تتراكم في بيوتنا أدوية من مختلف الأنواع بعضها منتهي الصلاحية وبعضها صالح لاستعمال آخر وبعضها الآخر فسد رغم أن صلاحيته لم تنته بعد. المسار الطبيعي للتخلص من هذه الأدوية الزائدة عن الحاجة كما يراه مواطنون استجوبتهم «التجديد» هو رميها مع الأزبال المنزلية لكن الأكثر وعيا منهم يذهبون إلى إفراغ قنينات الدواء من محتوياتها في المراحيض أو مجاري المياه قبل رميها في مطارح النفايات. قليلون من المواطنين تناهت إلى مسامعهم معلومات عن جمعيات خيرية تجمع الأدوية غير المستعملة وتعيد توزيعها على المرضى الذين لا تسعفهم قدراتهم المادية على شراء الدواء. أصبح التخلص من الأدوية المنزلية مشكلة عالمية تؤرق علماء البيئة والمختصين في هذاالمجال، هؤلاء يحذرون من التأثيرات السلبية لإلقاء الدواء بشكل عشوائي في الطبيعة، مع ما يمكن أن يؤدي ذلك إلى تسرب مكوناته والمواد المحللة منها إلى مياه الشرب أوالري. وهناك من الأدوية ما يعتبر من المخلفات الخطرة التي إذا ما تراكمت في البيئة المحيطة فسوف تتسبب في العديد من الأمراض التي قد تمتد إلى أجيال بعيدة. لكن هل مثل هذه المعلومات متوافرة؟ وإلى أي حد تحضر الخلفيات البيئية في سلوكات المغاربة اليومية، وهل ما نزال بعيدي المنال عن التربية البيئية خوف على الأطفال عبداللطيف موظف في القطاع الخاص في منتصف العقد الثالث من عمره يقول إنه يخشى من بقاء الأدوية في المنزل خاصة بعد أن حاولت ابنته الصغيرة تناول حبوب الدواء في غفلة من الأسرة، منذ تلك الواقعة يقول عبد اللطيف «أتخلص مما تبقى من الأدوية مباشرة بعد انتهاء مدة العلاج خوفاعلى أطفالي من أن يفكروا في اللعب بها» فماهي الطريقة التي يعتمدها للتخلص منها «أقوم بسكب المحاليل في المرحاض وأرمي حبوب الدواء وغيرها من الأصناف في كيس القمامة»، أما بشرى وهي معلمة في القطاع الخاص فهي تحرص كما تقول على إكمال وصفة الدواء التي وصفها لها الطبيب، لكن توجد استثناءات «أصبت بمرض في المعدة ما اضطرني إلى زيارة الطبيب الذي وصف لي عددا من الأدوية دون أن ألاحظ أي تحسن، قررت زيارة طبيب آخر الذي طلب مني التوقف عن الدواء الأول وتعويضه بوصفة طبية جديدة»، فماذا فعلت بشرى بالدواء المتبقي الذي لم تكمل استعماله؟ بشرى تقول إنها أعادته للصيدلي الذي اشترته منه وطلبت إعطاءه لأي شخص يحتاج إليه. محمد أمين قابلنا بسخرية عندما أخبرناه بأن طريقة التخلص من الدواء عبر رميه في حاوية القمامة أمر غير صحي قائلا: «وهل علي أن أحتفظ به إلى الأبد أم أتناوله رغم انتفاء حاجتي إليه» وأكد أن رمي الدواء مع باقي النفايات هو الطريق الوحيد الأمثل للتخلص من الأدوية غير المستعملة وبالتالي تنظيف البيت منها. فاطمة الزهراء ربة بيت تقول إنها سمعت في إحدى الفضائيات أنه يفترض إعادة الدواء غير المستعمل إلى الصيدليات التي تتكفل بعملية إتلافه وقالت: «لا أدري إن كان الأمر موجودا في المغرب، لم أسأل في الموضوع، وأكتفي برميها مع باقي النفايات المنزلية» تقول ربة البيت لكن هل ما سمعته في الشاشة الصغيرة صحيح، حاولنا التأكد من الأمر من خلال زيارة عدد من الصيدليات، وإبداء رغبتنا في إرجاع دواء لم نعد بحاجة إليه. بين القبول بتردد والرفض هدفنا الأول كان صيدلية بحي النهضة في مدينة تمارة، لحسن الحظ أن صاحبة الصيدلية كانت موجودة فيها ذلك اليوم إلى جانب ثلاث مساعدات، كان سؤالنا «هل يمكننا إعادة أدوية غير