اعتبر فاروق شوشة، الشاعر والإعلامي المصري والأمين العام لمجمع اللغة العربية، وأحد خبراء مشروع «لننهض بلغتنا»،أن الصورة تبدو الآن وكأن زمام قيادة الوضع اللغوي في المجتمعات العربية أصبح بيد وسائط الإعلام المختلفة، وأكد شوشة أن «سيطرة وسائل الإعلام على الواقع اللغوي والتحكم في مستقبله، تجعلنا نركز من منظور مستقبلي على الإيجابيات التي تحققت لغويا في هذا المجال للبناء عليها». وتطرق شوشة إلى بداية نشأت الصحافة العربية والبث الإذاعي، وذلك خلال مداخلة له باليوم الدراسي الذي نظمته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، أول أمس الأربعاء، بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، وقال أن الصحف والإذاعات العربية انطلقت في البداية بلغة صحيحة، قبل أن يتحول المشهد اللغوي وينزل تدريجيا إلى العامية، ثم اتسعت هذه العامية أكثر مع برامج البث المباشر، والتي اعتبرها «كارثة الكوارث في الإعلام العربي»، لأنها تقدم طيلة أوقات بثها المباشر اليومية، اتصالات مباشرة مع أنماط من المستمعين أو المشاهدين معظمهم أميون يستخدمون عامية من المستوى الأخير لعامية المجتمع. وتحدث شوشة عن الإعلاميين، وقال «هم الوحيدون الذين يسمعوننا اللغة العربية منطوقة حية مسموعة مستخدمة في مجالاتها الوظيفية طيلة الوقت، ولو أغلقنا الإذاعات والفضائيات، فلن نستمع في مجتمعاتنا العربية إلا إلى أداء ركيك يمارسه معظم المسئولين تقريبا، لا علاقة له باللغة العربية الصحيحة»، وأضاف شوشة قائلا، «هؤلاء الإعلاميون وأنا أتحدث عن النماذج الصحيحة، نجحوا في أن يدخلوا إلى بيوتنا وأسماعنا مستوى من اللغة، أحيانا تراثيا عندما يتعلق الأمر بالبرامج الدينية، وعصريا تارة عندما يتعلق الأمر ببرامج سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية او علمية أو فنية أو رياضية، ثم ننزل فنجد ثلاث مستويات من العامية، الأول مستوى عامية المثقفين، الذي تتم به معظم النقاشات في البرامج السياسية الجادة والثقافية وللاقتصادية، وهو مستوى يقترب من العربية الصحيحة نسبيا، ثم في المستوى الرابع نجد عامية المتنورين، وهي الأقرب إلى عامية المثقفين، ثم ننزل في المجتمع اجتماعيا وتعليميا، لنجد عامية الأميين». «للإعلاميين فضيلة إبقاء اللغة حية، ليست لغة المكتبات ولا الأبواب المغلقة، ولكنها لغة منطوقة لها سرديات ولها حيوية مستمرة»، يقول شوشة ويضيف، «عن طريق اللغة الحية والمتداولة والمنطوقة والمسموعة، التي تتميز بها وسائل الإعلام، وصلت إلينا مآت الآلاف من المفردات العربية الجديدة التي لم تكن في اللغة العربية من قبل»، ويرى أنه بعد 14 قرن من الزمن مرت على أول معجم لغوي عربي وهو معجم العين، «نحن الآن محتاجون إلى جمع لغوي جديد، يجمع الفصحى المستخدمة الآن والتي لم تعترف بها معاجمنا أو قوامسنا، وأغلقت أبوابها ونوافذها في وجه تطور اللغة واستخداماتها الحية عبر القرون الطويلة». وقال شوشة أن «الإعلامي العربي بحسه اللغوي الصائب، واستجابة لدواعي التحديث المجتمعي واللغوي، واستيعابا لحصاد الترجمة الآنية، بإشاعة الآلاف من المفردات والتعابير الجديدة، وسرد رئيس مجمعة اللغة العربية عددا من المفردات التي جاء بها الإعلاميون و»نستخدمها الآن دون أن نعلم من هم أصحاب الفضل فيها»، ومنها،»الخصخصة»، «الاستنساخ»، « العقوبات البديلة»، «القتل الرحيم»، «غسيل الأموال»، «ثورة المعلومات»، «جماعات الضغط»، «النشطاء»، «اقتصاد السوق»، «الهندسة الوراثية»، «الأورونيوم المنضب»، «عالمية الثقافة»، «العولمة»، «الحوسبة»، «الحوكمة»، «جدولة الديون»، «تحكيم الخصم»، «بلورة الفكر»، «تصحر الأرض»، «تعذيب مياه البحر»، «تفويج الحجاج»، «ترفيق الأراضي»، «تثمين المواقف»، تسريع النمو»، «شخصنة الأزمنة»، ترسيم الحدود»، «العولقة في مواجهة العولمة»، «شخصنة الأزمة»، «عصرنة المجتمع»، «الوطننة قبل العولمة»، وغيرها من آلاف النماذج لما يصنعه بعض الإعلاميين، والذين سماهم فوروق شوشة، ب»المجمعيين الأول على خط النار»، حيث تأتيهم الأخبار من وكالات الأنباء الأجنبية، والمطلوب منهم خلال دقائق، أن يقدموا للقارئ نصا عربيا يحول المصطلح الأجنبي إلى لغة عربية، وتساءل المتحدث قائل، «هل سيمضي شهورا وسنوات ينتظر رأي مجمع القاهرة كي يوافيه بالمطلوب ليستخدمه في العام القادم؟ إنه مطالب بأن يكون ليس فقط إعلاميا ولكن لغويا، وعليه أن يستخدم كل ما هو متاح، من قياس ونحت وتوليد وتعريب واشتقاق ومجاز، وكل ما تسعفه به أدوات اللغة، وأعطى شوشة نموذجا طريفا لصحفي في القرن الثامن عشر، من أوائل من اشتغلوا في الصحافة، أرسل له مراسله في أحد الأقاليم بخبر يقول، «سقطت الآلة البخارية التي تجر عربات السكة الحديدية من فوق أحد الجسور في النيل»، فقرأ الخبر وأعاد قراءته، فأعانته ثقافته التراثية، على أن يخرج قلمه الأحمر، ويحذف كل هذه الكلمات، ويكتب القاطرة، ليعوض بها سبع كلمات، وهي الناقة الأولى التي تتقدم القافلة في الصحراء، وأفاد شوشة أن القافلة في التراث العربي اسمها القطار الذي تجره القاطرة، ومنذ ذلك الوقت والقاطرة هي اسم العربة الأولى التي تجر القطار من خلفها، مشيرا إلى أن كلمة القطار تعود نفسها إلى الاستخدام بعد قرون من الزمن، لتصبح اسما لمنتج حضاري جديد.