سليم مطر جنيف المقدمة : الفرق بين إسرائيل والعرب كما هو معلوم أن التاريخ لا يعتمد الصدفة والظروف القدرية أبدا كما يحلو للمهزومين أن يصوروا هذا لتبرير تخاذلهم . أن التاريخ بالحقيقة ماهو إلا مزيج مما لايحصى من الإرادات المجهولة والمعلومة ، الصغيرة والكبيرة . وان من أول شروط السيطرة على التاريخ والتحكم به ، دراسته ومعرفته . وهذا الذي قمنا نحن به . يمكن القول بكل فخر أن كل ما يمتلكه العراقيون ( والعرب عموما ) من كتب وترجمات عن تاريخهم القديم والحديث لايعادل حتى ربع الذي نمتلكه نحن. أن دراستنا لتاريخ العراق وناس العراق وطبيعتهم وخصوصيتهم ، منحتنا قدرة كبيرة للسيطرة عليه وعلى قادته وعلى تاريخه .إن الفرق الجوهري بيننا وبين العرب ، إننا نقرأ التاريخ ، وهم يتجاهلونه تماما . لهذا فأن سياستنا لها بعد استراتيجي تاريخي متسلسل وثابت ، بينما سياستهم تكتيكية مترددة متناقضة قصيرة المدى وعرضه سهلة للمؤثرات الداخلية والخارجية . انظر مثلا سياستهم إزاءنا منذ نشوء دولتنا حتى الآن ، كيف أنها مترددة متناقضة متقلبة . في البدء رفضوا التقسيم ورفضوا قيام إسرائيل ، وبنفس الوقت تركوا الضفة الغربية تابعة للأردن وغزة لمصر ولم يفكروا بإقامة دولة فلسطينية! بعد هزيمتهم عام 1967 وخسارتهم للضفة والقطاع والجولان وسيناء ، راحوا يتخبطون بالشعارات الثورية ودعم جماعات منظمة التحرير التي تم ذبحها فيما بعد ، على أيدي العرب أنفسهم ، في الأردن ولبنان ! بعدها رفضوا اتفاقات كامب ديفيد واغتالوا السادات واعتبروه خائنا ، ثم هاهم الآن عادوا للمطالبة بأقل مما طالب به السادات ! أنها سياسة طفولية بكل معنى الكلمة وتنم عن تخلخل كبير بالشخصية وقلق وعدم نضج نفسي وغموض الأحساس بالهوية . أما نحن ، فلأننا واثقون من أنفسنا ومن تاريخنا ومن هويتنا ، فأننا ثابتون على هدفنا : تكوين إسرائيل وجعلها القوى الكبرى المسيطرة على المنطقة ..سياسة إسرائيل إزاء العراق كما تعلمون إن دولتنا منذ نهاية الخمسينات بدأت تشكيل مكاتب عديدة كل منها متخصص ببلد عربي من بلدان المواجهة المحيطة بإسرائيل . وفي تلك الفترة أيضا تم تشكيل ( مكتب شؤون العراق ) الذي يتكون طبعا من كوادر يهودية عراقية تم انتقائها بكثير من الصعوبة والحذر ، فكما تعلمون مما يؤسف له أن الكثير من أبناء جاليتنا اليهودية العراقية ظلوا متمسكين بشتتاهم العراقي بصورة عاطفية جدا منعت الكثيرين وحتى الآن من التعاون معنا للعمل ضد بلدهم السابق! لكننا مع كل هذه الصعوبات نجحنا دائما بالعثور على العناصر المخلصة والفعالة. طبعا أننا بهذه المناسبة نتذكر بإجلال مسؤولنا الراحل ( ك.