أحيانا يلتفّ ُ الموتُ على خيطِ الريح ِ ويضحكُ ثم يكرّ سريعا مجنونا باللعبة ِ يلهو في مقهى حارتنا ويقدم للجالس فوق الكرسيّ لفافة تبغ ٍ وينامُ ويشخرُ مثل جميع الناس ِ وقد يتمنى أن تأتي امرأةٌ بثياب ٍ تظهرُ بعضَ مفاتنها
كانَ الكرسيّ على بعد ٍ مني لم أعرفْ أنّ السيدَ كان الموتَ ولم اسألْ عنهُ النادلَ كنتُ أحدث ُ خمسة َ أشخاص ٍ لا أعلمُ من أين أتوا في أيّ زمانٍ هل قبلَ مجيئي للمقهى أمْ بعدَ مجيئي .. هم جاؤوا في كلّ الأحوال ِ ودارَ نقاشٌ حولَ المطر ِ النازفِ مثلَ الجرح ِ حكيتُ قليلا عن حبي للمطر ِ ورحتُ أحدث ُ خامسَهمْ عن وجع ِ الشعر وآهات الشعراءِ وقلت لرابعهم إن الجنة في الشعرِ وقلت لثالثهم شيئا عن زمن البرد ِ تصرفتُ كما كنتُ أحبّ وغادرتُ المقهى كي أبحثَ عن أيّ امرأة ٍ تحمل سلتها وتسافرُ تحتَ المطر ِ قليلا
أحضرتُ امرأة من زمن ٍ آخر كانت تعشقُ وقعَ المطرِ وترقص مثل عصافير الدوريّ
تذكرتُ البيتَ ودفءَ الغرفةِ في هذا الوقتِ ورحتُ أسابقُ نفسي كانت كل الأرصفة بقايا خطواتٍ ودخان ٍ ستكونُ المدفأةُ الآن كندفِ الحلم ِ وأحلى وسيضحكُ أصغر ولدٍ حين يراني مرتجفا وسيمسك أرنبة َ الأنفِ ويفركها فكرتُ قليلا صار البيت ورائي والشارع صار ورائي والأحلام تمطتْ خلفي وانسحبتْ لم أحملْ غيرَ كلام ٍ دونَ حروف ٍ صرتُ بعيدا جدا ودخلتُ الشارع مأخوذا ببقايا شيء ٍ يغسلُ ثوبَ الوقت ِ ويضحكُ سرتُ طويلا ثم رجعتُ لأبحثَ عن بيتٍ فيه المدفأةُ ووجهي
في زاوية ٍ لم يغسلها المطرُ استوقفني أحدُ الناس ِ وراح يحدثني عن ضرر التدخين ِ وينصحني أن أترك هذا الشيء السيئَ قالَ بفخر كنتُ أدخن أكواما لكني قررتُ وفزت بنفسي لم أسألْ عن شيءٍ كنت أهزّ الرأس كهرّ أحمقَ ألقيتُ لفافة تبغ كانت بين أصابع كفي كي يصمت .. يرحل َ أشعلتُ الأخرى ما أن غادرَ تابعتُ السير سريعا وأخذتُ أدخن منتقما منهُ.. ومنّي عندَ بلوغ ِ المنعطفِ تلفتّ كثيرا قبلَ عبور الشارع ِ خوفا من مطر يملأ بنطالي إن مرتْ كالعادة إحدى السيارات ِ خطوتُ قليلا فاجأني صوت مرتفعٌ من كلّ الأمكنة ِ سمعتُ كلاما عن رجل ٍ راحَ قتيلا تحتَ العجلاتِ ... وكان كما كنتُ تماما يشبهُني كلّ الأوصافِ تساوتْ حتى الشامة ُ فوقَ الخدِّ..!!.. وكانتْ مدفأتي تنتظرُ بعيدا جدا ..