الفوز الذي حققه المنتخب المغربي أول أمس على نظيره الموزمبيقي ضامنا بذلك تأهله إلى نهائيات كأس إفريقيا، فضلا عن كونه طوى صفحة أليمة من النكسات والإحباطات التي عرفتها رياضة كرة القدم الوطنية، فقد لفت الانتباه إلى أسباب انهيار الرياضة الوطنية وعوامل نهوضها ونجاحها. طبعا، سيتكلم المحللون الرياضيون على التكتيكات التي اعتمدها المدرب الوطني، وعلى الخطة التي انتهجها لتوجيه ضربة قوية إلى خصمه، لكن هذه الاعتبارات التقنية مع أهميتها، إلا أنها لا تشكل إلا محددا واحدا في المعادلة. لقد كان للمنتخب المغربي لكرة القدم عدد كبير من الكفاءات الفردية المتميزة، وكان إلى جانب ذلك لا يعدم الإمكانات المادية واللوجستية، وتم صرف مبالغ خيالية على مدرب كان يرجى منه أن يحقق مكاسب حقيقية للكرة الوطنية ويتأهل معه المنتخب الوطني إلى نهائيات كأس الأمم الإفريقية وكأس العالم، لكن مع ذلك كله، لم يتجرع الجمهور الرياضي منه سوى مرارة الهزيمة المتكررة. اليوم، ما الذي تغير ليتم تحقيق هذا الانتصار المستحق؟ وما المتغيرات التي قلبت المعادلة رأسا على عقب؟ وما هي الأشياء التي كانت تفسد على المغاربة فرحتهم بمثل هذا العرس الكروي؟ ثلاث أسباب رئيسة ومترابطة، كانت وراء هذا الانتصار: القيم، والكفاءة والدمقرطة. لقد رأى الجميع منتخبا آخر، تسوده قيم الجندية والقتالية والدفاع عن الوطن، هذا فضلا عن السلوك الحسن في الملعب وعن العلاقات الإيجابية بين اللاعبين. مؤكد أن للمدرب الوطني رشيد الطاوسي دور كبير في إيجاد هذه الروح العالية، فالرجل معروف في الأوساط الرياضية باستقامته وجديته، وقد سبق للمدرب بادو الزاكي أن كان له إسهامه المشهود في إيجاد هذه القيم والتنبيه على كونها عاملا أساسيا في أي انتصار، وكان الدرس المصري والتونسي بعده دالا في هذا الاتجاه، إذ لم يكن ليحقق المنتخبان النجومية في كأس الأمم الإفريقية السابقة إلا بهذا الرصيد من القيم. السبب الثاني، يرتبط بكفاءة الناخب الوطني ومنهجيته في اختيار اللاعبين، والمعايير التي وضعها لحمل القميص الوطني، و الاختيارات التكتيكية التي اعتمدها في المباراة، والسيناريوهات التي بناها، و التعديلات التي أدخلها، وكيف حاول الاستفادة من مخزون اللاعبين الذين تضمهم النخبة الوطنية. أما السبب الثالث فقد رأى البعض في تغيير الناخب الأجنبي بناخب وطني سببا في هذا الانتصار، وهو وصف ظاهر لما حدث، فما إن تم تعيين المدرب الوطني رشيد الطاوسي بدلا عن المدرب البلجيكي غريتس، حتى حصل الانتصار، لكن، المشكلة ليست في تغيير ناخب أجنبي بناخب وطني، فقد سبق للمنتخب المغربي أن حقق نتائج جد إيجابية مع مدرب أجنبي (المهدي فاريا)، كما حققها أيضا مع ناخب وطني (بادو الزاكي)، وإنما المشكلة في التحكم في المنشط الرياضي وغياب الشفافية والحكامة، وعدم دخول رياح الديمقراطية إلى هذا البيت. فهل كان معقولا في بلد ديمقراطي أو تنتقل إلى الديمقراطية أن تبرم عقدا مع مدرب أجنبي بشروط مجحفة تقيد السيادة الرياضية للمغرب، وترهن استقلالية قرارها الرياضي بتسديد أموال باهضة غير مقدر عليها، وهل كان معقولا أن يرى الجميع الهزائم تتوالى، والانتقادات تترى، ولا تكون هناك إمكانية لاتخاذ قرار شجاع بإنهاء هذا العقد؟ بكلمة، ينبغي ألا تنسينا هذه الفرحة التي ننتشي بها اليوم، الأسباب الحقيقية للانتصار، ولا الذين كانوا سببا في إفساد هذه الفرحة على المغاربة، والدرس البليغ الذي يتوجب علينا جميعا أن ندركه، هو أنه لا ينبغي الاستهانة بالقيم في صناعة النجاح، كيفما كان هذا النجاح.