ن) الذي كرس كل حياته ووقته من اجل تكوين مكتبنا وتطويره ، معتبرا الأمر واجبا وطنيا وهما شخصيا ، بحيث يصح القول بأنه لولاهما حقق مكتبنا ماحققه من انتصارات ومنجزات لدولتنا ليس لها مثيل لدى باقي المكاتب جمعاء . بل يصح القول من دون أية مبالغة ، وباعتراف جميع مسؤولي دولتنا ، بأن (مكتب شؤون العراق) حقق لإسرائيل أعظم واكبر مفاخرها ، عبر تهيأته وإدارته لحرب الكويت : تدمير العراق ، وتشتيت العرب وتبديد ثرواتهم ، وتركيع الفلسطينيين .. كما تعلمون بأن مكتبنا رغم تنسيقه مع جهاز مخابراتنا الرئيسي (الموساد) إلا انه يظل مكتبا مستقلا ومرتبطا مباشرة بمكتب رئيس الوزراء . انه يتمتع بإمكانيات مالية وتقنية هائلة من اجل تنفيذ سياستنا نحو العراق . لقد قسمنا نشاط مكتبنا إلى محورين متداخلين : محور الدولة العراقية ، ومحور القوى السياسية العراقية .يمكن اختصار سياستنا نحو العراق بالكلمات التالية : إضعافه ثم إضعافه ثم إضعافه .. بل يمكن القول أن الكثير من مسؤولينا يرغبون بإزالته تماما عن الخارطة لو تمكنوا ، لكي نتخلص من خطر دائم يهدد إسرائيل منذ نشأتها. قبل أن نشرح كيف نقوم بأضعاف العراق ، يتوجب الحديث عن ، لماذا نرغب بأضعافه:بالاعتماد على قرائتنا للتاريخ ، نعرف جيدا بأن العراقيين هم المسؤولين عن دمار إسرائيل منذ أيام آشور وبابل . . إن العراق يتمتع بموقع جغرافي رئيسي في منطقة الشرق الأوسط إذ يشكل جسرا بين آسيا والخليج والبحر المتوسط ، وله تداخل تاريخي وجغرافي وحضاري مع الشام مما حتم عليه الحاجة المستمرة لبسط نفوذه على شواطئ سوريا ولبنان وفلسطين . بالاضافة الى انه من البلدان النادرة في العالم التي تمتلك اكبر ثروتين في هذا العصر : (( الماء والبترول )) . الاهم من كل هذا إدراكنا لطبيعة الشعب العراقي الذي يمتلك عمقا نفسيا ناريا وخزينا حضاريا يجعله قادرا على صنع قوة حضارية وعسكرية بصورة سريعة جدا بمجرد توفر شرطين : الدولة الجادة العاقلة ، وفترة وجيزة من الاستقرار . ان إدراكنا لهذه الحقائق جعلنا نخطط سياستنا إزاء العراق على أساس منع توفر هذين الشرطين المذكورين :أولا ، منع العراق من انشاء اية حكومة وطنية جادة ، من خلال دعمنا لاستمرار السياسة الطائفية الموروثة من العثمانيين والقائمة على أساس احتكار الدولة من قبل (الأقلية العربية السنية) التي تمثل اقل من (18%) من السكان ، وعزل الدولة عن الاغلبية (العربية الشيعية الكردية السنية التركمانية المسيحية) . ان هذا التخلخل بتمثيل الدولة للشعب العراقي يضمن ديمومة اعتمادها على الجيش والمخابرات للتعويض عن ضعف قاعدتها التمثيلية ، وبالتالي إستمرار حالة الضعف وعدم الاستقرار الداخلي. ثانيا ، منع العراق من تحقيق أي استقرار داخلي أو خارجي . أن انعدام الاستقرار الداخلي سبب أساسي لانعدام الاستقرار الخارجي . إن الدولة العراقية المنعزلة عن أغلبية الشعب ، منذ تكوينها في 1921 ، تعودت البحث عن شرعية خارجية قومية تتمثل بمفهوم (الأمة العربية) للتعويض عن فقدان الشرعية الداخلية المتمثلة ب(الأمة العراقية).