بررت الحكومة عدم مراجعة التقطيع الجماعي لسنة 1992 والتراجع عن وعد المراجعة الجذرية للوائح الانتخابية العامة بضيق الوقت الفاصل عن موعد الاستحقاقات المقبلة ،ورسم المجلس الحكومي الأخير الأمر بمصادقته على مجرد مراجعة استثنائية للوائح المذكورة وتسجيل البالغين 18سنة وإمكانية مراجعة تقطيع بعض الجماعات، فما الذي سيميز انتخابات يونيو 2003 الجماعية عن مثيلاتها في 13 يونيو 1997؟ مرة أخرى تنجح وزارة الداخلية في فرض الأمر الواقع على الأحزاب السياسية وخاصة أحزاب الأغلبية، وتقنعها بالإبقاء على التقطيع الانتخابي الحالي نظرا لزحمة الوقت، بعدما تم توزيع الحكومة للعديد من الوعود بإصلاح لمدونة الانتخابات وتصريحات من الحزبين المشكلين للعمود الفقري لحكومة جطو بأنهما يسهران على إصلاحات وشروط تمكن من تحقيق نزاهة وشفافية أكبر، وتضمن تشكيل مجالس محلية قادرة على رفع رهان التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتكريس الديمقراطية المحلية ،لكن لاشيء من ذلك تحقق ونكتفي بثلاث مستويات أساسية: 1 عدم وضع لوائح انتخابية عامة جديدة تجمع كل الأطراف السياسية على أن سلامة اللوائح الانتخابية العامة من أهم ضمانات النزاهة والشفافية للاستحقاقات الانتخابية تشريعية كانت أو جماعية أو حتى مهنية، وواقع الحال وبشهادة الأطراف نفسها يقول بأن لوائح 1996 غير سليمة وتعرف اختلالات كبيرة لم يعد ينفع معها مجرد المراجعة والترقيع، وسبق لأغلب أحزاب الأغلبية أن طعنت فيها عقب الانتخابات التشريعية ما قبل الأخيرة لسنة 1996. لكنها قبلت بمجرد مراجعتها قبل انتخابات 27 شتنبر وتقبل بها اليوم دون إعطاء مبرر مقنع بعدما كانت وزارة الداخلية من جهتها قد طرحت إعادة هذه اللوائح من جديد لتتراجع عن طرحها فيما بعد لصالح مراجعة أو تنقيح فقط. هل هو الخوف من عدم إقبال المواطنين على التسجيل أم أن بعض الأحزاب السياسية لم تعد عندها القدرة النضالية والجرأة على مواجهة المواطنين والنزول عندهم لإقناعهم بضرورة التسجيل وأهميته في تطوير مسلسل النزاهة والمصداقية ومنع الموتى من الحج إلى يوم الاقتراع عوض الأحياء إلى مكاتب التصويت، أم أن رصيدها في التسيير الجماعي لا يسمح لها بذلك؟ ويذهب بعض المتتبعين إلى أن تراجع وزارة الداخلية لم يكن ليحصل لو كانت الأحزاب السياسية عموما قادرة على ربح رهان المشاركة المكثفة وضمان الإقبال على التسجيل وفضلت عدم المجازفة. وبهذا كما يذهب إلى ذلك حزب العدالة والتنمية وحزب اليسار الاشتراكي الموحد بقي أحد مداخل الإفساد الانتخابي مفتوحا ،الأمر الذي اعتبره أحمد حرزني خطوة مخيبة للأمل ونتيجة لعدم توفر أحزاب الأغلبية على إرادة مستقلة وتفكير خاص بها وأنه كلما رأى الوزير الأول أو وزير الداخلية رأيا يتبعونه وكفى. 2 الإبقاء على نفس التقطيع السابق على الرغم من الوعي بأن تقطيع سنة 1992 الذي أضيفت بموجبه 150 جماعة حضرية و538 جماعة قروية جديدة على خلفيات سياسية تراجعت أحزاب الأغلبية عن مطلب إعادة النظر في التقطيع الجماعي بشكل يتلاءم والمعطيات الجديدة ،على اعتبار أن عدد الجماعات وخاصة منها القروية (90% منها عاجزة ماليا و10% لها فائض) تفتقر إلى موارد مالية وتجهيزات ووسائل للعمل تستدعي التفكير في التقليص ما أمكن من عدد الجماعات وغير ذلك من الأسباب التي تفرض تقطيعا جديدا يستجيب للحاجيات الملحة للمواطنين ولا تتحكم فيه الهواجس السياسية والرغبة التحكمية. وفي غياب مراجعة التقطيع المذكور ستبقى دار لقمان على حالها ولن تشهد الانتخابات الجماعية المقبلة إضافة نوعية تميزها عن سابقتها. 