في قضية اليوم، سنبين عدم قانونية إعادة استصدار قرار إداري سبق للقضاء أن قال فيه كلمته، الملف يتعلق بدعوى قضائية بين رئيس المجلس البلدي لجماعة الأزهر بتطوان، والصيدلانية «سامية» حيث قضت المحكمة الإدارية ابتدائيا واستئنافيا بإلغاء قرار المجلس القاضي بالهدم إلى أن هذا الأخير بادر إلى إعادة اتخاده مما يجعل القرار الثاني مشوبا بتجاوز السلطة لمخالفته حجية الأحكام القضائية، وبالتالي إلغائه..فماهي حيثيات هذا الملف؟ إنشاء صيدلية تقدمت «سامية» طبيبة صيدلانية إلى المحكمة الإدارية بتطوان بشكاية تعرض فيها أنها حصلت على شهادة الدكتورة في الصيدلة، وأنها بادرت بالقيام بكل الإجراءات القانوني، وأنها تقدمت بطلب يرمي إلى الاحتلال المؤقت لملك جماعي بشارع الجزائر جانب مرآب السيارات باب التوت بتطوان وهو الطلب الذي صدرت على ضوئه الرخصة رقم 18/98 القاضي بالإذن لها بشغل الملك المذكور بمساحة 48 مترا مربعا قصد إنشاء صيدلية. وعلى ضوء هذا القرار، أصدرت نفس الجهة المطعون ضدها (المجلس البلدي لجماعة الأزهر بتطوان)، قرارا يقضي بالترخيص لها بشغل الأملاك الجماعية العامة مؤقتا لأغراض البناء، وعندما تعاقدت مع المقاول، وأنجزت التصاميم الضرورية فوجئت بالمجلس البلدي يصدر قرارا يقضي بإيقاف أشغال البناء، فتقدمت بالطعن فيه أمام هذه المحكمة التي أصدرت حكما بتاريخ 10/2/1998 قضى بإلغائه باعتباره مشوبا بتجاوز السلطة، بسبب وجود عيبين إثنين: مخالفة القانون والانحراف في استعمال السلطة. وقد تم تأكيد هذا الحكم من طرف المجلس الأعلى بمقتضى القرار الصادر بتاريخ 25/2/1999 وعلى ضوء ذلك عملت على تنفيذ الحكم الصادر لفائدتها، وانتقل مأمور إجراءات التنفيذ إلى مدينة تطوان للإشراف على عملية التنفيذ وأنجز محضرا بذلك، إلا أنها وأثناء مواصلتها للبناء أصدر رئيس المجلس البلدي المطلوب في الطعن قرار تحت عدد 355 قضى بإيقاف الأشغال وأن هذا القرار يمس بقرارات قضائية حائزة لقوة الشيء المقضي به ملتمسا لذلك الحكم بإلغائه. وبناء على الحكم العارض الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 26/7/01 القاضي برفض طلب إيقاف التنفيذ، والأمرتمهيديا بإجراء بحث بمكتب القاضي المقرر حول موضوع الدعوى، وعلى محضر البحث المنجز بمكتب القاضي المقرر بتاريخ 9/1/2002 المضمن لتصريحات الطاعنة، وعلى الحكم التمهيدي الصادر بتاريخ 14 مارس 2002 القاضي بإجراء معاينة بواسطة المستشار المقرر. إلغاء القرار يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الصادر عن رئيس المجلس البلدي لتطوان عدد 5/335 بتاريخ 20/2/2001، القاضي بإيقاف أشغال البناء المنجزة من طرف الطاعنة، مع ترتيب كل أثر قانوني على ذلك. بعد دراسة المحكمة لكافة معطيات القضية، تبين لها أن الطعن أسس على وسيلة واحدة مستمدة من عيب انعدام السبب بعد أن تم بناؤه على مبررات أقر القضاء بعدم صحتها بمقتضى الحكم الصادر عن هذه المحكمة بتاريخ 10/12/1998 في الملف عدد 182/98، والذي أصبح نهائيا بعد تأييده من طرف المجلس الأعلى. وبالرجوع إلى القرار المطعون فيه، يتضح أنه بني على ثلاثة أسباب: يتمثل الأول في كون الطاعنة تقوم بأشغال البناء استنادا إلى الرخصة رقم 18/99 التي لم تصدر عن الجماعة، ويتمثل الثاني: في عدم احترامها لمقتضيات القرار رقم 5/22 بعد قيامها بأشغال البناء داخل مرآب للسيارات سبق الترخيص باستغلاله على وجه الكراء لفائدة أحد الأشخاص، ويتجلى السبب الثالث في استعمال مواد للبناء مما لا يستعمل في إقامة الأكشاك. فيما يخص السبب الأول، أكدت المحكمة أنه من الثابت من أوراق الملف أن