نعيمة واهلي أسيف / نعيمة واهلي لقد آن الأوان أن يقدم الصحافي للقراء نموذجا يحتذى في آداب الحوار والاختلاف ، وأن ينآى بنفسه عن الشتم والسب واتهام الآخرين بالفاشية والغباء والبلادة فقط لأنه لا يقاسمهم نفس الرأي ، ما الفرق بين من يقوم بهذه السلوكات وبين المخزن الذي يضيق على الحريات ، ويقلص من مساحات الديمقراطية . إن أكبر محنة نعاني منها هي عدم قبول الاختلاف والركون إلى الأحادية التي تعتبر اقترابا من الموت . لقد شعرت بالأسى وأنا أقرا مقالا كتبه المختار لغزيوي في عموده " في الواجهة " تحت عنوان : موازيننا الغبية نشر في جريدة الأحداث بتاريخ 7 / 8 / ماي 2011 العدد 4346 . منذ قراءة العنوان تشم رائحة العنف اللغوي والتجريح ، " موازيننا الغبية " كما اعتبر كل من يقول : إن أكبر مشكل نعانيه في بلدنا هو موازين إنسان غبي ، وأن مطلب إلغاء مهرجان موازين مطلب فاشي ، وغيرها من أساليب الشتم .. وأنا أقول لصاحب المقال ، إن تنظيم مهرجان موازين في هذه الظروف إن لم يكن المشكل الكبير الذي نعاني منه فهو من بين المشاكل الكبرى التي تؤرقنا ،لأنه مؤشر خطير على الاستفراد بالقرار وعدم الإنصات لنبض الشارع ، وهدر للمال العام ، أمام زيادة نسبة الفقر .. وقد اعتبركاتب المقال" مبرر الفقر مزايدة فقيرة تفتقر فعلا للخيال لدى أصحابها ، لأن المهرجان لا يمول من المال العام ولكن من أموال شركات خاصة ." فحين تتحدث عن هذه الشركات فكأنك تتحدث عن شركات لا علاقة لها بهذا الوطن وبهموم الشعب .أليس أولى بهذه الشركات التي تصرف كل سنة أموالا طائلة على مهرجان باذخ أن تقدم الدعم للمعطلين الذين يعتصمون في الرباط منذ 4 أبريل 2011 في ظروف جد صعبة ، والمرضى المحرومين من التغطية الصحية ، وهنا أستحضر وضعية المصابين بأمراض القصور الكلوي المسجلين في لائحة الانتظار ،لانخجل أن نقول لهم انتظروا ونخجل أن نقول لمهرجان موازين انتظر حتى تتحسن ظروفنا ونفرح فرحا ينتقل عبر الشفاه ينبع من أعماقنا ، .وهذا مجرد مثال عن المآسي التي نراها يوميا ونتأسف لها ونبكي ولانستطيع أن نفعل أي شيء . أتعجب كيف يمكن أن نفرح ونحن لم نعري بعد شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة . يعلن الأخ لغزيوي في مقاله أن عددا كبيرا من المغاربة يريدون لهذه المهرجانات أن تستمر ،ويريدون للبلد أن يحافظ على روحه المنفتحة . فالانفتاح والتنوير لا يأتي من تنظيم المهرجانات الباذخة وصرف الأموال الطائلة وتعطيل التلاميذ (ت)وعرقلة مشوارهم في الاستعداد والتهييء للامتحانات ، والتشويش على حركة 20 فبراير والمطالب الأساسية في التغيير وإقرار الديمقراطية ومحاربة الفساد. الانفتاح الحقيقي يتأتى بالتصدي للفوارق الاجتماعية ، وبناء مساكن للذين يبيتون في العراء بعد أن هدمت براريكهم كما هو الشأن في مدينة سوق السبت حيث أقدمت فدوى العروي على إحراق نفسها احتجاجا على حقها وحق أبنائها في السكن ، ماتت دون أن تحقق هذا المطلب البسيط.أو في فاس في دوار الحجوي حيث الأسر تعيش في العراء بعد أن هدمت منازلهم لقدمها ، أو في بني ملال ولائحة المدن والقرى طويلة الانفتاح الحقيقي هو أن نبحث عن حلول حقيقية للمعطلين توفير الشغل أو التعويض عن البطالة ، فلا يعقل أن الآلاف من المعطلين يعتصمون في مخيم المهمشين ويموتون في كل لحظة من الجوع والبرد ليلا والحر نهارا ،ويفترشون الأرض وهناك من اصطحب أو اصطحبت معها أطفالا صغارا تشبعوا بالقهروالخوف قبل أن يشتد عودهم .،وهم يرون أمهاتهم وآباءهم وقد بحت حناجرهم من كثرة المطالبة بحقهم المشروع في عمل يضمن لهم العيش الكريم والكرامةوالمساهمة في بناء هذا الوطن ، وبجانبهم آخرون يتجمهرون ليفرحوا ويرقصوا مع شاكيرا وغيرها من الفنانين الذين يملأوا حقائبهم بالمال " العملة الصعبة "ويغادروا وهذا يذكرني ببعض الفلاحين حين تعاملوا لأول مرة مع القرض الفلاحي ، كانوا حين يقترضون الأموال يصرفونها في تنظيم بعض حفلات الزفاف لهم أو لأبنائهم ، ويعدون الوجبات الفاخرة ويحضرون الشيخات وعبيدات الرما ،ويتحدث الجميع عن هذه الأعراس ، وحين يحين وقت أداء القروض يجدون أنفسهم في مأزق وأزمة مالية . الأولى بنا إذا أردنا فعلا الانفتاح ومحاربة التطرف أن نفكر في أنشطة هادفة ملتزمة بقضايانا ، ولا تكلفنا هذه المبالغ الباهضة ، نحن في حاجة إلى مسارح متنقلة في الشوارع ، مسارح تعيد للأذهان تلك الروائع التي كان يقدمها مسرح الهواة . ألا يمكن للجنة المنظمة لمهرجان موازين بهذه الميزانية الضخمة التي تصرف كل سنة ، أن تؤسس لنا في كل موسم مسرحا أودارا للثقافة أوخزانة للكتب .. أليس هذا انفتاحا وتنويرا للعقول ، أم أن الانفتاح هو أن نهدر المال وفقراء هذا الوطن في أشد الحاجة إليه وأن نضع " العكر على الخنونة " أو كما يقول المثل الشعبي " القرد لبس جلابة وسلهام ويصحاب أنه ولا سي فلان " هذا المثل ينطبق علينا ، في ظل هذه الأزمة التي نعيشها ، الفقر والغلاء والبطالة والأمية والتخلف ... نحاول أن نظهر أمام العالم أننا بخير .. نحن حين نرفض تنظيم موازين ، لايعني أننا ضد هؤلاء الفنانين (ت)، وليس لنا موقف عدائي اتجاههم ، (هن)إننا نحترمهم ونحترم خصوصيتهم(هن) سواء كانوا متليين أم لا ؟ متبرجات أو متحجبات.. ولكن هذا لا يعني أن نستقدمهم كل سنة ونصرف عليهم " دم جوفنا "لكي يقول العالم أننا دولة منفتحة . أما عن تساؤلك " هل المطلوب اليوم هو رأس الرجل القوي الذي يقف خلف موازين ؟ " انا أطرح عليك السؤال التالي : ما علاقة رأس الرجل القوي بإلغاء موازين وهل يستمد قوته فقط من موازين ؟ يقول المثل : " الكرش إلا شبعات تتقول للراس غني " وحين نشبع ننظم موازين .