مستعملة لصيدليتكم من أجل إتلافها؟» لم يبد السؤال واضحا بالشكل الكافي ربما لأنه كان مفاجئا، أجابتنا الصيدلانية «هل تريدين التبرع بالدواء للمعوزين» قلت إن الأمر يتعلق بأدوية فاسدة من مثل محاليل استعملت خلال مرحلة العلاج وبقي نصفها دون استعمال «عوض رميها مع الأزبال فكرت في إعادتها لكم لتتخلصوا منها بطريقتكم» أكدت على مالكة الصيدلية، هذه الأخيرة وافقت على أخذ الدواء مني «لابأس يمكنك إحضاره فقط لأنك زبونتنا، وسنقوم بإرجاعه للشركة الموزعة مع أدويتنا منتهية الصلاحية». في حي المحيط بالرباط، كان لقاؤنا الثاني مع أحد البائعين في صيدلية معروفة، استفسرناه عن إمكانية إرجاع أدوية غير مستعملة وافق بدوره على أساس إعطائه لشخص يحتاجه، لكنه أبدى رفضا صارما عندما عرضنا عليه إرجاع أدوية منتهية الصلاحية أو محاليل تم استعمالها «نحن لا نقوم بجمع هذه الأدوية، هذا ليس دورنا» يقول البائع بتأكيد.رفض البائع في هذه الصيدلية أخذ الدواء غير المستعمل وغير الصالح للتداوي به مرة أخرى جعلنا نطرح السؤال حول الأسباب على صيدلي آخر بالرباط هو الدكتور أمين بوزوبع خريج أكاديمية سان بترسبورع للصيدلة والكيمياء الذي اعترف بأن عددا من الصيادلة يرفضون هذا الإجراء وتفسيره لذلك بكون االصورة غير واضحة لدى الصيلاني نفسه الذي يعتبر نفسه محاصرا ب «كوطا» معينة تلزمه بها الشركات الموزعة والتي هي بدورها مفروضة عليها من قبل المختبرات المصنعة، وحتى لا تتراكم هذه الأدوية عند الصيدلي فإنه يرفض استلامها من المواطنين، لكنه الدكتور بوزبع يعود ويؤكد في حوار مع «التجديد» على أن «الأصل أن الصيدلية ينبغي أن تستلم هذه الأدوية وترسلها للموزع وفق محضر بين الطرفين في إطار خارج عن هذه «الكوطا». إعادة توزيعها في حي حسان بالعاصمة المغربية، توجد صيدلية الدكتورة مليكة العلوي مامون، وبالإضافة إلى عملها المهني فهي ناشطة جمعوية في المجال الاجتماعي وعضو في جمعية خيرية تعنى بالأيتام والمعوزين، الدكتورة العلوي وظفت خبرتها العلمية في نشاطها الجمعوي، إذ تقوم بجمع الأدوية من المواطنين وتقوم بفرزها وتصنيفها إلى أدوية صالحة للاستعمال من جديد وأدوية تالفة، الأولى تقوم بتخزينها لإعادة توزيعها على المحتاجين إليها ممن لا يتوفرون على المال لشراء الدواء أما الصنف الثاني فتقوم بإعادته لشركة التوزيع مع الأدوية الفاسدة وفق كوطا مخصصة لكل صيدلية هذه الشركات تعيده من جانبها للشركة المصنفة التي تتكفل بعملية الإتلاف. تؤكد الدكتورة مامون على مزايا هذه العملية فهي كما تقول ل «التجديد» تخدم المعوزين والبيئة والمجتمع. الخطر موجود لايبدو للمواطنين وجود أي خطورة كبيرة في رمي الأدوية غير المستعملة في مجاري المياه والمراحيض والطبيعة بشكل عام، لكن الدكتورة فاطمة عبادي الخبيرة في التسممات في المركز المغربي لمحاربة التسمم واليقظة الدوائية تكشف ما لا يستطيع معظم المغاربة ملاحظته أو إدراكه، فمن مخاطر هذا لسلوك ظهور مضادات حيوية وبقايا الأدوية في مياه الشرب في الصنابير وهذا ما تؤكده عدد من الدراسات التي تم إجراؤها في بلدان قريبة منا وتعتبر مرجعا علميا لنا، ففي فرنسا تؤكد الدكتورة عبادي بين تحليل ماء الصنبور وجود 25 بالمائة من آثار الأدوية في مكونات هذه المياه. وهو ما يشكل جرس إنذار لا ينبغي تجاهله، أو تغطية وضوح هذه الحقيقة التي ينادي بها الخبرء في البيئة بغربال الجهل والتجاهل.