تحول مشروع سد تم انجازه لتأمين الاحتياطي المائي، ولتخفيف حدة الجفاف، أشرف الملك محمد السادس على تدشينه بمنطقة أولاد عباس، إلى نقمة على سكان المنطقة، وسببا في تشريدهم، بعدما أتلف ضيعاتهم الفلاحية، ومحاصيلهم الزراعية، ورغم مرور عشر سنوات على انتظارهم لرفع الضرر عنهم، لازالت معاناتهم قائمة، مما دفعهم إلى الدخول في اعتصام مفتوح قبالة السد إلى أن تتحقق مطالبهم. يوم ثاني ماي 2000، زار الوالي السابق لجهة دكالة عبدة الشيخ بيد الله رفقة وزير التجهيز في حكومة التناوب آنذاك عمرو تغوان منطقة أولاد عباس، المتاخمة للجماعة القروية رأس العين المنتمية إلى تراب إقليم أسفي حسب التقسيم الإداري السابق، وحملا لساكنة المنطقة مشروع إقامة سد مائي رصدت له وزارة التجهيز مبلغ 810 مليون سنتيما في إطار برنامج مكافحة آثار الجفاف، وانسجاما مع سياسة النهوض باقتصاد العالم القروي ودعم استثمار الأراضي الفلاحية، وتطوير الفلاحة السقوية ، وتم اختيار المنطقة على اعتبار أن مساحة الأراضي الفلاحية القابلة للسقي بها من الممكن ان تصل الى 150 هكتارا، ووعد المسؤولان ساكنة المنطقة بإحداث قرية نموذجية تتوفر فيها المرافق الأساسية، كما التزما بتعويض أصحاب الأراضي التي تم انتزاعها لبناء السد. بعد شهر كامل ستعرف المنطقة زيارة ملكية، أشرف خلالها الملك محمد السادس على إعطاء انطلاقة الأشغال بالسد، الزيارة الملكية علقت عليها ساكنة المنطقة آمالا كبيرة لتزامنها مع بداية موجة العهد الجديد، حيث ساد الاعتقاد لدى هؤلاء بأن المشروع الملكي سيبعث الحياة في واقع فلاحي أنهكه الجفاف، إلا أنه بعدما انتهت الأشغال بالسد أواخر سنة 2001، سيحول المشروع حياتهم إلى جحيم، وأرغمهم على مغادرة منازلهم خوفا من اجتياح مياهه، بعدما عجزت قدرته الاستيعابية عن استقبال مياه الأمطار، فأدى امتلاء حقينته إلى وقوع فيضانات كارثية، أتلفت الضيعات الفلاحية والمحاصيل الزراعية، كما أدت إلى انهيار المنازل وتشريد العائلات واختفاء الآبار. يبدو منظر منطقة أولاد عباس التي صدق أبناؤها بأنها ستكون قرية نموذجية مؤسفا للغاية، وصارت اليوم أشبه بالأطلال بعدما انهارت المنازل وتحولت المباني إلى خراب، وساكنتها دخلت في اعتصام بجوار السد منذ دجنبر المنصرم بعد عشر سنوات من الانتظار لرفع الضرر عنها وتعويضها عن مساكنها وضيعاتها الفلاحية، المتضررون يقولون بأن المشروع كان سببا في تحويلهم إلى منكوبين، بعدما ألحق خسائر فادحة بممتلكاتهم، لأن القائمين على إنجازه لم يتعاملوا مع معطيين وهما ندرة المياه في فترات الجفاف، ووفرة كمياتها في حالة الأمطار الاستثنائية، أو نسب ملأ غير متوقعة، ولم يتعاملوا مع المؤشرات المنذرة بالخطر والتي رافقت إنجاز المشروع، الذي لا يبعد عن المنازل إلا بأمتار قليلة، كما استبعدت وزارة الفلاحة من الإشراف عليه، حيث اقتصرت عملية إنجازه على ولاية جهة دكالة عبدة التي تكلفت بتدبير صفقات الأشغال، ووزارة التجهيز التي تكلفت بإنجاز المشروع، وتوفير المساعدة التقنية، ولم يخضع لدراسة تقنية معمقة حسب مصدر من ولاية جهة دكالة عبدة، خصوصا وأن التخوفات سادت منذ انطلاق عملية بناء السد من احتمال تضرر الدواوير المجاورة له. بعد سنة من إنجاز السد، امتلأت حقينته نتيجة عدم انتظام التساقطات المطرية، وغمرت مياهه المنازل والضيعات الفلاحية وأرغم أصحابها على النزوح صوب المداشر المجاورة، كما أتت على المقبرة، وعبثت برفات الموتى، مما ينذر بآفة بيئية بعدما اختلطت مياه الشرب بالعظام البشرية، وحسب بعض سكان المنطقة في تصريحات ل "الحياة"، فالمياه كانت قد جرفت جثمان أحد رجال الدوار أسبوعا بعد دفنه، الأمر الذي خلف استياء عميقا لدى ذويه، ودفع هذا الحادث بالساكنة إلى اختيار مكان تلي آخر لدفن أقرباءهم وأهاليهم، بعدما انتهك السد حرمة