بالحقيقة إننا ساهمنا بكل إمكانياتنا التأثيرية إلى دفع القيادات العراقية إلى التطرف بسياستها العروبية الثورية مما أدى إلى تعميق عزلتها عن شعبها وديمومة التناحر مع القوى القومية الكردية والتركمانية والشيوعية وغيرها . ثم ان هذه العروبة الثورية عمقت أيضا الخلافات الخارجية مع الدول المحيطة عربية وغير عربية . حيث تفاقم العداء القومي الطائفي ضد إيران حتى قيام الحرب التي دمرت البلدين ، واستمر كذالك العداء القومي ضد تركيا مما ضمن بذلك استمرار تحالفها معنا . أن هذه السياسة الثورية العروبية خلقت أيضا القطيعة وأجواء الحرب حتى مع (الشقيقة !) سورية ، بالإضافة إلى تفاقم العداء وقيام الحرب ضد(الأشقاء!) الكويتيين والسعوديين ! تغلغل إسرائيل في الدولة العراقيةيجب الاعتراف بأن تأثيرنا على الوضع العراقي بقي محدودا حتى أواخر الستينات. في تلك الفترة استثمرنا زيادة حدة الصراعات الدولية في الشرق الأوسط وتنامي الإرهاب العربي . نجحنا باقناع حلفائنا البريطانيين والأمريكيين أن يتركوا لنا حرية التصرف ب ( الملف العراقي ) بعد اداركهم لأهمية دورنا في الحد من النفوذ السوفيتي خاصة وكذلك الفرنسي في المنطقة وفي العراق بالذات . بالحقيقة إن الأمريكيين ابقوا إشرافهم على الملف العراقي ولكنهم تركوا لنا حرية التصرف الكاملة ، بشرط أن نطلعهم على تطورات نشاطاتنا وان نمنحهم حق الفيتوا على كل القرارات . أما نحن من طرفنا ، فإننا نعرف جيدا بان الذي يهم أمريكا أولا وقبل كل شيء هو نفوذها السياسي ومصالحها الاقتصادية ، وهي تثق بنا وتعتمد علينا مادمنا نخدمها لتحقيق هيمنتها ، وهي لا تتوانى عن التخلي عنا وحتى تحطيمنا إذا اقتنعت يوما بأن سياستنا تتعارض ومصالحها . لهذا فأننا حرصنا في كل نشاطاتنا بخصوص العراق وعموم بلدان المنطقة أن نبرهن دائما لأمريكا بأننا مفيدين لها . بالنسبة للدولة العراقية ، فإننا منذ سنوات الستينات حاولنا أن نستغل كل إمكانياتنا من اجل التغلغل في أجهزة الإدارة والجيش من خلال شراء ذمم بعض العناصر الفعالة مدنية وعسكرية . بالحقيقة إننا اعتمدنا كثيرا على شبكات أصدقائنا البريطانيين ثم الأمريكيين ، وبالاستفادة أيضا من علاقاتنا الخاصة مع تركيا وإيران الشاه ، وبعض الدول العربية المناهضة للنفوذ العراقي. يجب التذكير بأننا كنا نتجنب تماما الكشف عن أنفسنا كجهاز إسرائيلي ، بل كنا نوهم العناصر المكسوبة ، كل حسب نوعيته وميوله ، على أننا مخابرات غربية أو تركية أو إيرانية وأحيانا كثيرة على أننا مخابرات عربية ، سورية سعودية مصرية .كما هو معروف بأنه من المبادئ الأولية للمخابرات بأن تكون مثل الباحث عن الذهب ، تحفر في كل مكان حتى تعثر على المنجم ، أي ان تبذل الجهود على الكمية مهما كانت ثانوية على أمل العثور بينها على النوعية المطلوبة ، وهذا الذي حصل معنا . منذ الستينات بدأنا نتصل بصورة غير مباشرة بالعناصر الحزبية العراقية ، وخصوصا من المقيمين في الخارج . يجب التذكير بأننا حتى سنوات قريبة ، كنا نمتلك قاعدة مخابراتية مهمة في بيروت كمركز رئيسي للتغلغل في القوى العربية في الشرق الأوسط .وبواسطتها تمكنا من الإيقاع ببعض العناصر الدبملوماسية والكوادر المقيمة في الخارج .