لمحاولة فهم علاقة العولمة بالتربية لابد من القيام بعملية اركيولوجية وبحفريات مطردة في الآثار الناجمة عنها والمرتبطة أساسا ببنية العمل التربوي أي محاولة فهم مدى انعكاس دينامية العولمة على أهم عناصر المنظومة التربوية والمتمثلة في علاقة المدرس بالمتمدرس، طبيعة المنهاج وخلفيته القيمية ، صيغ التدريس، فضاء التمدرس، الحياة المدرسية....وهوالامر الذي يستلزم القيام بمسح تحليلي لكافة المعطيات التي تراكمت حول النظام التربوي .ولعل للعولمة امتدادات عميقة وأبعاد سياسية، واجتماعية واقتصادية وثقافية ومعلوماتية وتقنية... الخ ، لكن البعد التربوي للعولمة يعدٌ من أخطر الأبعاد ، لأنه يؤثر على الشخصية الحضارية للدولة الوطنية وتماسك نسيجها الاجتماعي ويؤثر بشكل مباشر على هويتها الوطنية . لذا سنحاول في هذا الجزء تتبع اثر العولمة وفكرها التقني العابر للقارات على النظام التربوي وللإجابة عن هذا السؤال فإننا نؤكد انه بقدر توافر المعطيات حول نتائج اثر العولمة في مجال الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة وغيرها ، فإنها تعز على مستوى علاقتها بالمجال التربوي والتعليمي . ويبقى الموقف من العولمة وإفرازاتها في واقع الدول وخصوصا تلك التي تسعى إلى النهوض. فالعولمة ليست قدراً محتوما يصعب تجاوز آثاره السلبية واستثمار إمكاناته وفرصه ، ففي داخلها حزمة من الامكانات يجب الوعي بكيفية مقاربتها تشخيصا و قراءة وتحليلاً ونقداً. وهو ما فرض في ساحة النقاش الفكري والفلسفي تباين في المقاربات المحددة للموقف من العولمة . فهناك من يدافع عن العولمة باعتبارها تمثل فرصة مواتية في زمن استثنائي يمكن يجب استثمارها في اتجاه اخراج المجتمعات الثالثية من براثن الفساد و الاستبداد والظلم والإلحاق بقوى الاستكبار ، وهناك من يناصب لها العداء على اساس أنها مدخلا اداتيا للهيمنة الدولية على مقدرات الشعوب وعرقلة كفاحها من اجل استكمال الاستقلال الوطني . ويذهب انصارالعولمة الى حد اعتبار تمتع الافراد والجماعات اليوم من زخم التكنولوجيا وثورة الاتصال وسهولة الولوج الى المعرفة . وهم يقدمون العولمة كمنتج لمسار التطور الحاصل في هذه المجالات التي قلصت الفجوات الزمنية بين الافراد والجماعات وسيجت المشترك من القيم والافكاروالمنتجات بشكل عام مما يطرح اليوم وبإلحاح مسالة وظيفة المدرسة وهل لازال النظام التربوي يسهم في تنمية الافراد وتأهيل قدراتهم . مما نستدعي معه سؤال أي انعكاس للعولمة على الجانب التربوي ؟ ان المتحمسين للعولمة يرون انها تمنح امكانيات للتعلم الذاتي متعدد الاتجاهات وعابرللامكنة والأزمنة المدرسية والفضاءات التعليمية . اما من يناهضها ويعاديها فيرى أن العولمة تمارس نوعا من الاقصاء بحيث لاتوفر امكانية ادماج كافة الافراد في منظومة الرأسمال المال الرمزي وهو ما يفسر القول الرائج ان العولمة لا توفر الإطارالانسب لاستيعاب الكل او كما ذهب برهان غليون «ليست صالة ضيوف مفتوحة لمن يريد».وهي القناعة التي تفسر استمرارالفقروالهشاشة و الاقصاء مما يفتح العالم على نوع من الاضطرابات غير المسبوقة . ولعل مجال التعليم والتربية غير بعيد عن هذه الاشكالات التي عززت العولمة اثارها فيه ، والتي تتجلى اساسا في تقليص فرص التعلم اما شريحة كبيرة من المواطنين خصوصا الفئات الهشة والضعيفة وانفتاحها امام المستفيدين من توزيع الثروات الوطنية وبالتالي بروز التعليم من جديد كآلية للترقي الاجتماعي عوض الاجتهاد الشخصي .