المقبرة التي يرقد فيها أجدادهم ومست الفيضانات مقدساتهم الروحية، سيما وأن المنطقة معروفة باحتضانها قبيلة "'شرفاء أحمر"، و أبناءها من أتباع الطريقة التيجانية والدرقاوية. يقول أحد أبناء المنطقة: مشروع السد حول حياتنا إلى جحيم، وأدى إلى تشريد العائلات بعدما فقدت مورد رزقها، وبعض أفرادها هاجر إلى المدن المجاورة، وصرنا نتهيأ للأسوأ مع كل فصل شتاء، حيث تجتاح المياه الطوفانية المتدفقة من السد بيوتنا، دون أن تقوم الجهات المسؤولة بالتدخل ولو بتقليص حجم الخسائر. بدوره أحد المتضررين قال ل "أسيف" فقدت أربع مشاتل لزراعة النعناع جرفتها المياه، وصرت عاطلا عن العمل لأنها كانت تؤمن قوت أسرتي، وطالما انتظرت تعويضي عن الخسائر التي تكبدتها، إلا أن الجهات المسؤولة لازالت مصرة على تجاهل معاناتنا، وسنبقى معتصمين إلى أن تصل قضيتنا إلى أعلى سلطة في البلاد. مصدر من المندوبية الجهوية لوزارة الفلاحة أشار ل "اسيف"، بأن أضرار السد ستبقى قائمة، وأن الساكنة ستبقى دوما تعيش الرعب باعتباره سدا تليا، لا يحتمل تخزين كميات كبيرة من المياه نتيجة التوحل، مما سيترتب عنه فيضانات محتملة تهدد المنطقة، كلما امتلأت حقينته، وأن الأمر يتطلب تدخلا تقنيا للحد من أضراره، ولاستغلال مياهه التي من شأنها أن تساهم في الرفع من مستوى الفرشة المائية بالمنطقة، والرفع من مستوى عبئ العديد من الآبار المحيطة به. احد الفلاحين بالمنطقة يرى بأن هذا السد من الممكن أن يؤمن في حالة استغلاله مايقرب 900 ألف متر مربع لسقيها على مدار السنة، كما يمكن أن يسقي 160 مشتلا لزراعة النعناع التي تعرف به المنطقة، كما أن بإمكان مياهه أن تسقي مائة وخمسين هكتارا، ومن الممكن أن ينتج الهكتار الواحد ستين طنا من القمح. ساكنة المنطقة لازالت تخوض اعتصاما مفتوحا قبالة السد منذ أزيد من شهر، لحمل الجهات المسؤولة على الوفاء بوعودها التي لم تتحقق رغم مرور عشر سنوات، حيث زارتها بعض الإطارات السياسية والنقابية والجمعوية بمدينة اليوسفية، في إطار قافلة تضامنية انطلقت يوم 12 دجنبر المنصرم من أمام مقر عمالة إقليماليوسفية ، التي انتقل إليها ملف بما بات يعرف بمشكل أولاد عباس، بعدما فشلت عمالة أسفي في معالجته، وفي هذا الصدد قال مسعود أبو فارس رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في تصريح ل "الحياة"أن معاناة المعتصمين قد تدفع بهم إلى عصيان مدني، وإلى الخروج في انتفاضة أمام مقر العمالة، لأن أوضاعهم الحالية كارثية، بعدما انهارت منازلهم وأتلفت محاصيلهم الزراعية، واجتثت المقبرة التي يرقد فيها ذويهم، حيث اتضح بأن المشروع لم يكن سوى تنمية وهمية، وأضاف نظمنا بمعية إطارات سياسية ونقابية قافلة تضامنية لمؤازرة الضحايا، وللفت انتباه المسؤولين أن هناك منكوبين بجوار السد. بالمقابل أفاد مسؤول من كتابة الدولة المكلفة بالمياه، رفض الكشف عن اسمه بأن اجتماعا احتضنه مقر الوزارة المذكورة نهاية دجنبر المنصرم، لدراسة ملف سد أولاد عباس، تم خلاله الموافقة على صرف تعويضات المتضررين، حيث ستتكلف عمالة اليوسفية، بعملية إحصائهم، وتعويضهم خلال الأيام القادمة. "الحياة" انتقلت صوب مقر عمالة اليوسفية التي تم إحداثها في إطار التقسيم الإداري الجديد، بعدما كانت ضمن نفوذ عمالة أسفي، حيث أفاد مصدر مقرب من عامل الإقليم، بوجود ترتيبات لإنهاء هذا الملف الذي تشوبه بعض الإشكاليات أثرت على طيه بشكل نهائي، من بينها أن المنطقة التي أقيم فيها السد تنعدم فيها الملكية الخاصة، والأراضي التي تم انتزاعها أو تضررت جراء الفيضانات هي أراضي الجموع التي تخضع لنظام الانتفاع، وليس للتملك، كما أن الدولة من الناحية المبدئية لا تمول الاستثمارات في أراضي الجموع، إلا أن المصدر ذاته لم يخف بأن المشكل دخل مراحله الأخيرة لتسوية المتضررين ولو نسبيا.