من ينظر إلى مستخدمي اتصالات المغرب، خلف الألواح الزجاجية والواجهات المزخرفة، في ملابسهم الأنيقة، والجلسة المكيفة، والابتسامات المفروضة، في كثير من الوكالات والنقط التي يلجها الزبناء، يحسد هؤلاء المستخدمين على هذا العز والأبهة، فالحقيقة مرة ومؤلمة، والاقتراب من هؤلاء يؤكد مدى البؤس والشقاء الذي يكابدونه، ولا يستطيع الكثير منهم الإنفاق على بيته من مجموع راتبه الشهري والمنح والساعات الإضافية. يقول أحد المستخدمين: يعمل الكثير منا 10 ساعات يوميا، ومعنى ذلك أن المستخدم لا يستطيع بحال من الأحوال القيام بعمل آخر إن وجد يوفر له مساعدة شهرية لمجابهة مشاكل الحياة المرة داخل هذا القطاع، فالحد الأدنى للأجور لا يزيد عن 1200 درهم منذ عهد بعيد، ونعمل ساعات إضافية تزيد عن 40 ساعة شهريا، يرغم المستخدم على التخلي عن ثلثها أو نصفها بدعوى عدم توفر ميزانية لذلك!، وقد يتأخر صرفها بما يزيد عن 3 أشهر في أحسن الأحوال!!! ويقول آخر: أما بالنسبة للمنح، فلها شروط غريبة، سيما بعد أن تبنت الإدارة نظام ما يسمى "المقابلات التقويمية" Evaluation , Entretien مع مسؤول في الترتيب الإداري، فأول هذه الشروط الرضاء التام والولاء، اللذان يقدمهما المستخدم عربونا عن حسن نيته تجاه رؤسائه، خلاف المعايير التي تنص عليها المذكرة المصلحة، بل إن كثيرا من هؤلاء المسؤولين أنفسهم لا علم لهم بسيرورة التقويم هذه، ولا بمهتهم هم أنفسهم داخل مصالحهم، وفي أحسن الأحوال تكون المنحة أشبه بفتات الموائد مقارنة بما يحصل عليه رئيس مصلحة، وهي خاضعة لأهواء الأشخاص وأمزجتهم عبر التراتبية الإدارية، فهي ليست بالمضمونة، ولا يستطيع المرء منا أن يجعلها أساسية في دخله، والدليل على ذلك جو التوتر والقلق الذي يسود المستخدمين فور تحويلها أو صرفها. ويضيف: أما منحة الفعالية التجارية التي كثيرا ما تبجح بها المسؤولون وكأنها منة منهم، فهي ليست معممة بجميع المصالح التجارية، وقد تم حذفها أخيرا والتخلي عنها، وجعلها، هي كذلك، خاضعة للفئوية، بشروط تعجيزية، كتحقيق 60% من مجموع "العدد المحدد" Objectif الذي لا يمكن لأي أحد منا معرفته. ويفجر ثالث قضية مهمة تعد بكل المعايير خرقا سافرا لحقوق الإنسان بالقطاع، حيث يقول: إن المستخدم منا إذا حدث ومرض وحصل كالعادة على إجازة مرضية، ولو لمدة قصيرة. تحجب عنه "منحة الكاملية" Performance، التي هي حقه، لأنها مكافأة عن مجهود عمل يقوم به المستخدم طوال 6 أشهر، ويمكن أن يؤثر ذلك، تبعا، عن منحة المردودية. ويؤكد: ومعنى ذلك أن مجموع ما يتقاضاه المستخدم عن عمل شهر كامل دون إجازات مرض وأكثر من 10 ساعات عمل يوميا ليل نهار مع الملاحظة رضاء السلم الإداري لا يمكن بحال من الأحوال تغطية مصروفه لمدة 20 يوما، ويطالب بمساواتهم بمستخدمي قطاعات أخرى أقل دخلا، كالبنوك مثلا، ومستخدمي المكاتب الوطنية للماء والكهرباء، والميزات التي يحصلون عليها. أما المفارقة التي يفجرها المستخدمون فهي أن رئيس مصلحة في الرتبة نفسها مع أي مستخدم آخر يحصل على 100% زيادة في الراتب و300% في المنح والتعويضات، ناهيك عن تعويضات السفر بالسيارة الخاصة والتنقلات وغيرها، وبذلك يكون مجموع ما يحصل عليه رئيس مصلحة في الرتبة نفسها مع مستخدم راتبه 5000درهم، حوالي 20000درهم. فحق، إذن، للمسؤولين أن يجهلوا أو يتجاهلوا