اسم هذا الكتاب هو نفسه اسم مادة دراسية كانت مقررة بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس بالرباط. فالكتاب أساسا هو عبارة عن مقرر دراسي جامعي. ولكن المؤلف - كعادته - لم يكن يكتب محاضراته للطلبة فحسب، ولا للامتحان ومتطلباته فحسب، بل كان يكتب لكل الدارسين والمهتمين بالموضوع، يكتب ليؤدي رسالته وينصح أمته ويبرئ ذمته. وقد نقلت في الفصل الأول عددا من آراء المؤلف واجتهادات في هذا الكتاب. وهي تنبئنا عن بعض مضامينه وإضافاته، خاصة في موضوع السياسة الشرعية والنظم الإسلامية. ومن الأفكار المتميزة التي ذكرها المؤلف في مقدمة الكتاب، كونُ الشرع الذي هو وحي الله وحكمه قد فسح المجال لتكريم الإنسان وإشراكه في استنباط كثير من الأحكام الشرعية. قال: "ولا خلاف بين علماء المسلمين أن مصدر الأحكام الشرعية المتعلقة بجميع أفعال المكلفين هو الله سبحانه، سواء كان ذلك الحكم ظاهرا من النصوص التي أوحى بها إلى رسله، أم استنبطها المجتهدون عن طريق الدلائل والأمارات التي جعلها لذلك. ومعنى هذا أن الحكم في الأصل لله، ولكنه لما استخلف عباده في الأرض وبعث إليهم الرسل بالكتب المبينة لأصول السعادتين، أشركهم في بذل الجهد لاكتشاف أحكامه في الكون، سواء من آيات الله، أو من ملكوته. أما موضوعات هذا الكتاب، فهي تتناول قضايا في الفقه والأصول والسياسة الشرعية (النظم الإسلامية). ومعظم ذلك تتخلله مقارنات واستطرادات قانونية. وهذه أهم مسائل الكتاب: الفقه والحق والقانون. الحكم الشرعي والحكم في القانون الأوروبي. المحكوم فيه والمحكوم عليه. الحقوق والالتزامات. نظرية الأهلية في الفقه الإسلامي، ومقارنتها بالفقه الأجنبي. أصول الحكم في الإسلام. الدستور المدني والعهد النبوي. الحكومة المحمدية. نظام الحكم في الإسلام بعد وفاة الرسول. الخطط الشرعية: القضاء - المظالم - اختصاصات والي المظالم - ولاية الرد - اختصاص محكمة الرد. الحسبة واختصاصات المحتسب. الحسبة ومركزها في الأنظمة الحديثة. أصول الشريعة: المصلحة المرسلة ومذهب الطوفي - عمل أهل المدينة. المصادر الاحتياطية: العادة - العرف - العمل. العرف ليس مصدرا أصليا للتشريع الإسلامي. القانون الروماني لم يؤثر في الشريعة الإسلامية. كتاب: التقريب - شرح مدونة الأحوال الشخصية. هذا الكتاب كما يظهر من عنوانه الفرعي هو عبارة عن شرح لمدونة الأحوال الشخصية بالمغرب. وهي المدونة التي تم إعدادها واعتمادها سنة 1377ه/1957م، أي بُعيد استقلال المغرب. وكان علال الفاسي أحد أعضاء اللجنة الفقهية القانونية التي قامت بإعداد هذه المدونة، وكان هو المقرر العام لها. وشرحه هذا الذي سماه (التقريب)، كان ضمن تدريسه لمادة الفقه بكلية الحقوق ومعهد الدراسات السياسية بالرباط. فهو كتاب في فقه الأسرة، أو فقه المناكحات، حسب التعبير الفقهي القديم. الكتاب اشتمل على نص (مشروع المدونة) الذي أعدته وزارة العدل وقدمته للجنة إعداد مدونة الأحوال الشخصية للانطلاق منه في عملها. وبعده نجد تقرير المقرر العام للجنة إعداد المدونة، وهو علال الفاسي نفسه. ثم النص الرسمي المعتمد لمدونة الأحوال الشخصية موضوع الشرح. ثم شرح مواد كتاب الزواج، وكتاب الطلاق، من المدونة. ومن مضامين هذا الكتاب نقتطف الأفكار والفقرات الآتية. ما جرى به العمل عند مالكية المغرب. في التقرير العام الذي أعده علال الفاسي تطرق إلى ذكر مصادر التشريع الإسلامي وعرفها تعريفات سريعة. ونبه على ما امتازت به المدرسة الفقهية المالكية، بالمغرب والأندلس. من ذلك نظام (العمل) أو (ما جرى به العمل)، الذي اهتدى إليه فقهاء المغرب، وهو ما جرى به