فقدت مدينة طنجة منتصف شهر يناير الماضي، عالما جليلا ورجلا من رجالات المغرب في الفقه والتصوف والجهاد ..، ويتعلق الأمر بالفقيد الشيخ المُعَمَّر سيدي محمد البقالي الداهري الحسني أحد أبناء قبيلة أنجرة المجاهدة وحفظتها وفقهائها وأهل العلم فيها .. وهي سلسلة نورانية من قلائدها المشهورة في القرنين الأخيرين الإمام أبو العباس محمد بن عجيبة صاحب التصانيف الشهيرة والمؤلفات الكثيرة وهو صاحب «إيقاظ الهمم في شرح الحكم» المعروف وغيره.. العلامة الراحل درس بالقرويين وغيرها من المراكز العلمية بشمال المغرب، ودرّس بطنجة وتصوّف فيها، ودعا إلى الله وربى في المغرب وخارج المغرب. عُمِّر حتى زاد على المائة سنة، جاهد الاستعمار وسجن، وأوذي بعد الاستقلال فصبر .. عَلَّم وربَّى وأجاز من الخلق الكثير في الموطإ و في غيره .. عرف بالعلم الواسع والخلق الكريم والتواضع والسخاء الّلذان قلّ نظيرهما . من هو الشيخ محمد البقالي الداهري ؟ هوالفقيه العلامة المُعَمَّر محمد بن محمد بن عبد الهادي البقالي الأنجري الداهري، ثم الطنجي. من مواليد سنة 1330 ه بمدشر الداهر من قبيلة أنجرة بشمال المغرب. تلقى بقبيلته مبادئ العلوم، ثم انتقل إلى بني يدر حيث لازم شيخه العلامة الفقيه محمد بن عبد السلام بوزيد اليدري، فقرأ عليه الرسالة لابن أبي زيد القيرواني ومختصر خليل والموطأ بشرح الزرقاني والشمائل للترمذي والشفا للقاضي عياض وصحيح البخاري وغيرها، وأجازه إجازة عامة مؤرخة بسنة 1353 ه. بعد ذلك رحل إلى جامع القرويين لمجالسة علمائها، وتعميق معارفه بحضرة مجالسها، فأخذ عن الفقيه عبد العزيز بن أحمد بن الخياط الزكاري مقدمة ابن الصلاح في مصطلح الحديث، والجوهر المكنون في البلاغة، وعن القاضي العباس بناني بجمع الجوامع في أصول الفقه... ثم قفل راجعا فقرّ به القرار بمدينة طنجة سنة 1355ه، وهناك سمع بصيت الحافظ أحمد ابن الصديق الغماري، وصدى دروسه الحديثية، فلما حضرها أعجب بها، وعزم على لقاء الشيخ والتتلمذ عليه، فتمّ له ذلك حيث لقيه بواسطة بعض الفقراء الدرقاويين، واستجازه في مروياته، فأجازه بإجازة عامة مكتوبة ومؤرخة بتاريخ 1360 ه، وابتداءً من هذا التاريخ ارتبطت صلته به وتمتنت، إلى أن توفي الشيخ سنة 1380 ه، وخلالها درس عليه بعض كتب الحديث كجامع الترمذي والصحيحين... حجّ وزار الحرمين الشريفين مرارا كثيرة، ولقي أفاضل العلماء والأخيار، منهم : الشيخ محمد نصيف النجدي، والشيخ الألباني، والشيخ الفاداني... والشيخ رحمه الله كان متأثرا بشيخه أبي الفيض، وورث عنه خصلتين هما : الكرم، والتعلق بالمجاذيب. وبسبب محبته لشيخه وتفانيه فيه، اعتقل أيام الاستعمار لمدة سنة، وعُذّب بسبب السلاح الذي اقتناه الشيخ أحمد ابن الصديق استعدادا للثورة التي قام بها. دَرّس سنينا بزاويته الكائنة بحي بني مكادة بطنجة، وألقى دروسا وعظية باستمرار في مسجد المصلى، وكان لها صدى بالمدينة خصوصا عند العامة، ثم رحل إلى بلجيكا للدعوة إلى الله. وفي أواخر حياته تحديدا بعد سنة 1420ه/2000م، تواترت عليه الوفود من المشرق طلبا للإجازة، وسماع الحديث المسلسل بالأولية، والأوائل السُّنْبُلية، وممن زاره في هذا السياق: الشيخ المسند البحاثة المطلع عبدالله بن صالح آل العبيد وقد أورد المترجم ضمن شيوخه في كتابه «الإمتاع بذكر بعض كتب السماع»، والأستاذ البحاثة المؤرخ محمد بن عبدالله آل الرشيد.. والرجل غلب عليه الفقه وخصوصا الفقه المالكي، ولذلك كان مقصودا للفتوى في النوازل والوقائع. أما في مجال التأليف والكتابة، فلم يكن له فيها نصيب يذكر، سوى تعليق على رسالة الفقيه أحمد بن العياشي سكيرج «الدرر اللآلي في ثبوت الشرف البقالي»، وتقريظ لرسالة «الحجة الدامغة على من يقول حالق اللحية ملعون وصلاته باطلة» للشيخ عبد الحي بن الصديق الغماري، وملزمة في شرح «لثم النعم في نظم الحكم» لشيخه أبي الفيض، وجزء في صلاة المفترض خلف المتنفل. توفي رحمه الله وغفر له بعد أن عمّر وجاوز المائة يوم الاثنين 7 يناير 2013. وصلي عليه في المسجد الأعظم في جنازة حافلة ثم وُورِيَ الثّرى بزاويته. مصادر الترجمة: - إجازة شيخه محمد بن عبدالسلام اليدري له. مخطوطة. - إجازة شيخه أحمد ابن الصديق له. مخطوطة. - مراسلات الشيخ أحمد ابن الصديق له. مخطوطة.