لقد استثمرنا كثيرا النزاعات والخلافات القائمة بين البعثيين أنفسهم وبين البعثيين والتيارات السياسية الأخرى من شيوعيين وناصريين وقوميين سوريين . لقد وافق بعض البعثتين على التعامل غير المباشر معنا على أمل التغلب على خصومهم ( معظم هؤلاء البعثتين لم يعرفوا بأننا إسرائيليين ، كما أوضحنا سابقا). طبعا نحن لم نقصر بمساعدتهم من خلال المال والمعلومات التي تمدنا بها مخابراتنا وأجهزة المخابرات الغربية، حتى تمكن البعث من استلام السلطة في العراق عام 1968 .بالحقيقة إن هذا الانقلاب لم يكن من تخطيطنا ، ولكننا ساعدنا كثيرا على نجاحه ، من خلال بعض العناصر العسكرية القومية في نظام (عبد الرحمن عارف) السابق والتي كانت تابعة للمخابرات البريطانية . رغم تغلغلنا في حزب البعث العراقي الا اننا لم نكن مطمأنين تماما له ، بسبب وجود قيادات كثيرة ومؤثرة خارج سيطرتنا . لهذا فأننا في البداية كنا نفضل بقاء السلطة الجديدة بيد تلك العناصر القومية المرتبطة مباشرة بالمخابرات البريطانية . لكننا فوجئنا بأنقلاب البعثيين على حلفائهم القوميين في (30 ) تموز من نفس العام ( 1968)واستحواذ جماعة (البكر السامرائي صدام ) على السلطة . حينها قررنا تغيير تكتيكنا وبذل جهودنا للامساك بهذه القيادة الجديدة . لقد بذلنا كل ما بوسعنا من مال ومغريات (ومؤثرات خاصة بواسطة سلاحنا السري ((إرادة يهوا )) الذي سوف نتحدث عنه بعد قليل) لدعم عناصرنا الموجودة مسبقا في البعث.تأثير إسرائيل على صدام حسينبالنسبة ل( صدام حسين ) فأن المرة الأولى الذي جلب فيها انتباهنا كانت أثناء إقامته كلاجئ في مصر في أوائل الستينات ، وخصوصا بعد إن علمنا بأنه شاب جريء وطموح وشارك بمحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم . إننا بالحقيقة لم نتصل به مباشرة ، لكننا عرفنا من خلال أصدقائنا البريطانيين في بيروت بأنه كان على اتصال بهم لعدة أعوام في بغداد عن طريق خاله (طلفاح) ، واخبرونا فيما بعد انه قطع العلاقة بهم في أواسط الستينات ، لكننا نشك بصحة إدعائهم هذا . رغم أن البريطانيين حلفاءنا فأن هذا لم يمنعهم من اللعب معنا أحيانا كثيرة . المهم أننا في أواخر الستينات تمكنا ، وبدعم من أصدقائنا الأمريكيين ، من إقناع البريطانيين على إعطائنا الملف كامل عن حياة صدام وعلاقاته وشخصيته يحتوي على أكثر من سبعين ورقة . لم يكن واضحا لدينا ما نبتغيه من صدام ، لكن مسؤول مكتبنا السابق ، الراحل (ك . ن ) الذي كان يهوديا عراقيا من نفس مدينة صدام (تكريت )وله معرفة عائلية مع عائلة السيد طلفاح ( خال صدام) ، قد أصر لسبب غير واضح على الاهتمام بملف صدام ، وكان يردد دائما : (( سوف ترون من سيكون صدام هذا ، ليس مستقبل العراق وحده يتعلق به ، بل حتى مستقبل دولتنا )). وقد أثبتت الأيام صحة حدسه ومدى الفوائد العظيمة التي جنتها دولتنا منه .