في يوم الأحد 16 شتنبر 2012 ، كان على أن أتأقلم مع الوضع الجديد أي وجودي لوحدي في بيكين بعد ان غار رفيقاي خالد والصقلي خاصة وقد تعودنا على الصلاة جماعة وتناول الوجبات جماعة والاستعداد جماعة للخروج الى اللقاءات والزيارات المبرمجة. على الساعة التاسعة والنصف تحركت أنا ومرافقي عماد ويوهايلين نحو زيارة القصر الإمبراطورة أو المدينة المحرمة .وفي الطريق إلى القصر الامبراطوري اخترقنا مدينة بيكين ومررنا بعدة مباني رسمية منها المنطقة المخصصة لإقامة كبار مسولي الحزب الشيوعي وكبار مسؤولي الدولة.. وفي الطريق الى المدينة المحرمة مررنا بعدة معالم منها دار الأوبرا وهي قاعة ضخمة قريبة من ساحة تيامان وهي قاعة رائعة تظهر كنصف كرة زجاجية وسط الماء. دار الأوبرا وقبل ان تدلف الى الساحة يظهر ضريح الزعيم ماو تسي تونغ والنصب التذكاري لشهداء الشعب وفي مقابل ذلك في الجهة التي كنا نسير عليها قبل ان نقطع الشارع نحو الساحة توجد قاعة الشعب الكبرى وأمامها يرابط جندي لا يتحرك كأنه صنم لمدة ساعتين متلاحقتين قبل أن يخلقه جندي اخر في اشارة الى الانضباط العسكري الساحة التي عرفت ثورة الطلبة التي سحقتهم الذبابات في ربيع بيكين المشهور والتي لا يوجد فيها شيء أو إشارة تذكر بالأحداث، بل العكس من ذلك وضعت في بعض مداخلها لوحات ضوئية الكترونية كبرى تعرض من حين لآخر مقولات وشعارات لمؤتمرات الحزب الشيوعي وغيرها. كان مضمون الشعار الذي ظهر على الشاشة كما ترجم لي مرافقي عماد على الشكل التالي : « التنفيذ الجدي لروح الدورة السادسة للمؤتمر الوطني السادس عشر « بدأ الحرج واضحا على أحد مرافقي حين وجهت له السؤال التالي : كيف تذكر أحداث الطلبة في تاريخ بيكين وكيف تقرأ .. هل تعتبره مجرد تحرك بورجوازي؟ شعرت بالحرج في وجه مرافقي فحاولت تلطيف السؤال: ما مصير أولئك الطلبة وهل اندمجوا في الحزب الشيوعي؟ فكر قليلا وبطريقة ديبلوماسية قال هذا الحادث لا تزال اللجنة المركزية تعتبره تظاهرة طلابية وبعد صمت استدرك قائلا : خلال عملية التطور ظهرت عدة مشاكل وتناقضات كيف يمكن حل تلك المشاكل؟ عن طريق التنمية والتطور. لم أتابع الموضوع سرنا معا بخطى حثيثة نحو المدينة المحرمة وأنا أتامل وفي نفسى خواطر عدة متزاحمة. ربيع بيكين ترفض الحكومة ما تردده وسائل الاعلام الغربية والمنظمات الحقوقية وما نشر في الولاياتالمتحدة أخيراً حول أحداث ساحة تيان آن مين وتبرر في المقابل عملية قمع المظاهرة الطلابية التي حدثت بساحة تيان ان مين في 4 يونيو 1989 بأنها كانت «ضرورية» لاستقرار البلاد. الوثائق المذكورة والتى اطلق عليها اسم «وثائق تيان آن مين» تقارير من اجتماعات عدة عقدتها القيادة العليا للحزب الشيوعي الصيني خلال الأسابيع الستة من «ربيع بكين» الذي أوقع آلاف الضحايا بحسب تقديرات مختلفة. وقد اخرجت هذه الوثائق سرا من الصين «من جانب شخص مؤيد للإصلاحات داخل التراتبية الشيوعية» حسبما ذكرت مجلة «فورين أفيرز» الصادرة في نيويورك. وقد تحدثت شبكة «سي. بي. إس» إلى هذا الشخص الموالي للحزب الشيوعي في الصين، وأخفت صورته نزولاً عند طلبه، وذلك لرغبته في العودة إلى بلاده. وقد استمع ثلاثة اساتذة جامعيين اميركيين الى هذا الشخص واعربوا عن اقتناعهم بأن معلوماته صحيحة. وحسب مقتطفات من تلك الوثائق، كانت القيادة الشيوعية منقسمة حول جدوى الاستعانة بالجيش لقمع المتظاهرين. وتؤكد تلك المقتطفات ان الرجل الثاني حاليا في النظام وزعيم التيار المحافظ، لي بينغ، كان المحرض على التدخل العسكري الذي طالب به الرجل الاول في النظام في حينها دينغ كسياو بينغ الذي توفي عام 1997. ويبقى ربيع بكين موضوعا محرما في الصين حيث ما زال يعتبر «محاولة تمرد للاطاحة بالثورة» بالرغم من النداءات المتكررة للمنشقين وعائلات الضحايا التي تطالب بإعادة النظر في الرواية الرسمية. السلطات الصينية كان لها موقف حازم من الوثائق المذكورة وأكدت انها لا تعتزم اعادة فتح الملف، مضيفا انها «وضعت الوقائع الصحيحة للاضطرابات السياسية التي جرت في بكين في ربيع 1989 وان هذه الوقائع لن تغير»، كما اكد ان العقد الاخير «اثبت ان هذه الاجراءات السريعة والحاسمة التي اتخذها الحزب والحكومة في الصين في حينها كانت ضرورية»، نترك جدل السياسة وحقيقة ما جرى فالساسة الصينيون صارمون حين يعتبرون أن جهات أجنبية تتدخل في شؤونهم . وقد كان لهم موقف صارم حين انتقد ساركوزي ذات يوم ما تعرض له المعارض الدايلي لاما في «التبت» حيث وصل الأمر إلى مقاطعة مسؤول صيني كبير للقاء مع مسؤول في الاتحاد الأروبي .. لكن الساحة اليوم لا توجد فيها دبابة ولا يوجد فيها حتى مظاهر أمنية بارزة وكل شيء يدل على أن زوارها غير معنيين باستثمار احداث 1989 ولا ابهين للوقوف على ضريح ماو تساونج ولكن أفواجهم الهادرة تتجه في تسابق مع الزمن كي تزور المدينة الامبراطورية او المدينة المحرمة. إنك اليوم في قلب الصين التاريخ الامبراطوري، الصين الثورة الماوية «صين ربيع بيكين» و»صين دي سياوينغ».. الصين بكل عظمتها وتناقضاتها وظاهرها وباطنها . ميدان «تيان آن مين» الذي تطل عليه صورة الزعيم «ماو تسي تونغ» والذي يتضمن نصب شهداء الثورة وضريح الزعيم لا يمكن أن يتحول رمزا ل « ثورة بورجوازية مضادة « . كيف تتحول الساحة المقابلة لقصر كان يضم آخر امبراطور مستبد أسقطته الثورة ونصبت على سور قريب منه صورة الزعيم إلى ميدان يغري بالعودة إلى التسلط الامبراطوري واعتبار الحزب الشيوعي نمطا جديدا من ذلك التسلط؟ يكفي أن الصينيين يعتبرونه أكبر ميدان على الاطلاق، ويرددون انشودة تقول كما أخبرني مرافقي عماد: الشمس منه تشرق والزعيم ماو تسي تونغ يوجه طريق تقدمنا