يعد ورش الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة من أكبر وأهم الأوراش الإستراتيجية التي يرتقب أن تنهيها الحكومة خلال السنة الحالية 2013، هو الحوار الذي ينتظر أن يتوج خلال الشهور الأولى من 2013 بعد انتهاء مسار الندوات الجهوية بمناظرة وطنية كبرى حول إصلاح منظومة العدالة، ومن ثم وضع مشروع ميثاق لإصلاح منظومة العدالة بشكل عام بالمغرب. الملك محمد السادس، أكد خلال تنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة شهر ماي 2012 أن الغاية من إنشاء هذه الهيئة، بالطريقة والشخصيات المشكلة لها، هو الوصول إلى إجراء «إصلاح جوهري» لمنظومة القضاء وليس مجرد التفاتة شخصية من الملك أو من الحكومة، كما جرت العادة. وركز الملك على أن شكل ومضمون الهيئة خضع للمنهجية التشاركية، اعتبارا لكون مطلب إصلاح القضاء نابعا من إجماع كل مكونات المجتمع والدولة على راهنية وملحاحية الإصلاح العاجل لمؤسسة القضاء.ومما لا شك فيه أن الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، سيدخل منعطفا حاسما بحلول السنة الجديدة فبعد مناقشة الجوانب المتعلقة ببنيات التنظيم القضائي والخريطة القضائية والمهن القضائية، وبعد تناول المواضيع المتعلقة بالموارد البشرية تأهيلا وتخليقا، وأيضا مواضيع الندوات الجهوية التي تتعلق بتحديث السياسة الجنائية وتطوير العدالة الجنائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة بفاس ومراكش والحكامة القضائية بالداخلة وكذا تعزيز استقلال السلطة القضائية بأكادير وقضاء الأعمال بطنجة، فضلا عن قضاء الأسرة بسطات ثم القضاء والإعلام بالرباط، بعد كل هذا سيكون الإطار العام الذي سيحكم التحول في مجال حساس كالقضاء جاهزا، ليطرح بعد ذلك سؤال التنزيل والتفعيل وما يتطلبه ذلك من دعامات مالية وبشرية وسياسية. بعد الندوة الجهوية السابعة بمدينة الداخلة التي خصصت لموضوع «الحكامة القضائية وتحديث الإدارة القضائية والبنية التحتية للمحاكم»، تكون وزارة العدل والحريات قد قطعت محطات هامة من مسيرة هذا الحوار، الذي عرف إقبالا كبيرا من قبل كل الفعاليات المعنية من قضاة وموظفي هيئة كتابة الضبط ومحامين ومختلف مساعدي العدالة والأساتذة الجامعيين وفعاليات المجتمع المدني، والخبراء المختصين. كما يكون الجسم القضائي قد حقق تقدما في اتجاه العديد من المطالب التي ظلت معلقة ومجرد شعارات منذ ردح من الزمن من قبيل قضاء مستقل ونزيه، قريب من المتقاضين، يوفر شروط المحاكمة العادلة، ويعتمد مبدأ الحكامة الجيدة. وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، أكد وفي أكثر من مناسبة على أن تواصل أشواط الحوار الوطني من أجل إصلاح منظومة العدالة، يكتسي أهمية بالغة ومتميزة، من حيث إنه يأتي في سياق تحولات كبرى يعرفها الميدان القضائي، ولأنه يشكل منهجية جديدة في مجال إصلاح قطاع العدالة، تهدف إلى تقديم رؤية مجتمعية شاملة، وبإشراك كل الفعاليات، من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بتلبية تطلعات المواطنين وحاجياتهم في ميدان العدل. الرميد ما فتئ يذكر على أن الهدف المتوخى من هذا الحوار هو الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة بكل مكوناتها، والاستجابة لانتظارات المواطنين بهذا الشأن، وكذا تطلعات الفاعلين الاقتصاديين ومختلف شركائنا الدوليين، مشددا على أهمية إشراك كل هذه الفعاليات الحاضرة في الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة، لبلورة تصورات وحلول مبتكرة من شأنها تحقيق تحول نوعي للعدالة. حول العديد من الاحتجاجات التي قامت بها العديد من الفئات كان وزير العدل قد أوضح وغير ما مرة أن الأمر لا يتعلق بتمثيلية فئوية وأضاف أن أبواب الحوار مفتوحة، وليس هناك ما يمنع من الاستماع إليهم من قبل الهيئة العليا للحوار الوطني. فالمغرب بلد الحريات، ومن يريد أن يمارس حريته فليس علينا إلا أن نحترم هذا الحق، ونأمل أن تمر هذه الوقفة في ظروف سلمية. ونعتقد أن هذا الحراك طبيعي وعادي مادام يأتي في ظل مرحلة التحولات وما جاء به الدستور الجديد من حقوق وحريات، وهي مرحلة لها ثمنها وضريبتها .