جميل أن ترفع مؤسسة من المؤسسات شعار الإصلاح... وأجمل من ذلك أن تسهر على وضع الخطط والبرامج الكفيلة بتحقيق ذلك الإصلاح المنشود... لكن القبح كلّه، والبشاعة كلّها، تلك الازدواجية المقيتة بين رفع شعار ما، والإصرار على سلوك طريق لا يمكن أن يؤدّي أبدا إلاّ إلى نقيضه، فهل ما يعتبره البعض إصلاحا يمكن أن يكون فسادا عند آخرين؟.. ألا يمكن أن يكون ذلك طورا من الأطوار، التّي تمرّ بها الأمّة في التّساؤل المأثور "كيف أنتم إذا أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا؟". ونحن إذ نخص بالذكر هذه المرّة شعائر الدّين ومظاهره بتونس، فإنّنا لا ندّعي تقصّي كلّ أوجه التّعامل، أو كلّ الأحداث، بل نكتفي بما عاينّاه مباشرة، أو ما بلغنا ونحن على يقين من وقوعه، مجانبين في كلّ ذلك كلّ تهويل ومبالغة، مقتصرين في ذكر الأسماء على الأحرف الأولى، ولن نتردّد في ذكر الأسماء كاملة عند الإقتضاء... ويتساءل المرء بما يمكن أن يخرج المتأمّل في التّعامل مع شعائر الدّين ومظاهره. ما أثر تلك العهود والمواثيق الدولية، بل ما أثر الدستور وجملة القوانين في الواقع؟ أين نحن من تلك الشعارات الجميلة، التّي تتغنّي باحترام حقوق الإنسان؟ ما حقيقة إعادة الاعتبار للدّين الإسلامي في الفضاء السجني؟ * الصّلاة على قدر أهمّية هذه الفريضة في الإسلام، على قدر الاضطهاد والعذاب، الذّي سلّط على سجناء الرّأي، خصوصا بسببها. فقد عمّم منع إقامة الصّلاة جماعة في كافة السّجون، قبل صدور الأحكام في المحكمتين العسكريتين (القضيتين 76110 و76111) في أواخر غشت 1992. وكان تنفيذ هذا الإجراء يتّسم بالصرامة البالغة.. ولا مجال هنا للحديث عن صلاة الجمعة، فهذه الفريضة، وإن أقيمت في فترة من الفترات في بعض السجون، فإنّها لا تعدو أن تكون حالة شاذة لا غير... علما بأنّ كلّ الإجراءات والمضايقات، إن لم نقل كلّها، كانت تنطلق من السجن المدني بتونس العاصمة (المعروف بالحبس الجديد أو حبس 9 أبريل)، ومنه تنتشر في بقية السّجون. كما منعت صلاة الجماعة منعا باتّا، وأقيمت الصّلاة أفذاذا. لكن المقاومة والتّصدّي لتنفيذ هذه الإجراءات جعلت الإدارة تتراجع لتقنع بإقامة الصّلاة مثنى مثنى... وذلك بقدر إصرار السجناء على التّمسك بالصّلاة أزواجا، وتصدّيهم للترتيبات، التّي تريد الإدارة فرضها. وقد تكون إقامة الصّلاة مثنى مثنى مسموحا بها في عهد مدير معين، يأتي مدير آخر فيمنعها، وهو ما فعله الملازم الأوّل آنذاك (ع. ع) في سجن برج الرّومي، حيث عمد إلى منع الصّلاة أزواجا سنة 1999، وبعد الوليمة (وليمة القدوم عبارة عن حصة تعنيف مغلّظ، يشرف عليها السيد المدير في أغلب الأحوال، وقليلا ما يترك هذا الامتياز لأحد مساعديه)، أدخل السجين إلى غرفة ضيّقة تفتقر إلى دورة مياه، وإلى الماء، حيث مكث فيها ما يقارب العشرين يوما (وهو ضعف العقوبة القانونية). وأخرج من سجن العقاب يوم زيارة