذيلية وضد القبح وضد الفوضى وضد الاستلاب وضد داء فقدان الذاكرة وضد مرض فقدان الكرامة.. حقا، ما أصعب أن تكون إنسانا في هذا السوق العالمي الكبير، وأن ترفض أن تكون سلعة وبضاعة، وأن تكون أكبر من كل الماركات العابرة للقارات، وأن تكون في خدمة القيم الرمزية الخالدة، وذلك بدل أن تكون في خدمة الأصنام والأوثان البشرية أو المادية... محمد الحمداوي (رئيس حركة التوحيد والإصلاح): أملنا أن تلتفت الهيئات المسؤولة على العمل الفني لمثل هذه القامات اختيار محمد حسن الجندي، الفنان العملاق، يجسد عمليا في شخصيته وفي أدائه الفني خلال مساره الطويل، النبوغ المغربي، لأنه استطاع من خلال شخصيته ومن خلال تجربته ومن خلال عطائه أن يكون له حضور قوي في الأعمال الكبيرة على المستوى العربي، مع مخرجين كبار، في مسلسلات على مستوى السينما، وهذا حقيقة هو الذي يشرف المغرب، وإن كنا نتكلم عن الخصوصية المغربية، فهي ليست انغلاقا، بل هي إبداع لشخصيات مغربية على المستوى العالمي وعلى المستوى العربي. أملنا أن يكون في ظل ما تعيشه الأمة العربية، من تحولات وفي تصالح مع مرجعياتها، أن تكون فرصة لتلتفت الهيئات المسؤولة والمشرفة على العمل الفني، لمثل هذه القامات، وأن تتاح فرص لكي تكون أعمال تعطي الأمل للأمة في فعل حضاري جديد، وفي ما يخص المغرب، فإننا بالفعل نحتاج لمثل هؤلاء الأشخاص، مثل محمد حسن الجندي، لفتح فضاءات لأعمال هادفة، تعرف بالثقافة المغربية والتاريخ المغربي، وبإشعاع المغرب وعمقه الحضاري. محمد حسن الجندي (المحتفى به): أعمالي كلها لم تَحْظَ بالعناية في وطني وهو الهم الذي سأرحل به من فترة 1973 يسر الله الدخول من باب الساحة العربية، وهذه خطوة ومحطة مهمة بالنسبة لي وشهادة في نفس الوقت أعتز بها، شهادة تقدير تأتي من الأجانب دون أن تغيب شهادة من الوطن. مع كامل الأسف، هذه الأعمال كلها لم تحظ بالعناية في وطني، وهذا الذي يحز في قلبي، وهذا هو الهم الذي سأرحل به، هذه التراكمات كلها لا تساوي في وطنك شيئا، وعشت بهذا الألم. دائما نعطي المنظر الجميل ونعطي التاريخ ونعطي كل هذه الأشياء عن بلدنا، وفي استطاعتنا أن نفعل مثلهم، وربما يتيسر لنا الأمر ويوفقنا الله أن نكون أفضل أو على الأقل مثل الآخرين، ونحن نعلم ماذا يقدمه العمل الفني الآن. تكريم الفنان هو فسح المجال للعطاء، تكريم الفنان هو أن لا نتركه يغيب عن الأنظار، ونسأل عنه، ماذا قدمت؟ ماذا أنجزت؟ ماذا كتبت؟، هذا هو تكريم الفنان. أنور الجندي(مخرج مسرحي): حسن الجندي آلى على نفسه أن يظل وفيا للجمهور تألق المحتفى به، الرجل الذي آلى على نفسه أن يظل وفيا للجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، آلى على نفسه أن لا يخضع ولا يخنع لبريق الدولار ولا للأموال ولا للإغراءات الكثيرة. أتذكر وأنا صغير، أنه في إحدى المرات عرض على الحاج محمد حسن الجندي، دور من فئة ثلاثين حلقة في دول الخليج، يسيل لها اللعاب، فكان أول ما اشترط الرجل أن يقرأ النص فكان الرفض الذي أدهش المنتج، أقول أن الرجل صاحب مواهب فنية لا تضاهى، عهدناه هكذا، قد يكون في ضائقة مالية ولكن مبادءه الفنية ظلت هي هي منذ ذلك الزمان، تعددت مواهب الرجل، ومهما كانت استفاضتي في الحديث فلن أوفيه حقه، أطال الله في عمر الحاج محمد حسن الجندي، وشكرا لهذه الفئة الطيبة من الناس الذين التفتوا إليه. المحتفى به أصيل أصالة مراكش التي رأى فيها النور محمد حسن الجندي بالنسبة لي هو رجل أصيل أصالة مراكش التي رأى فيها النور، وعريق عراقة ثقافة وفنون ساحة جامع الفنا، محمد حسن الجندي رجل استطاع أن يعرف العالم العربي برمته على الممثل المغربي المتكامل المجيد للنطق الفصيح ولتقمص الشخصيات، ولذلك سنجد أنه قام بتشخيص أهم الأدوار في أكبر الأعمال السينمائية العربية التي تناولت بعض محطات التاريخ العربي. حسن الجندي تألق كثيرا كمؤلف وكمخرج لبعض الأعمال الاستعراضية الكبرى التي تناولت تاريخ المغرب، منها ملحمة العهد الأولى والثانية، وكل هذه الأعمال اشتغلت على الوثيقة وعلى التاريخ كمادة رئيسية لها، هذا تميز لا أظن أنه تحقق عند الكثير من المبدعين، ليس في المغرب فقط وإنما عالميا أيضا، لأن الاشتغال على الوثيقة أخطر ما يمكن، ولأنه يتطلب أولا الانضباط إلى شروط الوثيقة ومحتوياتها، ثم كيفية إدخال النفس الخيالي الدرامي، لنا أن نفخر بالمحتفى به، لأنه أسس هذا النوع من الكتابة المسرحية، سواء في الإذاعة أو على خشبة المسرح. عبد الله شقرون، كاتب ومدير الإذاعة الوطنية سابقا: الجندي فنان متكامل كون نفسه بقريحة نادرة محمد حسن الجندي، الفنان المتكامل الذي كون نفسه بقريحة نادرة، هذا هو الفنان المبدع من تلقاء نفسه، يعني أنت تكتب شيئا وهو يضيف إليك، فالمواهب من عند الله وتصقل بالاستمرار، والمحتفى به ظل متميزا في عطائه منذ عرفته