من خلال رصد مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني ومحاولات الاختراق الصهيوني للمغرب منذ سنوات وخلال الأشهر القليلة الماضية، يظهر جليا أن المجتمع المدني أبان عن جاهزيته ضد أي محاولة للاختراق، وتمكن أكثر من مرة من إحباط محاولات الاختراق الصهيوني للمغرب بدعم من لوبيات داعمة للكيان الصهيوني، ولعل أبرز المحطات تمكن القوى المناهضة للتطبيع من الحيلولة دون عرض المركز الثقافي الفرنسي باكادير للشريط المثير للجدل «تنغير جيروزاليم»، بحضور مخرجه كمال هاشكار، وذلك في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، -29 نونبر من كل سنة-، بقاعة المركب الثقافي «جمال الدرة» بأكادير، وهو ما اعتبره مناهضوا التطبيع «إهانة واستفزاز متعدد الأوجه»، وتعالت الأصوات المنددة بالتطبيع، وناشدت أكثر من هيئة من هيآت المجتمع المدني، الجهات المسؤولة بسحب الترخيص للمركز الثقافي الفرنسي، واعلنت فعاليات المجتمع المدني عزمها التصعيد وتنظيم احتجاجات في عين المكان بالموازاة مع عرض الشريط إذا لم يتم التراجع عن عرضه، وتحت ضغط المجتمع المدني قرر في وقت لاحق رئيس الجماعة الحضرية لأكادير، الامتناع عن منح المركب الثقافي جمال الدرة للمركز الثقافي الفرنسي من أجل عرض الشريط، ليعلن المركز الثقافي عن إلغاء النشاط الثقافي. كما تراجعت مجموعة تفكير الدولية TEDX بالرباط، عن استضافة الصهيوني «عوفير برونشتاين»، في ملتقى للأفكار نظمته قبل أسبوعين بالرباط، بعدما وجهت له الدعوة سابقا، وأكد حضوره في تصريحات صحفية قبل أيام، وخلف استدعاء «برونشتاين»، بيانات تنديدية من هيآت المجتمع المدني المناهضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، ودعوات إلى التراجع عن استضافته، واحتج العشرات من مناهضي التطبيع مع الكيان الصهيوني، بالتزامن مع انطلاق أشغال الملتقى، أمام المكتبة الوطنية بالرباط، تنديدا باستدعاء، بينما لجأت الجهات المنظمة للملتقى إلى التراجع عن استضافة «برونشتاين» في آخر اللحظات. مطالب بتجريم التطبيع واليوم وبعد تنامي مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني، تعالت أصوات فاعلين في المجتمع المدني من أجل سن قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبمبادرة من جمعية المسار، تم الإعلان عن «مبادرة مواطنة مغربية» لحمل السلطتين التنفيذية والتشريعية في المغرب على إصدار قانون يجرِّم كل أنواع التطبيع المباشر وغير المباشر مع الكيان الصهيوني، من أجل «المقاومة الدائمة والمتواصلة» ومن أجل «الانتقال من رد الفعل إلى صنع الفعل»، تقول الأرضية التأسيسية للمبادرة، وكذا لأن «الواجب أصبح يفرض الانتقال من التحرك اللحظي إلى الفعل المؤسساتي الدائم الذي لا يخضع للأحداث الساخنة فقط»، ولأن «الضرورة أصبحت تفرض ترجمة مشاعر التضامن العفوي والوجداني مع فلسطين إلى الفعل التشريعي ونتائجه الدبلوماسية والثقافية، وخاصة التجارية ذات المفعول المؤلم للكيان الصهيوني»، واعتبرت المبادرة أنه إذا كان «رفض المشروع الصهيوني من المواقف الثابتة للمغاربة، فإن تجسيده على أرض الواقع يستلزم موقفا ثابتا هو الآخر، تتبناه وتصادق عليه المؤسسة التشريعية ويصبح له قوة القانون»، ووقعت العشرات من جمعيات المجتمع المدني الجمعة الماضية بالدار البيضاء، على تصريح المطالبة بإصدار قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، استجابة ل «مبادرة المجتمع المدني من أجل تجريم التطبيع» واعتبر جواد العراقي رئيس جمعية المسار أن اللقاء الذي خصص لمناقشة ترتيبات وإجراءات هذه المبادرة قبل أن يتوج بتوقيع التصريح المشترك، خطوة لتفعيل المبادرة رسميا، في أفق عرضها على السلطة التنفيذية لتتبناها كمشروع قانون يتم إدراجه في العمل التشريعي لهذه السنة في شخص الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. الترافع والضغط والمبادرة عبد العالي مستور، رئيس منتدى المواطنة، إحدى هيآت المجتمع المدني الموقعة على مبادرة تجريم التطبيع، اعتبر أن «المجتمع المدني من أولوياته مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني»، وقال