عائلته له. وسألته أمّه العجوز عن سبب عدم تمكينه من مقابلتها في الأسبوعين الماضيين فأجاب بكلّ تلقائية بأنّه كان معاقبا لإدانتهم بإقامة الصّلاة جماعة... فقطع الحارس الذّي يراقب الزيارة، ويستمع إلى الحوار المقابلة، وأعلم السيد المدير في الحين بالحوار الذّي دار بين السّجين وأمّه، فأصدر أوامره بإعادة السّجين إلى الجناح المضيق (السيلون). وهناك أعيد تعنيفه من جديد، والمدير يصرخ "المرّة القادمة اشكي بيّ للّي خلقك". وانتاب سجناء الرّأي شعور بأنّ الدّين في ذاته أصبح مستهدفا، ولم يعد الأمر مجرّد مضايقات واستفزازات يسلطها خصم سياسي على غريمه، مستغلاّ نفوذه وما يتمتّع به من سلطة... وأصرّ سجناء الرّأي على تأدية الصّلاة في وقتها، وأصرّ السيد المدير على تنفيذ تعليماته. وتبدأ الجولة بالتّضرع إلى اللّه والتكبير ولفحات الهروات ولسعاتها والرّكلات والصفع والشتم والسّب... لتنتهي بعد "حين من الدهر" بالأنين والحمد... أمّا الدّعوة إلى الصّلاة فجريمة لا تغتفر، يستحق القائم بها أفظع العقوبات وأقساها... وفي ليلة من ليالي شهر غشت 1993، وإثر آذان المغرب مباشرة، وأثناء تأديتهم للصلاة جماعة، أطلع عليهم الملازمان (ن. ع) و(ف. م) من كوّة المراقبة Judas فوجداهم متلبّسين "بالجريمة". ------------------------------------------------------------------------ الاغتسال ممنوع ولا يفوتنا هنا أن نذكر منع الإدارة للاغتسال في الغرف... لكن ما حيلة ذلك الشاب الذّي أصبح جنبا؟ هل ينتظر دورة الاستحمام العام، التّي قد تأتي بعد أسبوع أو أسبوعين، وقد لا تأتي إلاّ بعد عدّة أسابيع... كان الاغتسال في الغرف ممنوعا منعا باتا في سجون عديدة مثل سجن تونس وبرج الرومي والمهدية... وكان الوشاة والمخبرون الذّين يقدّمون "خدماتهم" من أجل شطر رغيف زائد يُلطّف به عضّة الجوع، أو حبّة أسبرين لتسكين ألم ضرس... أو من أجل ابتسامة يحظى بها من المسؤول عن الجناح، أو أحد أعوانه... كان هؤلاء الوشاة لا حصر لهم... فهم في كلّ مكان يراقبون، ويحصون الأنفاس، وينتظرون أيّ شيء يمكّنهم من تحقيق "طموحاتهم"... لذلك ترى السّجين الذي يعتزم الاغتسال يتستّر ويتلطّف كي لا يشعر أحد بما يزمع القيام به... فتراه يختار الوقت المناسب مثل بث مقابلة رياضية، أو حلقة من مسلسل تلفزي، ينشغل عموم المساجين بمتابعته... ثمّ يخفي المنشفة تحت ثيابه، ويتسلل إلى دورة المياه... ثمّ ينزع ثيابه ويضعها في سلّة، محجوبة عن الأنظار، ويتظاهر بقضاء حاجته البشرية... ويسكب الماء على جسده من قارورة أعدّها للغرض. وكلّ هذه الاحتياطات قد لا تؤدّي إلى تجنيبه "وليمة" في السجن المضيق، ثمّ 10 أيام في غرفة انفرادية، في ظروف تبرأ التعاسة منها... أمّا سجناء الحق العام الذين يريدون أداء صلاتهم في السّجن المضيق، عند تسليط هذه العقوبة عليهم، فإنّهم قد يؤمرون بعدم أداء الصلاة تماما، كما وقع