بات مؤكدا ومعلوما، أن المجتمعات المنغلقة، والمحرومة من الترسانة التشريعية المكرسة لحقوق وحريات الإنسان، تكون شعوبها أكثر استعدادا لتفجير طاقات الإشاعة والتزييف بين أفرادها وجماعاتها، للتنفيس عن الضغوطات النفسية التي تنجم أو تتولد بطريقة مباشرة عن حرمانها من حق المعرفة والإخبار والإعلام من جهة، ولتضليل حكامها وإيهامهم، بأنها قادرة على صناعة الأحداث ونسج الوقائع، ولو من باب الاختلاق والإشاعة، من جهة ثانية.. ولعل المغرب يعد من أكثر الدول والمجتمعات عرضة لحرائق الإشاعات والحقائق الزائفة، لأنه تحول بفعل حرمان شعب من حق المعرفة والإخبار، إلى محضن خصب للخيال المفرط، والجرأة الكبيرة على إنتاج كل السلوكات الشاذة والمنافية لوجوه الحق والصواب.. وللتأكيد على سلامة وجهة نظري، أعرض عليكم فيما يلي حكاية أو قصة إشاعة ابتلاني بها ابن خالتي عن حسن نية، خلال نهاية الأسبوع المنصرم حيث تلقيت منه مكالمة هاتفية، أخبرني عبرها وحسب ما يتردد في أوساط مدينته بوفاة أحد نواب حزب العدالة والتنمية. كان صوت ابن خالتي مضغوطا بشحنة حزن قوية، وكانت أنفاسه متقطعة على نحو غريب، الأمر الذي جعل للخبر الذي قذف به إلى مسمعى، مصداقية وأهمية وصدى قويا داخل نفسيتي، خصوصا وأن "المتوفي" حسب المكالمة تربطني به علاقة متينة وصلبة، بنيت على اعتبارات وعوامل عدة، أولها أنه ابن مدينتي ومسقط رأسي وممثل دائرتي، وثانيها أنه بمثابة أستاذي الذي تتلمذت على يديه، في المساجد التي ألقى فيها خطبه ودروسه الدينية والعلمية والفكرية.. وثالثها أن علاقتي به تتجدد كل يوم أربعاء بمقر مجلس النواب. والواقع أنني لم أصدق الخبر، رغم أنه أحدث بداخلي رجة أشبه بهزة أرضية عنيفة.. لذا بادرت إلى الاتصال هاتفيا بأكثر من صديق، مراعيا صلة هذا الصديق أو ذاك بأستاذي الجليل وأحد نواب العدالة والتنمية.. ويا للهول.. وجدت هواتفهم النقالة مغلقة، مما زاد عندي من صحة الخبر وصدقيته.. والغريب أنني لم أفكر في الاتصال بالمعني بالأمر مباشرة، بل رجحت فكرة الاتصال بالأستاذ مصطفى الرميد باعتباره رئيس الفريق النيابي الذي ينتمي إليه "المتوفي" حسب ابن خالتي وكم كان الأمر سخيفا ومضحكا، حين فند الأستاذ الرميد الخبر المكذوب، ورد علي ضاحكا: "تقول لي إن الخبر يفيد موته بالأمس، بينما أنا رئيس فريقه لا أعلم به". حينئذ تملكتني شجاعة كبيرة، فقمت بالاتصال بالنائب "المتوفي" الذي جاءني صوته على طرف الخط الهاتفي الثاني، مفعما بالدفء والحيوية، ومليئا بالسكينة المعهودة فيه، وحاملا لكل مقومات الصحة والتفاؤل والثقة.. وكم كنت فرحا وسعيدا، إلى درجة انطلق فيها لساني، دون توقف، بالدعاء له بالصحة والعافية، راجيا من الله أن يحفظه ويرعاه.. وإذا كنت أجهل الدوافع التي رشحت هذا النائب العزيز، إلى أن يكون هدفا لإشاعة مقيتة وغير أخلاقية، فإنني أتفهم بمنطق خاص لجوء بعض زملائنا في مهنة المتاعب، إلى الاجتهاد في فبركة الأخبار حول بعض مسؤولي الدولة، أو قضايا تتعلق بالشأن العام، وإلى حقن صفحات جرائدهم بجرعات غير يسيرة من فن الإشاعة، فذلك حتى يضطر المعنيون بالأمر إلى إخراج ألسنتهم من جحورها، للتكذيب أو التأكيد أو التصحيح.. فتصبح الإشاعة بعد ذلك خبرا صحيحا وموثوقا.. والطريف أن زملاءنا يلجؤون إلى هذه الحيلة، لأن مرافق دولتنا وكبار مسؤوليها، يحاربون بإرادة فولاذية، وبشتى الوسائل والأساليب، حق الجماهير في معرفة أشياء وأمور ذات صلة بقضاياهم الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية، ويسارعون بالمقابل إلى الكشف عنها للأجانب.. ولكن ما هو الهدف من زرع إشاعة مسمومة حول نائب العدالة والتنمية؟ فالنائب العزيز ليس مسؤولا حكوميا، ووفاته لا قدر الله غير ذات علاقة بمصير اجتماعي أو اقتصادي لساكنة مدينته!! أم أن الإشاعة في هذه الحالة، مجرد وسيلة لقياس ضغط الدم عند محبيه وتلامذته؟ يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف، أذاعوا به، ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم، لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته، لاتبعتم الشيطان إلا قليلا) ويقول عز من قائل: (يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبإ، فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). يونس إمغران