عند الحديث عن بيوت الدعاة نرى أننا نحتاج إلى تناول ثلاثة محاور لتوفير أسس للتواصل بين الأطراف الموجودة فيها، وهي في الأصل الزوج الداعية والزوجة الداعية: أمران تحتاجهما المرأة. أمران يحتاجهما الرجل. أمران مشتركان يحتاجانها معا. أولا- المرأة: تنبع المشاكل في بيوت الدعاة غالبا نتيجة عدم تفهم كل من الزوجين لاحتياجات الآخر ومتطلباته، فالمرأة ترى زوجها 24 ساعة خارج البيت، وإذا كلمته قال لها: "في سبيل الله.."، فهي متأذية.. وتراها تحدث نفسها قائلة: حسنا في سبيل الله.. ولكن أين في سبيل الله في المنزل.. نعم كلامه صحيح، ولكن هي عندها احتياجات نفسية وتربوية وعاطفية تحتاج إلى إشباعها. وعلى ذلك فنحن نحتاج إلى أمرين: 1- نحتاج إلى فهم شرعي حتى تكتسب الخبرة التي تؤهلها للرد على زوجها إذا ما قال لها ليسكتها: "في سبيل الله". وهذا الجانب الشرعي نجده في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع زوجاته، فعلى الرغم من انشغالاته الدائمة فإنه كان يخصف النعل.. ويحلب الشاة، ويقُمُّ البيت، ويكون في خدمة أهله، وهاهو يقول صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي". فهذه النصوص الشرعية مهمة لتشكل ثقافة الزوجة حتى تحسن التعامل مع الزوج في ذلك، إذا ما كلمها زوجها قائلا: "في سبيل.." تعرف كيف تجيبه برد شرعي صحيح. 2- البعد نفسي: أن تفهم المرأة نفسية الزوج إذا كانت تريد أن تخاطبه، فالرجل تصلح معه لغة الحيلة، كأن تقول له الزوجة مثلا: "أنا أحتاج قربك".. "أنا أحتاج كلمة حلوة".. "أنا بحاجة إلى لمسة حانية".. "أنا بحاجة إلى ساعة نقضيها مع بعض". الرجل يحب الاعتزاز، ويحب أن يحس أنه يعمل شيئا، فحينما تأتي له المرأة بهذه اللغة.. فإن هذه الرسائل ستؤثر في نفسية الرجل، قد يعاند أولا ولا يهتم بالأمر، ولكن تظل كلماتها تعمل في ذهنه، لذا فعليها ألا تنتظر الاستجابة السريعة، لكن فلتعمل على المدى البعيد. ثانيا- الرجل: ولنا معه أيضا حديث في أمرين: أولا: هو يظن أن زوجته التي اختارها ملتزمة وداعية، ويتعامل معها في ذلك كأنها أحد إخوانه، فإذا ما قالت له: أين أنت؟ أريد أن أتكلم معك.. لماذا لم تتصل؟ لماذا لا تأتينا؟ 24 ساعة دعوة..؟ فبالنسبة له هذه نقطة إيذاء، ويحس أنه تورط في هذا الزواج.. وأنهم أخبروني أنك داعية.. وانظروا معي إلى نموذج الدعاة الأزواج يتحقق في رواية ميمونة رضي الله عنها، إذ تحكي موقفا حدث معها من أنها تفقدت النبي صلى الله عليه وسلم في الليل فلم تجده، فقامت فأغلقت الباب، فجاء رسول الله فطرق الباب في منتصف الليل، ورفضت أن تفتح الباب، فظل يطرق الباب طرقا إلى أن فتحت، فلما فتحت قالت له: تذهب إلى بعض نسائي بالليل؟! انظر.. هي امرأة، سواء داعية أم لا، تبقى هناك صفات نفسية وتربوية ثابتة، وتفهما من النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الطبيعة تراه تعامل مع الموقف بكل بساطة، فرد قائلا: "ما فعلت.. إنما وجدت حقنا من بولي". هل حدثت مشكلة زوجية؟ لا يوجد، مع أنها قفلت الباب عليه. لكن لماذا لا توجد مشكلة زوجية؟! لأن النبي هنا تفهم نفسية زوجته كامرأة. إذن فالخط الأول يقول "افهم نفسية زوجتك". الأمر الثاني هو الحوار: إذا تحاورت أخي مع زوجتك، وحاولت أن تشرح لها ثقل المسؤولية الملقاة عليك في الدعوة، ووضحت لها، فستتفاعل هي مع همومك، وتخفف عنك عبئا قد يتسبب عدم حوارك معها في إيجاده على يديها.. لا تذهب لتعمل بالدعوة وهي لا تدري شيئا.. الإنسان عدو ما جهل. حاول أن تبين لها الإنجازات التي تقوم بها في الدعوة، وأشعرها بمدى فضلها في ذلك، وأكثر من أمثال هذه العبارات "لولا صبرك لما نجحت.. لولا تحملك لما تميزت". بالتالي لو وجدت هذه النفسية وهذا الحوار فسيجد الداعية أنه مشغول بدعوته، وزوجته سعيدة، لأن التواصل بينهما تواصل قوي. لكن أقول لك بأن الدائرة الوسطية الآن هي أنه إذا لم يكن هناك تواصل وحوار بين الداعية وزوجته، فسيظل هو لديه إنجازات وهي لديها إنجازات، وبعد عدة سنوات يحدث طلاق، أو يعيشان في بيت واحد لكن مفصولين، وما منعهما من الطلاق إلا الناس أو الأبناء. ثالثا: المساحة المشتركة بينهما، وهي مرتبطة بالحوار وناتج من نتائجه، وهي قضية تخطيط وإدارة الوقت. ولنأخذ نموذجا لذلك الإجازات، مشكلة لدينا نحن كدعاة في بيوتنا إننا لا نخطط للإجازات، فمثلا تكون الإجازة يوم الجمعة، وتراهم لا يناقشون برنامج الإجازة إلا صباح الجمعة غالبا، ولذلك تجد أن نسبة المشاكل الزوجية يوم الجمعة عالية؟! ولكن لو أعطينا فرصة للتفكير والتخطيط والحوار لصارت هناك فرصة لتلافي المشكلة.. هذه قضايا إستراتيجية في علاج بيوت الدعاة. فبالحوار تحس المرأة أنه يضحي للبيت، وهذه خاصية من خصائص المرأة، فالمرأة دائما تتفاعل بالشيء الذي تراه، والتخيل صعب نوعا ما، فالرجل يعمل ليكسب رزقه، ويكفي حاجات بيته، وقد يتعب في ذلك فوق ما يمكن تصوره، ولكن هي تعرف أنك تذهب لعملك لتأتي بالرزق، غير أنها لا تتصور ولا تتخيل أن ما قد تفعله في ذلك يعادل تضحياتها هي في سبيل البيت، وأنا الآن أتكلم من الجانب النفسي، أحيانا تأتيها خواطر بتعبك، لكن هي تريد أن تسمع منك.. تريد شيئا ملموسا. فمثلا إذا كان لدى الزوجة التزام دعوي، فيقول لها: اذهبي أنت، وأنا سأجلس مع الأولاد، حتى لو جلس ساعة واحدة، لشعرت أن تلك الساعة قيمتها ألف ساعة في ميزانها من الساعات التي يصرفها من أجل البيت، في طلب الرزق.. لماذا؟ لأنها رأت وسمعت وشعرت، بينما لو صرف ألف ساعة في العمل خارج البيت فالبيت له ساعة ونصف.. إلا إذا كان قد تكلم معها وحدثها دائما فهذا موضوع آخر. جاسم المطوع