للسجين (س. س) في سجن برج الرومي. * الصوم :فرصة فريدة لدخول المؤنة نلاحظ بدءا أنّ عدد سجناء الحق العام، الذين يؤدّون هذه الفريضة قليل جدّا. ويزداد هذا العدد تقلّصا مع تقدّم الشهر... ومن أبرز ما يحضرني في مسألة الصيام ما أقدم عليه السيد مدير سجن المهدية الملازم (س. ع) سنة 1997. ففي أوّل يوم من شهر رمضان عمد المدير المذكور إلى بث شريط سنمائي إباحي وخليع جدّا في منتصف النّهار، عبر شبكة الفيديو. كما أعاد الكرّة من الغدّ، مما أحدث استفزازا لدى عموم المساجين. وقد شعرت الإدارة بذلك عن طريق مخبريها وعيونها وتوقّف الأمر عند ذلك... ومن أبرز ما يتحجّج به المساجين المفطرون انعدام الأكلة المناسبة، وهم محقون في ذلك. وشعورا من الإدارة بوجاهة ذلك سمحت بدخول القفاف (قفة المؤونة ) إلى المساجين في كلّ أيّام الأسبوع طيلة شهر رمضان، بخلاف غيره من الشهور، حيث يسمح بدخول القفاف في ثلاث أيّام فقط من الأسبوع. ورغم أنّ الإدارة العامّة للسجون والإصلاح خصّصت للمساجين ما يفي بتوزيع نصف لتر من الحليب وشيئا من المسفوف في 5 أيّام من الأسبوع، على أن يقع توزيع شيء من المسفوف مع الزيت والسكر في اليومين الباقيين، فإنّ القلّة القليلة من المديرين من يحترم ذلك... وفي حديث لي مع الوكيل (ع. ت) عام 1999 عن الأكلة واحتجاجي على عدم توزيع السجور لمدّة طويلة، أجاب المسؤول بكلّ وقاحة أنّ عدد الصائمين لا يتجاوز سجناء الصبغة الخاصّة (أي سجناء الرأي)، وقليل جدّا من سجناء الحق العام، لذلك فإنّ الإدارة تفكّر في الكفّ عن توزيع السحور... * تلاوة القرآن الكريم في بداية رحلة العذاب (1990-1991) كان من المسموح به جلب كتب التّفسير، وكتب السيرة، والفقه وأصوله، وكتب اللّغات. ثمّ بدأت الانتكاسة بعد صدور الأحكام في المحكمتين العسكريتين، ثم منع جلب الكتب، وفي مرحلة موالية سحبت الكتب التّي سبق أن جلبها أصحابها، وحجزت في حملات تفتيش، نظّمت للغرض، ولم تكتف الإدارة بذلك، بل عمدت إلى حجز المصاحف، التّي تضمّ بين دفتيها زيادة عن سور القرآن الكريم شرحا للألفاظ، أو أسباب النّزول (مثل تفسير الجلالين، أو شرح ألفاظ القرآن الكريم لمخلوف...). ثمّ تلت مرحلة أخرى، عمدت فيها الإدارة إلى حجز المصاحف، التّي تحتوي على دعاء ختم القرآن الكريم، فترى كثير من السّجناء الذي بلغهم هذا الإجراء يعمدون إلى تقطيع تلك الصفحات، سعيا منهم للاحتفاظ بالمصحف. فترى هؤلاء يلقنون بعضهم بعضا السور، التّي يحفظونها، وقد يجازف البعض بكتابة الآيات، التّي يريد حفظها في ورقة صغيرة، بعد أخذ الاحتياطات الضرورية، كأن ينسخ الآيات في بيت الخلاء (القلم ممنوع والورق ممنوع كذلك...) ويتكتّم بعد ذلك عند الإطّلاع عليها، لأنّه مهدد، عند التّفطن إليه، بزيارة السّجن المضيق، والإقامة فيه لمدّة 10 أيام، بعد الوليمة بطبيعة الحال... وإن كانت تلاوة القرآن من المقربات إلى ربّ العزة، فإنّها