3 ازدواجية نمط الاقتراع والتراجع عن مكتسبات الانتخابات التشريعية الأخيرة أفرز الاقتراع الأحادي الفردي في الانتخابات الجماعية السابقة مكاتب مسيرة عبارة عن فسيفساء من الألوان والتشكيلات السياسية ،أدى إلى عرقلة عمل المجالس وأغرقه في بحر من المشاكل على حساب الحاجات الأساسية للسكان، الأمر الذي يستدعي بالضرورة التفكير في نمط اقتراع بديل. وفي هذا السياق تدارست اللجنة التقنية المشكلة من أطر وزارة الداخلية وممثلي الأحزاب السياسية الحاضرة في البرلمان عدة اقتراحات، الأول طرحته وزارة الداخلية ويقضي باتباع نمط اقتراع مزدوج الاقتراع باللائحة في المدن وبالفردي الأحادي بالبوادي ،وشاطرها في ذلك كثير من الأحزاب على رأسها حزب الاستقلال. بينما طرحت أطراف أخرى الاقتراع الأحادي في دورتين، أما حزب العدالة والتنمية واليسار الاشتراكي الموحد فطالبا بتعميم نمط الاقتراع باللائحة على اعتبار أن لا مبرر للازدواجية مادام المواطنون سواء في القرى أو المدن قد استأنسوا في الانتخابات التشريعية حيث الدوائر شاسعة والوجوه غير معروفة عند الجميع وصوتوا باللائحة، وبالتالي فهو مطلوب بشكل أكثر إلحاحية في الانتخابات الجماعية لأن المواطن يحتاج إلى فريق منسجم له برنامج عمل ورؤية واضحة سيتعاقد مع اللائحة على أساسه. لكن اتجاه المحافظة على الوضع القائم كان أقوى من طرف بعض أحزاب الأغلبية إن لم نقل كلها خاصة بعد إنهاء أشغال اللجنة المذكورة وتولي لجنة وزارية صلاحية الحسم في الأمر حيث تم اعتماد معيار عدد السكان كأساس لتحديد نوعية نمط الاقتراع، وهكذا تم الاتفاق على سقف 25 ألف نسمة ،فالجماعات التي يتجاوز عددها الرقم المذكور ينتخب سكانها ممثليهم باللائحة وما دونه يعمل فيها بالاقتراع الفردي والأحادي. وبالرجوع إلى عدد الجماعات الذي هو 1549 نجد أن 159 جماعة فقط هي التي ستعرف الانتخابات باللائحة 33 منها قروية وهو ما يعني أن 1390 جماعة ستجرى فيها الانتخابات بالاقتراع الأحادي الفردي منها 143 بلدية. فضلا على أن السقف المذكر سيعتمد في تحديده على إحصاء 1994 الذي لن يسمح ضيق الوقت بتحيينه، الأمر الذي يعني في نهاية المطاف احتمال كبير لبقاء نفس مظاهر الإفساد الانتخابي التي سادت في المحطات الانتخابية السابقة من استعمال للمال الحرام وغياب البرامج التنموية وحضور ثقل الشخصانية واستمرار الفسيفسائية. خلاصة إن المتتبع للتحضير الانتخابي يلحظ أن الجديد في الانتخابات الجماعية المقبلة الذي كان من شأنه أن يميزها عن سابقتها لم يتحقق (إعادة النظر في التقطيع الجماعي والإعادة الجذرية للوائح الانتخابية) ليس لضيق الوقت ولكن لغياب الإرادة السياسية للتغير عند الأطراف المعنية وخاصة الأحزاب منها التي قبلت مرة أخرى بالترقيع ربما لحسابات لا تعرفها إلا هي. ويبقى الجديد الذي يسم الانتخابات الجماعية المقرر تنظيمها في الصيف المقبل مشاركة الشباب البالغ 18سنة بفضل القرار الملكي، وما عدا ذلك تبقى أشكال جديدة بروح قديمة لن تقدم شيئا ملموسا للتنمية والديمقراطية المحلية، وستبقى دار لقمان (أغلب الجماعات المحلية) على حالها مادام هناك فرق كبير لدى الأطراف المعنية بالتغيير بين المعلن عنه والمبطن الذي سينتصر وتكون له الكلمة في نهاية المطاف. محمد عيادي