نجاح الحياة الزوجية يتطلب قدراً من التفاهم والتسامح والتجاوز عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات والتعالي على الأنانية والعناد وتصيد الأخطاء، وتشير الأبحاث الاجتماعية إلى أن العناد بين الزوجين أحد الأسباب الرئيسة لتفاقم المشكلات بينهما، وأنه يلقي بظلال نفسية وتربوية وانفعالية على الزوجين، وعناد الزوجة أو الزوج وتصلّب رأيهما يدفع بالحياة الزوجية في كثير من الأحيان إلى طريق شائك. بينما هناك من يدير العناد بطريقة سليمة بالحوار والنقاش، لتستمر سفينة الحياة الأسرية. ما هو العناد الأسري إذا؟ وما علاقته بالرغبة في إثبات الشخصية؟ وهو هو مرتبط بالرجل أم المرأة أم هما معا؟ ما أسبابه ومظاهره؟ وأي خارطة طريق كفيلة أمام الزوجين لتفادي العناد في العلاقة الأسرية؟ للعناد أسباب.. يرى لطفي الحضري الأخصائي النفسي، أن ظاهرة العناد واضحة وموجودة، وخصوصا في الطبقات الفقيرة أو الأسر التي توجد فيها امرأة موظفة، مشيرا إلى أن «العناد موجود بكثرة ولأسباب قد تكون مادية وربما ثقافية، وهي ظاهرة نفسية في الإنسان، تكون إما بسبب شخصي مرتبط بالتربية وهنا يصبح حالة مرضية يجب معالجتها بشكل مباشر مع وجود شخصية عنادية»، يضيف الحضري في حديث مع «التجديد»، ويقع العناد حسب المتحدث حين «يحس الإنسان بالظلم أو بعدم الخدمة، سواء ظلم الزوجة للزوج أو ظلم الزوج للزوجة، أو يعتقد الزوج أن زوجته لا تخدمه أو العكس، وهو سلوك يمكن أن يقوم به الفرد بطريقة لاشعورية لأنه يبحث عن الكرامة عن طريق العناد، أما المستوى الثاني فهو مستوى شعوري، حيث الإنسان الذي يتعاند تركيبته الشخصية هي التي تدفعه لهذا السلوك». الاستقرار الأسري ويرى لطفي الحضري، أنه لا يمكن للأسرة أن تستقر في حالة العناد، وخصوصا عندما يصبح أساس العلاقة الزوجية، فذلك سبب من أسباب انهيار تلك العلاقة، يضيف المتحدث، «خاصة أن العناد لا تكون له أسباب موضوعية في غالب الأحيان وإنما أسباب ذاتية، وحين يصل الإنسان إلى حالة من العناد لوجود صراع في العلاقة الزوجية، يتعاند حتى في الأمور التي هي حق، ولا يفرق بين ما هو موضوعي وما هو ذاتي وما هو حق وما هو باطل»، ويؤكد الحضري أن الإنسان زوجا أم زوجة يذهب إلى القول بأن الطرف الآخر لم يفعل له فلن يفعل أيضا، ولم يجبه فلن يجبه أيضا، ولم يقل له فلن يقل له أيضا، وهذا «تترسب ظاهرة العناد داخل الأسرة لتصير سلوك داخل المنزل، وبالضرورة سيؤدي ذلك إلى انهيار الأسرة، ويمكن القول أن الندية من أسباب تفاقم ظاهرة العناد داخل الأسرة». المرأة أكثر عنادا يرى عدد من الخبراء أن صفة العناد موجودة في الرجل والمرأة لكنه أكثر وضوحاً عند المرأة، فهو السلاح الوحيد الذي تدافع به عن نفسها أمام قوة الرجل واستبداده بالرأي أحياناً، ولأنها لا تقوى على الصراع أحيانا، تلجأ إلى الرفض السلبي لما تراه لا يتوافق مع أسلوبها