إذن منذ البداية جعلنا صدام محل اهتمامنا ورحنا ندرس شخصيته ، بل إننا كلفنا احد المتعاونين العراقيين على الاتصال بمعارف صدام الشخصيين وأقاربه وسكان قريته (العوجة) وأصدقاء شبابه من اجل إنجاز بحث اجتماعي ونفسي متكامل عن شخصيته . رحنا نتابع تحركاته من خلال مجموعة من عناصرنا . حتى تجاوز ملفنا عن صدام ، أوائل السبعينات ، أكثر من ألف ورقة ووثيقة وصورة ، يحتوي على كل تفاصيل حياته النفسية والاجتماعية والسياسية، بل هنالك في ملفنا بضعة أحلام سردها لأحدى معارفه من النساء! لقد وجدنا في صدام الصفات المطلوبة التي تساعدنا على السيطرة عليه ومن خلاله نتمكن من السيطرة على الوضع العراقي كله . إن شخصيته تمثل بصورة سلبية ومكبرة الشخصية العراقية بكل تناقضاتها وازدواجيتها الحادة . انه باختصار يمتلك شخصيتين لا يجمع بينهما غير خيط واه : شخصية الرجل الماكر ذي العقل الآلي الجهنمي ، وشخصية الطفل الساذج السهل الخداع والانقياد. انه من ناحية ، براغماتي طموح وجريء جدا وقاس بأعصاب حديدية لا تعتبر لأي ضمير أو مبدأ ، بل همه الأول والأخير السلطة والهيمنة وسحق الخصم مهما كان حتى أخيه أو ولده . لهذا نحن شبه متأكدون بأنه هو وراء العملية المسلحة الأخيرة ضد ولده (عدي) والتي حولته إلى معاق بسبب خروجه عن طاعة والده . أما الناحية الأخرى ، فأن صدام يمتلك نفسية طفولية غير ناضجة بسبب حرمانه من الأب المتوفي منذ الولادة وانشغال الأم بحياة عائلية منفصلة ، ومعيشته في بيت خاله شبه منبوذ ومحروم حتى من حق الدراسة ، مما أعاق اكتمال نضجه النفسي وبقائه عند مرحلة الطفولة المحرومة من الأبوة والأمومة . لكن حرمان الطفولة هذا وقسوة المجتمع وعزلته منحته أيضا روح التحدي والحقد على العالم كله الذي تسبب بحرمانه وإذلاله . تراه مثلا ، منذ سن مبكرة حمل مسدسه وقام باغتيال احد أقاربه ، وفي بداية سن شبابه ساهم بمحاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم . إن صدام حقا من الشخصيات النادرة في التاريخ ، ليس بجبروته فقط بل بانحطاطه أيضا ، انه نموذج متكامل ومطلق للشخصية الجبارة الاستبدادية، بذكائه وإصراره ووحشيته ، وكذلك بسذاجته وطفولته . الذي يميز شخصية صدام عن النموذج الاستبدادي المعروف ، انه قادر في اشد حالات الهزيمة ، أن يغرف من حقده الدفين ضد البشرية باعتبارها المسؤولة عن نكسته، وبالتالي فأنه بدل أن يتراجع أو يقتل نفسه كما يفعل الكثير من المستبدين بعد هزيمتهم ، فأن صدام على العكس يقرر قتل المزيد المزيد من البشر الذين قد يشعروه بهزيمته . انه لا ينزعج من شماتة أعدائه المنتصرين بقدر انزعاجه من نحيب أتباعه المهزومين!! إذن بالاعتماد على هاتين الشخصيتين المتناقضتين ، رسمنا سياستنا بالسيطرة على صدام. كلما توغلنا بمعرفة شخصيته زادت قناعتنا بضرورة عدم الاتصال به مباشرة ، لأنه متكبر وعنيد وصعب المراس . يتوجب التأثير عليه واستخدامه من دون علمه ، لأن هذا الأسلوب غير المباشر يضمن لنا التأثير عليه أكثر بكثير من الاتصال المباشر. لهذا فأننا ركزنا العمل بين العناصر القريبة من صدام ، ومحاولة دفع عناصرنا إلى التقرب منه ودعمه بكل السبل ، حتى تمكنا أخيرا من إحاطته بصورة شبه كاملة تقوده ( كالثور من قرونه ) من دون أن يعلم. لقد كان دور هذه المجموعة يتركز على ناحيتين : مساعدة شخصيته (الماكرة المستبدة) على بسط هيمنتها على الحزب وعلى الدولة وتصفية كل المعارضين والعناصر القيادية