المجلس البلدي المطلوب في الطعن سبق وأن أصدر في وقت سابق قرار مماثل للقرار المطعون فيه تحت عدد 5/274 يقضي على الطاعنة بتوقيف نفس أشغال البناء، والذي قامت بالطعن فيه أمام هذه المحكمة التي قضت بإلغائه بموجب حكمها عدد 1236 بتاريخ 10/12/1998، الصادر في الملف المشار إليه أعلاه، وتم تأييده من طرف الغرفة الإدارية في قرارها عدد 234، الصادر بتاريخ 25/2/1999 في الملف الإداري عدد 59/4/1/99، مما يكون معه قد أصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به. وكان الأساس الذي اعتمد في إلغاء القرار المذكور هو كون الطاعنة – وباعتراف المجلس البلدي لتطوان – حصلت على رخصة بناء الكشك المخصص للصيدلية بصورة تنظيمية، واحترمت كل الضوابط المتعلقة بقانون التعمير، وأن الإدارة لا يمكنها أن تلجأ إلى سحب الرخصة الممنوحة إلا إذا أثبتت فعلا أن المرخص لها قد خالفت هذه الضوابط، وبالتالي فإن تنكر الإدارة بعد ذلك للرخصة المذكورة، وأنها هي التي أصدرتها يبقى في غير محله، ويخالف الحجية التي اكتسبها الحكم القضائي السالف الذكر، مما يكون معه السبب المعتمد عليه بهذا الشأن يفتقد إلى الجدية اللازمة وغير جدير بالاعتبار. وحيث إنه بالنسبة للسبب الثاني، فإنه من أجل التحقق من المعطى المتعلق به أمرت المحكمة بإجراء خبرة بواسطة الخبير، وذلك بغرض الوقوف على البقعة الأرضية موضوع إيقاف الأشغال، والتأكد مما إذا كانت هذه الأخيرة قد تمت على ذات البقعة المرخص فيها بالبناء مع الاطلاع على الوثائق الطبوغرافية الضرورية لذلك. تعليل المحكمة أفاد الخبير في تقريره بكون الأشغال التي وقع توقيفها تمت فعلا على ذات البقعة الأرضية المرخص للطاعنة بالبناء فوقها تحت عدد 5/22 طبقا لتصميم البنايات المقدم من طرف المهندس المعماري. وأرفق الخبرة بنسخة من ذلك القرار المؤرخ في 21/11/1997 ، وكذا نسخة من التصميم المذكور. الأمر الذي يكون معه-حسب تعليل المحكمة- تمسك الإدارة بكون أشغال البناء خالفت الرخصة الممنوحة للطاعنة وأنجزت فوق قطعة أرضية أخرى مخالف للحقيقة التي أثبتها تقرير الخبرة ولم تضفي عليه الإدارة، ويجعل بالتالي السبب المذكور يتفقد بدوره إلى الصحة ولا يقوم مبررا لاتخاذ القرار المطعون فيه. وفيما يخص السبب الأخير القائم على عدم انسجام المواد المستعملة في الأشغال مع طبيعة البناء المرخص به، فبالرجوع إلى أوراق الملف يتضح أن الإدارة، إكتفت بإثارة هذا السبب دون الإدلاء بما يثبت تحققه من خلال محضر معاينة منجز من طرف لجنة مختصة ويفيد مخالفة المواد المستعملة في البناء، وللرخصة المسلمة للطاعنة في الوقت الذي أكدت فيه هذه الأخيرة أن مواد البناء المشار إليها في القرار المطعون فيه ( إسمنت ، حجر ، حديد ) إنما وجدت في الورش لاستعمالها في أساس الأكشاك التي يستعمل في بنائها المواد المذكورة خصوصا وأن الأمر يتعلق بكشك مخصص لإقامة صيدلية يفترض فيه أن يراعى أقصى شروط الوقاية والسلامة تفاديا لتعرض الأدوية للتلف، وهي المعطيات التي لم ينازع فيها المجلس البلدي المطلوب في الطعن ، مما يكون معه هذا السبب كذلك غير مبني على أساس سليم. وتبعا لذلك، وأمام عدم وجاهة جميع الأسباب التي بني عليها القرار المطعون فيه، يكون هذا الأخير مشوبا بتجاوز السلطة لعيب انعدام السبب، ويتعين بالتالي الحكم بإلغائه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك. وتطبيقا لمقتضيات القانون 90.41 المحدثة بموجبه المحاكم الإدارية، حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا بإلغاء القرار المطعون فيه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.