ومشاعرها، فيترجمه الزوج على أنه عناد وتبدأ المشكلات. وتستخدم الزوجة عنادها بدرجات متفاوتة لإثبات وجودها أو لتلفت النظر إليها، وبهذا الخصوص يقول الاستشاري في العلاقات الأسرية، لطفي الحضري، «في الحقيقة هو مرتبط بمن يحس بالظلم أكثر، وعموما بحكم القوة الجسدية أو المالية الرجل، قد نجد المرأة أكثر عنادا، كما يمكن أن يعاني الزوج أيضا إن أحس أن زوجته لا توفر له بعض الحاجيات». ويلفت الحضري الانتباه إلى أن «أخطر ما في الموضوع حين يحدث ما يصطلح عليه بالعناد الصامت، لا أحد يتحدث عنه، والذي يقع أن كل طرف ينتظر من الطرف الآخر أن يتخلى عن العناد، ويرى أنه لا يلبي له رغباته، ويعتقد كل طرف أن الآخر لا يخدمه وينجم عن ذلك ممارسة العناد دون اللجوء إلى طلب رغبة أو خدمة معينة»، يقول المتحدث. ويؤكد لطفي الحضري أن العناد بالفعل له علاقة بإثبات الشخصية، ويفسر ذلك بالقول، «لأن الإنسان حين يحس بالظلم، والإحساس بالظلم يحول دون تحقيق الكرامة التي تشكل العنصر الأساسي في بناء الشخصية، يصبح عنيدا ويصبح لسلوك العناد مكان داخل الأسرة». لتفادي العناد الأسري من العناصر المهمة جدا لتفادي مظاهر العناد في العلاقات الزوجية، حسب لطفي الحضري، أنه «على الإنسان أن يستشعر دوره ويضع معايير للسلوكيات في إطار الخدمة للطرف الآخر، ثم ينطلق إلى تحديد الهدف، مستحضرا أن الخدمة التي يقدمها للطرف الآخر سيأجر عليها من الله عز وجل أولا، ثم سينال رضا الطرف الآخر الذي سيبادره بتحقيق الرغبات وتقديم الخدمة»، يضيف المتحدث، «فحين يخدم الإنسان الطرف الآخر بغض النظر عن علاقة الصراع، لابد للطرف الآخر أن يجيب بطريقة إيجابية، وتتحقق آنذاك التغذية الراجعة». ويتحدث الحضري عن الهرم السلوكي في علم النفس الإسلامي، ويقول أنه «يضم الظلم ثم العدل ثم الفضل ثم الإحسان وأخيرا الرحمة، وأقل مستوى للعلاقة مع الآخر هو العدل»، ويشير الحضري إلى أنه وإن كان الله عز وجل حين يتحدث عن العلاقة بين الرجل والمرأة لا يتحدث عنها انطلاقا من العدل ولكن انطلاقا من الفضل، «وأوتوا الفضل بينكم»، ف»للرقي بالعلاقة بين الزوجين داخل الأسرة المطلوب الانتقال من مستوى العدل إلى الفضل، وإلا فعلى الأقل العدل، لأن أقل منه يوجد الظلم والظلم ظلمات يوم القيامة، والظلم هو حجر الزاوية في الصراع في حالة العناد والندية داخل الأسرة»، ويرى المتحدث أنه مثلا حين يدخل الزوج بشكل يومي متأخرا إلى المنزل، قد لا يلتفت إليه على أساس أنه ظلم للمرأة، والرجل مع توالي الأيام سيجد أمامه زوجة تنقص من مستوى الخدمة اتجاه زوجها، وقد تصل إلى العناد في العلاقات الحميمية، والمطلوب حسب المتحدث، هو فتح باب الحوار دائما لتجاوز سوء الفهم، لأن المرأة لا تستطيع أن تدخل في علاقة حميمية إن لم تستشعر عاطفيا أن هناك دفئ عاطفي، وينعكس ذلك سلبا على مستوى العلاقة بينهما، حيث يسود سلوك العناد بينهما.