كانت في السجون التونسية مجلبة لأنواع مختلفة من العقوبات، من ذلك أنّ العريف أول (ع. ر)، هدّد السّجين (ق. ب. س)، الذّي كان يتلو القرآن بصوت مسموع بوضعه في بالوعة المياه المستعملة والأقذار، إن سمع صوته مستقبلا. كما أنّ حصص الإملاءات القرآنية كانت ممنوعة تماما، مثلها مثل كافة الأنشطة الجماعية... وقد علّق الوكيل أوّل (ح. ع) على حرص سجناء الرّأي على حفظ القرآن الكريم بالقول "لستم في السعودية، واللّه لن تخرجوا من السجن إلاّ بعد مددكم كاملة"، تلميحا إلى أنّ حفظ القرآن الكريم في السعودية، يعد سببا من الأسباب، التّي تجعل السّجين يتمتّع بالعفو... * سبّ الجلالة إن كان من المؤسف تفشّي ظاهرة سبّ الجلالة في المجتمع التونسي عموما، فإنّ هذه الظاهرة لا تقابل بأي استهجان أو ردع لها، بل تجد شيئا من التّشجيع، بغضّ الطّرف عن مرتكبها، وعدم تحرّج الأعوان، بل من المسؤولين من التّفوه بها. وأسوق هنا بعض الوقائع، في شهر يونيو 1994 دخل السجينان (ق. س) و(ب. ل) في إضراب عن الطعام، بسبب تعمد السيد مساعد مدير سجن المهدية سبّ الجلالة أثناء تأديتهما للصلاة داخل الغرفة... وكثيرون هم المديرون ومساعدوهم وأعوانهم، الذين لا يرون أي حرج في سبّ الجلالة، ولا يستنكفون من ذلك أبدا... ألم يعاقب (م. ز) مدير برج الرومي سنة 1991، السجين (ع. م)، بعد تغليل يديه ورجليه، بأن وضعه على سرير حديدي دون حشية، وهو عار تمام، وشرع في جلده، طالبا منه سبّ الجلالة، إن أراد لنفسه السلامة. (وهو ما يذكر بما كانت قريش تفعله لبلال بن رباح، الذي كان يعذب في بطحاء مكة، ومعذبوه يطلبون منه الكفر برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وهو يرد عليهم أحد.. أحد). * السّجادة والسبحة واللّباس التّقليدي في سعيه للتصدّي لكلّ ما له علاقة بالدّين، ولو من بعيد، ارتأى السيد (ف. ر) مدير سجن الهوارب إلى حجز كلّ السجادات. وقام بحملات تفتيش للغرض... وعمد السيد المدير، بعد حجزها، إلى تزيين المكاتب الإدارية المختلفة بها، فتراها معلقة، أو ملقاة على كرسي، في مكتب الإرشاد، أو مكاتب التّنشيط، وفي المصحة وغيرها من المكاتب، لكن لا يجوز للمعتقلين أن يصلوا عليها. أمّا السبحة فشأنها شأن السجّادة فقد منعت طيلة سنوات، وفي كلّ السجون تقريبا، وإن كانت السبحة مصنوعة في السجن بأيدي السجناء أنفسهم. وكذلك الأمر بالنسبة للزي التقليدي التونسي (الجبة والشاشية...) فقد منع مبكّرا (1991) من كافة السّجون التّونسية، ولا يزال الأمر كذلك، في كثير من السجون. توثيق هذه الجرائم خدمة لتونس هذه بعض ملامح التّعامل مع شعائر الدّين ومظاهره في السّجون التونسية ونحن على يقين من أنّ هناك من الممارسات الكثير لم يبلغنا عنها شيء، ولعلّها أشدّ فظاعة مما أوردنا في هذه العجالة، لكن حسبنا أن شرعنا في عملية التّوثيق لهذه الفترة، وعساها تكمّل الصورة، ويطلع من يريد الإطّلاع على واقع مرير، حرصت الإدارة طويلا على التّعتيم عليه، بمعاقبة كلّ من سمحت له نفسه بنقل شيء من حياته التّعيسة في غياهب السّجون إلى العالم الخارجي... لكن هل يمكن أن يدوم ذلك؟ كلاّ. إنّ المصلحة العليا لبلدنا تقتضي جرأة وشجاعة وحزما ومروءة، في توثيق هذه الحقائق الأليمة.. تونس: صور من اضطهاد المسلمين في بلادهم بقلم الدكتور منصف بن سالم (عالم رياضي من تونس) ما يحدث في تونس، فيما تسميه السلطة محاربة الإرهاب والتطرف، هو عين الإرهاب والتطرف. وبعابرة أرحم هو تخلف سياسي، وخروج من عصر العلم والحرية والتسامح، إلى عصر الظلم والظلمات. وفي واقع الحال، ومن دون مبالغة، فإن ما يحدث في تونس، هو حرب بلا هوادة على هوية شعب، وعمل دؤوب لتغريبه وتجريده من هويته وأصالته العربية الإسلامية، كما هو تدمير حضاري واقتصادي وثقافي، يتم على يد سلطة، فقدت كل صواب في معالجة مشاكل مواطنيها، وراحت تسخر من عقول الناس، وتضرب بعرض الحائط كل المواثيق، وتتصادم مع المنطق في كل ممارساتها. فهي، مثلا، تمنع تحفيظ القرآن الكريم منعا باتا، وتغلق كل الكتاتيب من جهة، ثم تنظم حفل توزيع الجوائز على حفظة القرآن الكريم، من جهة أخرى. وحدث مرة أخرى أن اعترض شرطي، أمام أحد المساجد، أحد سجناء الرأي السابقين، وقال له متسائلا: أما هداك الله بعد، حتى تقلع عن الصلاة، وتبتعد عن المسجد؟.. وهكذا تكون الهداية في منطق السلطة ورجالها هي الضلال!!. إن الحديث عن المساجين السياسيين في تونس، من وجهة نظر عادية، هو ظلم لهؤلاء. فالسجين السياسي في تونس حيوان متكلم، مملوك لأهل السلطة، يُفعل به ما شاء أصحاب الضمائر الشريرة، من تنكيل واستفزاز، وتشف للصدور المريضة.. مكان سجنه يكون في أبعد نقطة عن موطن عائلته.. وظروف زيارة الأهل هي فرصة للتمثيل به، والانتقام منه، ومن أهله، مثل نزع ثيابه بالكامل، وتفتيشه بطريقة مشينة، قبل الزيارة، وإجبار من كانت من أهله على تعرية رأسها، وتسخيرها لأسئلة البوليس الاستفزازية، التي لا تنتهي. إذا قدر للسجين السياسي أن يغادر الأبواب الحديدية السبعة للسجون، فإنه سيجد نفسه في سجن آخر أكبر حجما.. فبالإضافة للتوقيع أكثر من مرة في اليوم عند البوليس، لإثبات وجوده، وبالإضافة للحرمان من العمل، والمنع من مغادرة مسقط رأسه... الخ، فإنه لا ينام الليل مثل سائر خلق الله. فالله عز وجل قد جعل الليل لباسا والنهار معاشا، والسلطة في تونس جعلت الليل انزعاجا وفواجع وزيارات بوليسية مفاجئة، وجعلت النهار حرمانا ومضايقة، وسماع ما يكره الإنسان. وإذا كان لبعض أعوان البوليس ضمير أو أصل يردعه عن فعل السوء، وتجاوز الحدود، ففي هذا السلك الوظيفي أسوأ خلق الله وأرذل الناس على الإطلاق. وهؤلاء لهم اليد الطولى في تونس، ولا يمكن لأحد أن يرد عليهم، حتى من زملائهم، بل حتى من رؤسائهم، خوفا من تهمة التعاطف مع الإرهابيين. باختصار يمكن القول إن