العمل من أقوال الفقهاء، قياسا على ما مشى عليه الإمام مالك في عمل أهل المدينة. قال: "ولهم في اعتبار العمل والحكم به شروط أهمها: أن يكون القول به أو الحكم به صادرا من قدوة من أهل العلم، وأن يكون موجب ترجيحه مستمرا، وأن يندرج تحت أصل عام من أصول التشريع الإسلامي. فإذا زال موجب العمل بقول ما أو لم يندرج تحت أصل، فإنه يلغى. ومن ذلك تقع تناسخات (الأعمال) باعتبار الظروف والاعتبارات. العرب من الجاهلية إلى الشريعة. أوضح في مقدمة الشرح كون الإسلام قد نقل العرب نقلة نوعية شاملة ووضعهم على طريق نهضة كاملة. فقد نقلهم من عالم الجاهلية إلى عالم الشريعة. وفي رأيه فإن الجاهلية التي يوصف بها عرب ما قبل الإسلام ليست مشتقة من الجهل على الصحيح، ولكنها مستعملة بمعناها المقابل لمعنى الإسلام. "فمعنى الإسلام الطاعة والانتظام في سلك الجماعة والدخول في السلم. ويقابله الفوضى، وعدم اتباع طاعة معينة، وحُبُّ التمرد والحروب، وقد اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم كل من دعا للقبيلة واتبع كبرياءها، داعيا بدعوى الجاهلية. وقال عليه السلام لمن عير مسلما بِنَسَبِه: إن فيك شائبة جاهلية". ويصور النقلةَ الثقافية والاجتماعية والتشريعية التي أحدثها الإسلام وشريعته في حياة العرب بقوله "وجاء الإسلام يغير من أمر العرب، فوحد بينهم وبين غيرهم من الشعوب والأمم في أمة واحدة مسلمة، وأذهب عنهم الجاهلية وفخرَها بالأنساب، ومحا عنهم الثأر والتحالف الجاهلي على بعضهم، وارتفع بهم من مجتمع عبودية إلى مجتمع متحرر، الناسُ فيه سواء، لا فضل لعربي على أعجمي، وأصبحت الدولة الإسلامية تلف أشتات القبائل والشعوب، وشعارها الوحدة والأخوة، وأحكامها الشريعة الإسلامية. لم تكن الشريعة الإسلامية دينا فقط، ولكنها نظام عام للحياة الدينية والدنيوية. قسم منها ما يتعلق بالتوحيد والنظر في صفات الله وما يجب له وما يستحيل في حقه. وقسم يتعلق بضروب العبادات من صلاة وصيام وزكاة حج. وقسم يتعلق بنظام الأسرة وما إليها من زواج وطلاق ووصية وحجر وميراث. وآخر يرجع إلى المعاملات من أموال وعقود والتزامات، ثم ما يرجع للعقوبات. وأخيرا أحكام الدولة ونظام العلاقات بين الأمم المختلفة. كان محمد صلى الله عليه وسلم عليه وسلم هو الذي جاء بالدين وأسس الدولة، وبلغ الشريعة، وأصبح إمام المسلمين والقاضيَ بينهم والضاربَ للمثل الأعلى فيما ينبغي أن يسيروا عليه. وتخرج من مدرسة الإسلام أئمة أعلام، اجتهدوا في استنباط أحكام الشريعة وكونوا نظريات فقهية تعتبر ثروة عظيمة للمسلمين. وهذه الأحكام المستنبطة هي التي نسميها بالفقه، وهي غير الشريعة، لأنها باعتبار استنباطها من المجتهدين تقبل المناقشة، بينما لا تقبل الشريعة جدلا". وأما مصطلح "الأحوال الشخصية" الذي شاع استعماله حديثا للتعبير عن القوانين الخاصة بنظام الأسرة، فيكشف لنا علال أن "أول من استعمله هو الفقه الإيطالي، في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، إذ كان يقوم في إيطاليا نظامان قانونيان، أولهما روماني، وكان يعتبر هو القانون العام، لأنه كان يطبق في سائر إيطاليا. والثاني اعتبر نظاما محليا لأنه لا يتجاوز حدود فيودرالية من الفيودراليات أو إحدى المدن.... فوصفُ الأحوال بالشخصية لا يعني أن هناك مجموعة من الروابط تسمى الأحوال الشخصية، وإنما يعني أن هناك مسائل يحكمها القانون الشخصي للمتقاضين أو لأحدهما. فاتصالها بشخص الإنسان إنما هو مناسبة لتبرير سريان القانون الشخصي عليها. فالأحوال الشخصية لا تعرف طائفة من الروابط، ولكن تبحث في مسائل يحكمها القانون الشخصي". يتبع