معاناة المستخدمين، لأن الفارق كما ذكرت، يعد بمئات الأضعاف ومن لم يعجبه الحال فأبواب المزرعة عريضة، والعيش عيشة البؤساء، وكثيرا ما تم تعطيل صرف رواتب المستخدمين، لا لشيء سوى أن السائق المكلف بحمل الشيك للمؤسسات البنكية في مهمة، أو أن المسؤول عن توقيع الشيك في حفل موسمي، كما وقع أخيرا عن شهر دجنبر. إن ما ينفق على تلك الحفلات الموسمية والضحكات والمهرجانات التي تخدش الحياء وهدم البنايات كل عام وزخرفة الواجهات، ثم تغييرها لعيوب فنية، مرتين أو ثلاث، والإنفاق الإداري في تحريك أسطول من المسؤولين للاجتماع في مراكش أو إيفران، بسبب أو بدون سبب، لو تم ترشيده واستخدام هذه الأموال في إقامة المشاريع المفيدة، ما وجد عاطل واحد في المغرب، ولهان الأمر علينا ونحن نرى هذا التبذير الفاحش، ولو صرفت هذه الأموال في "محاربة" الفقر والجفاف أو مواجهة الكوارث، أو اقتناء المعدات الدفاعية للذود عن الثغور من الاعتداءات الخارجية، أو مواجهة أسابيع التسول، لحمدنا لهم ذلك، ولكن العكس هو الواقع. فالقطاع لا يزدهر إلا عندما ينتج ما يحتاجه ويصنع ما يستورده من تكنولوجيا، فقد استمر القطاع على تخلفه وبقي يستورد ما تنتجه "إسرائيل" وأوربا، فحتى قطع الغيار وبطاقات الهواتف لا تصنع محليا، وللأسف فالقطاع لا يملك خصائص القطاع الخدماتي التصنيعي الذي ينص عليه قانونه الداخلي، وهذا رغم الدخل الذي يحصل عليه. صورة القطاع مهزوزة عند الكثير من الزبناء نظرا للخدمات المتردية، والفاتورة المتكررة لشهر واحد، كما وقع بالنسبة لشهري 9 و10 من سنة 2002، وعدم توصل الزبناء بفواتيرهم في كثير من الأحيان، أما عن رداءة شبكة الهاتف النقال فحدث ولا حرج، والاتصال في الأعياد والمناسبات يعد من سابع المستحيلات، والقطاع ما يزال يقوم بالوظيفة القديمة نفسها في التسيير والتوثيق ومعالجة القضايا المطروحة، بل إنه أصبح صورة وصدى لكل نموذج فاشل يتصل بإدارة يتصدرها قطب مفلس، أفلس في جميع أنحاء الدنيا وما دام الأمر كذلك فلا يجب أن نندهش إذا ما خرج علينا رئيس طاقمه الإداري "بمشروعه" عبر لغته المتخشبة، وبات ممقوتا إلى حد لا يطاق، ولكنه الإصرار على العناد والعداء للطبقة الكادحة، باعتبار أنه لا قيمة للمستخدمين في إدارة شؤون القطاع، ويهيل التراب عن المجهودات الجبارة للعاملين به، وليسيء للقوانين الدولية التي وقع عليها المغرب في المحافل الدولية، ويقتل روح المبادرة، ويثير سخط الناس حين نهج سياسة الإقصاء والتفرقة في صفوف المستخدمين، فلا يمكن لأي عاقل أن يدرك تلك المعايير التي اعتمدتها الإدارة في توزيع الهبات والتبرعات على بعض المحظوظين، والتي سمتها اعتباطا: "منحة الكفاءة المهنية"، وذلك دون علم الكادحين من المستخدمين فمن هؤلاء المحظوظين كما قلت من ليس بمقدوره تحرير حتى مذكرة مصلحية، أو قراءة قرص إعلاميات!!. هذا من جانب، فماذا عن الجوانب الأخرى، كتحسين ظروف العمل، بل وماذا عن مستلزمات العمل كلوازم المكاتب مثلا، وماذا عن الخدمات الاجتماعية التي تشكو تقتيرا لا مثيل له، فالأمر كما قيل: تقتير هنا وإسراف هناك! فقد تفضلت إدارة القطاع وقامت بطبع "ورق اللعب" أي "الكارطا" بإيطاليا وتوزيعها على المستخدمين بمناسبة شهر الصيام، ليتبين أن إدارة القطاع ماضية في نهج سياسة التدجين والاستغفال والاستحمار تجاه موظفيها. أبو صالح