السلطة في تونس صممت وعزمت على طردنا من الحياة العامة، فطردها جهلها وعقلها الضيق الصغير من العصر، الذي يعيش فيه العالم، وألقى بها في العصور المظلمة. أما السلطة في تونس فلا أتوجه لها بأي شيء، لأنه "لا حياة لمن تنادي". وأتوجه إلى المنظمات الحقوقية الحرة، وأطالبها بأن تكون في مستوى ما التزمت به، وأن لا يكون المسلم في ميزانها أقل من إنسان، وهو للأسف ما لمسته في أمثلة لا تحصى ولا تعد.. إني أدعوها إلى أن تعمل على إيقاف هذه المهزلة النكراء، والجريمة الحمقاء، في حق الآلاف من الأبرياء والعلماء والسياسيين، الذين أصبح ماؤهم وملحهم الرعب والخوف والحرمان من أبسط حقوق الإنسان.. فهل من سامع!!. شهادة "سجين تونسي" تفزع مسلمي فرنسا باريس- هادي يحمد- إسلام أون لاين.نت "خلال 5 سنوات لن يكون هناك قرآن".. عنوان كتاب صدر مؤخرا بفرنسا لسجين سياسي تونسي يحكي فيه معاناته الشخصية إضافة إلى نحو ألف من السجناء الإسلاميين بالسجون التونسية. وقالت الناشطة الفرنسية في حقوق الإنسان "لويزا توسكان" التي ترجمت الكتاب إلى اللغة الفرنسية: إنها اختارت عنوان هذا الكتاب بطريقة لافتة للنظر؛ لأنه يحوي شهادة مفزعة عن حقيقة المعاناة التي يعيشها هؤلاء السجناء التابعون لحركة النهضة الإسلامية بتونس. وأوضحت توسكان في تصريحات ل"إسلام أون لاين.نت" الخميس 13-3-2003 أن "الأمر الأكيد أن عنوان الكتاب مخيف ومفزع لحوالي 5 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا، لكن قراءة الكتاب تكشف أن الجملة التي عنون بها هي جملة قالها مدير أحد السجون التونسية لسجين إسلامي؛ إمعانا في التنكيل به وهو تحت التعذيب". وأضافت أن الجملة التي قالها مسئول السجن سخريةً تكشف إلى أي حد مضت إدارة السجن في التنكيل بالإسلاميين التونسيين، بحيث وصلت الأمور إلى منعهم من تداول المصاحف وأداء الصلوات في جماعة، وإلزام كل فرد أن يصلي بمفرده. وقالت: إن رواية مؤلف الكتاب الذي اختار له عنوان: "شهادة من سجين تونسي" توضح أن إدارة السجن تمنع المساجين حتى من أداء صلاة الصبح قبل الطابور الصباحي للمساجين والذي لا ينتهي قبل الثامنة والنصف صباحا. وأضافت أنها نسبت الكتاب إلى عبد الوهاب السديري الذي توفي في زنزانته قبل عام؛ خشية أن يتسبب الإفصاح عن اسم المؤلف الحقيقي إلى إلحاق الأذى به، خاصة أنه ما يزال يقضي عقوبته التي بدأت عام 1991. وقالت الناشطة الفرنسية: "رغم أني لا أمتّ إلى الإسلاميين بأي صلة ورغم انتمائي إلى أقصى اليسار الفرنسي، فإن ما يجري في تونس يدفعني كمدافعة عن حقوق الإنسان إلى العمل بكل السبل لإيقاف حالة الاستنزاف اليومي التي تقوم بها السلطات التونسية تجاه السجناء السياسيين". وتوسكان من الفرنسيين المهتمين بقضايا حقوق الإنسان في تونس، وساعدها إتقانها للغة العربية على ترجمة وتأليف العديد من الكتب المتعلقة بتونس. بقلم عبد الله الزواري بتصرف