في تصريح ل»التجدد»، «هيآت المجتمع المدني توزع الأدوار فيما بينها في مجال مناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني، ودورها هو الترافع والضغط والمبادرة لأنه ليس دولة أو شركات اقتصادية أو برلمان، لا يملك لا سلطة التشريع ولا سلطة القرار، ودوره هو التوعية والتثقيف والفضح والمناصرة والضغط، وهيآت المجتمع المدني المغربية حاضرة، ومن واجبنا الإنساني مضاعفة الجهود وتطوير الأداء وآليات المناهضة». ويرى مستور أنه «نظرا لأن المجتمع المدني مبني أساسا على قيم إنسانية، وقيم العدالة والحرية والمساواة، ولأن النظام الأكثر هجوما وهدرا لهذه القيم هو الكيان الصهيوني، فالمجتمع المدني مطالب ولا يمكنه إلا أن يقاوم التطبيع مع أي أنظمة سياسية استعمارية قمعية تنتهك كل المواثيق الدولية وحقوق الإنسان»، وأضاف المتحدث قائلا، «المجتمع المدني عليه أن يظل ملتزما بقضايا الأمة، والمطلوب الآن من الدولة والحكومة التجاوب مع جهود المجتمع المدني»، وأكد مستور أن مبادرة المجتمع المدني المغربي للمطالبة بتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، ليست فقط مطلب إنساني ولكنه مطلب دستوري»، يضيف مستور، «لا يمكن اليوم للدولة المغربية أن تطبع علاقاتها مع دولة مناقضة للمبادئ الحقوقية والإنسانية للدستور المغربي والقواعد الدستورية، المطلوب اليوم من الدولة المغربية والحكومة المغربية والبرلمان المغربي، العمل على وقف كل مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني، والمسؤولية أيضا ملقاة على كل الهيآت السياسية والنقابية بكل مقوماتها». وتحدث مستور عن مساعي المجتمع المدني من أجل «إعداد وثيقة ترافعية ستكون موضوع ترافع لدى الحكومة ولدى البرلمان ومختلف القوى السياسية والمجتمعية في المغرب، من أجل «التوجه لإقرار قانون يجرم التطبيع مع الكيان الصهيوني على مستوى الأفراد والمؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو رياضية..». مرصد مناهضة التطبيع كشف عبد الإله المنصوري عضو مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين، أن المجموعة بصدد إطلاق مرصدا وطنيا لمناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني بشراكة كل الفاعلين المهتمين بالميدان وشخصيات وطنية، وذلك في غضون أربعة أسابيع، وأفاد المنصوري بأن «المرصد سيوفر المعلومات والإحصائيات حول الاختراق»، ويرى أن هناك حاجة ل»النضال في الميدان لمواجهة الاختراق الصهيوني»، وذكر المنصوري بمناسبة إعلان مبادرة المجتمع المدني لإقرار قانون لتجريم التطبيع، بالحاجة إلى آليات أهم وأكبر لمناهضة التطبيع بمختلف تجلياته. ويرى عضو مجموعة العمل الوطنية لمساندة العراق وفلسطين، أن مبادرة المجتمع المدني، «تنم عن وعي بخطورة المشروع الصهيوني، وتلتقط اللحظة التاريخية التي يعيشها الوطن العربي»، في إشارة إلى لحظة ما بعد الحراك العربي، ويرى المتحدث أن رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني كان جزءا من مطالب الشارع العربي، وأن «تجريم التطبيع هو واحدة من القضايا التي تناقش في الدول التي عرفت تغييرات، وما يهم هو أن نحقق الإجماع على هذا الموضوع في المغرب». آخر الإحصائيات قال المكتب الإسرائيلي للإحصاء، وفق آخر الإحصائيات المعلن عنها، أن المبادلات التجارية بين الكيان الصهيوني والمغرب شهدت ارتفاعا كبيرا خلال شهر أكتوبر الأخير، وتشير المعطيات التي اطلعت عليها «التجديد»، إلى ارتفاع واردات المغرب من الكيان الصهيوني خلال شهر أكتوبر 2012 بحوالي 216 بالمائة مقارنة مع أكتوبر 2011، مقابل ارتفاع الصادرات المغربية نحو الكيان الصهيوني بنحو 150 بالمائة خلال أكتوبر 2012 بالمقارنة مع أكتوبر 2011، وبلغت قيمة الصادرات المغربية إلى الكيان الصهيوني خلال العشر أشهر الأولى من سنة 2012، ما مجموعه 42 مليون درهم مقابل 27 مليون درهم خلال نفس الفترة من السنة الماضية، أي بزيادة 54 بالمائة، كما انتقلت قيمة الواردات المغربية من الكيان الصهيوني خلال العشر أشهر الأولى من سنة 2012، إلى 157 مليون درهم مقابل 156 مليون درهم خلال نفس الفترة من السنة الماضية.