يشكل تخليد اليوم الوطني لمحاربة الرشوة مناسبة لمساءلة المسؤولين على تدبير الشأن العام الوطني إداريا وسياسيا وماليا وكذا اجتماعيا، من حكومة وأحزاب وهيئات رسمية مختصة وجمعيات مدنية ناشطة في مجال تخليق الحياة العامة. وتطرح مسألة المساءلة هذه حاضرا قبل أي وقت مضى بالنظر إلى ما يعرفه تدبير الشأن العام من تجاوزات وخروقات مست مؤسسات هامة بالدولة وارتبطت أساسا باختلاسات كبرى وتبديد للأموال العامة، وقدر في هذا الصدد عدد الملفات التي أحيلت على محكمة العدل الخاصة خلال الأربع سنوات الأخيرة، بمعدل ثلاثة أو أربعة ملفات في الشهر. ويواجه أغلب المتابعين في هذه الملفات، سواء منهم المعتقلين أو الموجودين في حالة سراح، تهما ترتبط باختلاس وتبديد الأموال العامة والرشوة والتزوير واستغلال النفوذ والنصب والاحتيال على القانون وإصدار شيكات بدون رصيد وعقد صفقات مشبوهة ومنافية لقانون الصفقات العمومية ولقانون الصرف والقانون البنكي. واستأثرت في هذا الإطار محاكمات كبرى في قضايا اختلاس وتبديد المال العام باهتمام الرأي العام الوطني. ومن ضمن المحاكمات، قضية المدير العام السابق للقرض الفلاحي رشيد الحداوي ومسؤولين آخرين بالمؤسسة نفسها، ووجهت إلى المتهمين تهم تبديد الأموال العامة بالقرض الفلاحي والارتشاء واستغلال النفوذ. كما عرضت على محكمة العدل الخاصة بعد ملف القرض الفلاحي قضية "مطاحن المغرب" في منتصف عام 2000 بالتهمة نفسها والمتعلقة بتبديد أموال عمومية قدرت ب 19 مليون درهم. وعرفت السنتان الأخيرتان فضح عدة اختلاسات مهمة اعترت مؤسسات بنكية تلعب الدور الأساس في الناتج الداخلي العام للمغرب، ويتعلق الأمر بكل من مؤسسة مجموعة البنك الشعبي والقرض العقاري والسياحي. وكانت المؤسسة الأولى (البنك الشعبي) ضحية اختلاسات مالية نتجت عنها خسارة مالية قدرت ب 30 مليون درهم، فيما خلصت لجنة تقصي الحقائق بالنسبة إلى القرض العقاري والسياحي إلى أن حجم الأموال المبددة فيه وصل إلى 48 مليار درهم، أي ما يعادل 80 في المائة من المديونية الخارجية للمغرب إلى غاية عام 2001. ويبدو من خلال جرد أهم ملفات اختلاس وتبديد المال العام في الآونة الأخيرة مدى الخسارة التي يتكبدها اقتصاد المغرب وماليته نتيجة ذلك، وما يترتب عنه من انعكاسات سلبية على المواطن المغربي المنهك أصلا بضعف مدخوله. من ثم صار لزاما تفعيل دور الدولة والهيئات السياسية والمدنية لتطوير أجهزة مراقبة وحماية تدبير المال العام في إطار العقلنة وضمان الشفافية اللازمة والضرب على يد المتلاعبين مهما بلغت مراكزهم في أجهزة الدولة. يونس