صدرت عن "منشورات كارم الشريف" لصاحبها الإعلامي التونسي كارم الشريف، رواية جديدة في طبعة أنيقة بعنوان "برج الرومي: أبواب الموت"، وتندرج ضمن السلسلة الروائية. وتحمل الرواية اسم: "برج الرومي" أشهر السجون التونسية وأسوئها سمعة لما يمارس فيه من تعذيب و تجاوزات لا إنسانية تجاوزت كل حدود الخيال. و تكتسي الرواية أهميّة بالغة بما أنها أوّل رواية تونسية تتحدّث عن تعذيب المساجين الإسلاميين و السياسيين في السجون التونسية. وجاءت الرواية في طبعة أنيقة جدا من الحجم المتوسّط تضمّ 174 صفحة وطبعت بمطابع "المغاربية للطباعة وإشهار الكتاب"، أشرف على تنفيذها فنّيا الفنان التشكيلي التونسي حسين مصدق بمشاركة إبراهيم بن هقي، وقام بمراجعتها لغويا الأستاذ محمد الثابت، وتقوم بتوزيعها "الشركة التونسية للصحافة" داخل تونس وخارجها. وتتوزّع على اثني عشرة فصلا. وسُجن مؤلّف الرواية "سمير ساسي" لمدّة عشر سنوات بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخّص لها وذلك على خلفية نشاطه في الجامعة، حيث كان ناطقا رسميا باسم الفصيل الطلاّبي التابع لحركة النهضة. و يفضح في هذه الرواية فظائع أعمال التعذيب والتنكيل في سجون تونس زمن حكم الديكتاتور بن علي، التي تعرّض لها الكاتب وزملاؤه في حركة النهضة المعارضة، ووصف بدقّة أصناف التعذيب التي فاقت بشاعتها ما حدث في سجن أبو غريب العراقي،مسجّلا وموثّقا لكلّ ما تعرّض له رفاقه وإخوته في تلك المرحلة... ويقول المؤلّف متحدّثا عن بعض ما حدث له: "...كانت التجربة قاسية جدا، حيث أن التعذيب بدأ خلال الأيام الأولى للاعتقال بمقرّات وزارة الداخلية، أين قضيت شهرين كاملين، في إطار التوقيف التحفّظي وقد تجاوز ذلك كل المدد القانونية، وقد مورست علينا أنواع من التعذيب لا يمكن تخيّلها، مثل وضع "الدجاجة المصليّة" ووضعية "البانو" إضافة إلى طرق التعذيب العادي كالضرب والحرق... وفي سجن نابل تعرّض أعضاء من حركة النهضة إلى نوع مقزز من التعذيب، حيث تمّ إجبارهم على مفاحشة بعضهم البعض، غير أن السجناء رفضوا فعل ذلك وأكبر ما وصلوا إليه أنهم جعلونا نركب فوق بعضنا بشكل مشابه لما أظهرته الصور المهرّبة من سجن أبو غريب بالعراق.. ومن بين طرق التعذيب النفسي أنهم يقومون بتجريد السجين من الثياب أمام زوجته وأحيانا أمام أمه. ويهددونه بتعرية زوجته إن لم ينصع إلى أوامرهم... وهذا التعذيب لم ينته بانتقالنا من مقرّات وزارة الداخلية إلى السجن، لأنّنا كنّا نعتقد أنه ينتهي مع الاستنطاق وأن مرحلة السجن لا تعذيب فيها، لكن يبدو أن القرار اتّخذ بالتنكيل بمساجين حركة النهضة حتى داخل السجون.. أدركت أن كل ذلك كان خطّة لإهانة سجناء حركة النهضة، حيث كانوا يريدون إذلالنا وإهانتنا، وكانوا يتعمّدون نقلنا كل شهر أو شهرين من سجن إلى آخر..". وسميرساسي - مؤلّف الرواية- متحصّل على شهادة الماجستير في الحضارة العربية من جامعة منوبةالتونسية، وهو صحفي بجريدة الموقف التونسية منذ سنة 2005 ، و قد أصدر عدّة أعمال أدبية منها: ديوان "سفر في ذاكرة المدينة"، ورواية "خيوط الظلام" عن دار الحوار السورية سنة 2010، وله العديد من البحوث والدراسات الجامعية والمقالات الفكرية حول التراث والأديان وراهن الفكر العربي منشورة في الدوريات والمجلاّت العربية المختصّة، منها "مفهوم الفطرة عند الشيخ محمد الطاهر بن عاشور" -نشرت بمجلّة الدوحة الثقافية-، و"القضايا اللغوية في علم أصول الفقه من خلال كتاب المعتمد لأبي الحسين البصري وكتاب الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم" ، و"التيّار السلفي في الفكر الإسلامي". ويرى الشاعر التونسي البحري العرفاي أن هذه الرواية :".. تجربة أخرى في أدب المأساة، لم يذهب إليها كاتبها خيارا إبداعيا... يكتشف من يقرأ النصّ أن الأوجاع أثقل من اللغة وأن الموجوع كان يلوذ بالمفردات الحيّة يقضّها قضّا كي تتسع لأحزانه، قاموس مستجمع من عصير اللحم الحيّ ومن دخان الروح.. عالم مجتزأ من سياق التاريخ ومن رحابة المكان تدور أحداثه المؤلمة خارج التقاليد والعرف والقانون وبعيدا عن أعين المؤرّخين والمثقّفين وعامة الناس، وأيّ وجع أوجع من أن لا يسمع توجّعك أحد؟ وأيّ غربة أوحش من أن تجد ذاتك كلّها غير مستساغة وغير مقتربة؟ وأيّ عناء أثقل من أن لا يجد المرء لنفسه ملامح هوية يتقاسم بها مع الآخرين مكانا وأزمنة ؟". و يضيف العرفاي :"آمل ألاّ تقع الرواية بين أيدي الشباب قبل أن يتدارسها السياسيون وعلماء النفس والاجتماع ومثقّفو الحياة ، ينفذون بها إلى طبقات سحيقة في عوالم النفس البشرية ويسبحون بها إلى فضاءات لها علية ويسبرون أسرارها الخفيّة إذ تنتزع من فضائها الطبيعي وامتدادها الإنساني وتجلّياتها الفطرية والثقافية، ينظرون فيما يمكن أن تخلّفه تجربة "البرزخ" تلك في أعماق الذات البشرية ونسيج المجتمع وتاريخ الأوطان وذاكرة الأجيال".