البعثية المزعجة . وبنفس الوقت مراعاة شخصيته (النرجسية الطفولية ) وذلك بعدم إشعاره بأنه مقاد من قبلنا ، بل هو الأقوى والأفضل والأحسن وهو المالك المطلق لزمام الأمور في الدولة والحزب . لقد نجحنا بإقناع حليفتنا أمريكا بتبني خطتنا بالسيطرة التدريجية على صدام . من خلال صديقنا شاه إيران تم توريط القائد الكردي (البرزاني) عام1974 بإعلان الثورة على النظام ، وبنفس الوقت ساهمنا من خلال حلفائنا الغربيين والأتراك إلى تقديم العون المادي والمعلوماتي إلى النظام من اجل القضاء على هذه الثورة خلال عام واحد. بهذه العملية تمكنت جماعتنا من إثبات حسن نواياها لصدام ، وبنفس الوقت مساعدته على بسط نفوذه على الحزب والدولة . صدام ينفذ مشاريع إسرائيلإن قمة نجاحاتنا بالتأثير على صدام ، تمثلت بمساعدته على التخلص تماما من جماعة (البكر السامرائي) التي لم نستطع الحد من جموحها . إن اشد ما أزعجنا بهذه المجموعة هو قرارها عام 1979 بالتحالف مع سوريا . أن إقدامها على هذه الخطوة الخطيرة المتهورة اعتبرناه تجاوزا لكل خطوطنا الحمراء التي من أهمها منع أي تقارب جاد بين العراق وسوريا . ثم أن الذي زاد من مخاوفنا وغضبنا أن خطوة التحالف هذه أتت في ظل صعود الخميني إلى السلطة الإيرانية ، واحتمالات قيام محور (عراقي سوري إيرانيفلسطيني سوفياتي ) كفيل بأحداث تغيرات هائلة في المنطقة تهدد امن إسرائيل في الصميم . لهذا فأننا من خلال عناصرنا وبدفع من بعض الدوائر العربية والغربية الصديقة ، أوحينا لجماعة السامرائي القيام بعملية شبه انقلابية لإزاحة صدام ، وبنفس الوقت ساهمت عناصرنا بالكشف عن هذه العملية ومن ثم مساعدة صدام على القضاء التام عليهم واستحواذه بصورة مطلقة على السلطة . بهذه الخطوة الحاسمة ضربنا عصفورين بحجر : أولا، أفشلنا تماما مشروع المحور (العربي الدولي) الخطير المعادي لنا وإبعاد كل احتمالات التقارب بين العراق وسوريا . ثانيا ، أصبح صدام (ألعوبة) بيدنا بعد إزاحة جماعة ( البكر السامرائي) الخارجة عن سيطرتنا. بعد نجاحنا غير المتوقع بعملية صعود صدام واستحواذه المطلق على الدولة والحزب ، قامت عناصرنا بتركيز سيطرتها على دائرة القرار المحيطة بصدام ، من خلال إقناعه بأنه لا يمكن أن يستمر بسلطته إلا من خلالهم ، وبنفس الوقت إشعاره بالثقة التامة بهم من خلال الأدلة الساطعة . طبعا صدام لم يشك حتى الآن بتأثيرنا المباشر في الأحداث ، لأن عناصرنا كانت توحي له بأن معلوماتها متأتية من علاقاتها الخاصة مع بعض الجهات الغربية، حيث استخدمنا مختلف الواجهات الغربية للتغطية على دورنا: أجهزة مخابراتية صديقة ، مؤسسات إعلامية وتجارية خاصة ، أحزاب ومنظمات شعبية .. الخ . إننا من خلال كل هذه الواجهات قدمنا لصدام خدمات معلوماتية ومخابراتية وتقنية لم يحلم بها أبدا .. كل هذا من اجل كسب ثقته بجماعتنا وفرض سياستنا عليه . بعد ذلك قررنا أن نضرب ضربتنا الكبرى الهادفة إلى تدمير العراق فعليا والقضاء على كل مكوناته الاقتصادية والصناعية والمالية. فكرنا بعدة إمكانيات ، أولها، تغذية ودعم الحرب الكردية ، لكن تبين لنا أنها ليست كافية فهي محدودة بمنطقة جغرافية وسكانية غير قادرة على الامتداد وتدمير بنية العراق ، ثم إننا تأكدنا جيدا من خلال تجاربنا مع الأكراد أنهم مهما ادعوا من نزعات انفصالية معادية للعراق إلا أنهم عند المحك يكشفون عن نزعة وطنية عراقية غريبة تتجاوز أحيانا حتى وطنية العرب ! . فكرنا أيضا بثورة شيعية ، لكن باحثونا اعترضوا على المشروع منذ بدايته ، لأنهم يعتقدون بأن شيعة العراق ، مهما اختلفوا مع النظام واتهموه بالطائفية ، فأنهم بجميع تياراتهم اليسارية والدينية يعتبرون أنفسهم هم العراق ولا يحملون الضغينة ضد إخوانهم السنة بل ضد الدولة الطائفية ، ومن الصعب جدا توريطهم في حرب أهلية . الأكثر من هذا أن خبراءنا كلهم اتفقوا على أن وصول الشيعة إلى قيادة الدولة يمكن أن يؤدي إلى عكس ما نبتغيه. ان طبيعة الشيعة كأغلبية عددية تؤهلهم لأن يجمعوا حولهم باقي الجماعات العراقية من سنة وأكراد وتركمان ومسيحيين وغيرهم ، وتكوين دولة عراقية قوية خارجة تماما عن سيطرتنا . فكرنا بعدها بقيام حرب ( بعثية بعثية ) داخل العراق وتوريط سوريا من خلال استغلال من تبقى من جماعة (السامرائي البكر) لكننا خبرائنا اقتنعوا بصعوبة توريط سوريا وصعوبة ضمان تأثير مثل هذه الحركة على الوضع. أثناء ذلك أتانا الحل من دون أن نتوقع : إعدام صدام للقائد الديني الشيعي (محمد باقر الصدر) عام 1980 وإعلان الخميني تكفير صدام ونظامه ! بسرعة فائقة قمنا بتحشيد كل طاقاتنا الدولية وكذلك عناصرنا المحيطة بصدام من اجل خلق كل الأسباب الممكنة لأندلاع الحرب بين البلدين . من خلال المخابرات الغربية والقيادات العسكرية الإيرانية من بقايا نظام الشاه ، اوحينا لصدام بأنه قادر على اجتياح إيران وإسقاط نظام الخميني والحصول على منطقة الأحواز التي يطالب بها العراق . لقد سلمنا إلى صدام خارطة حقيقية كاملة بكل المعسكرات والمطارات الإيرانية ، ورسمنا له خطة كاملة مشابهة لتماما لخطتنا التي نجحنا بها بالقضاء على القوة المصرية في حزيران 1967 ، أي تكتيك (الضربة الخاطفة ) . لكننا بنفس الوقت أوصلنا نص الخطة إلى الإيرانيين مع سبل إفشال الهجوم العراقي المباغت. بهذا ضمنا ديمومة الحرب بين البلدين . بل داومنا على تغذية العداء بين الطرفين وإمدادهما بالسلاح حتى نجحنا بأن تستمر الحرب أكثر من ثمانية أعوام وتدمير طاقة البلدين وما جنياه من محصول البترول خلال كل الستين عاما السابقة !!حرب الكويت انتصار تاريخي لم نحلم به إن الحلقة الأهم والأكبر في مشروعنا التاريخي بتدمير العراق ، بلغناها بسرعة غير متوقعة وبنجاح منقطع النظير . ويكمن سر نجاحنا هذا في توفر طرفين مثاليين لتحقيق مثل هذا السيناريو الجهنمي : (( صدام وأمريكا ))، وهما طرفان متكاملان وليس متناقضين كما يتوهم الجميع . صدام الساذج المتهور يتكامل تماما مع أمريكا الجبارة الشرهة ، حيث استخدمنا بنجاح مؤهلات الطرفين ، كالتالي: أولا ، التأثير على صدام ودفعه إلى القيام بالممارسات الرعناء الكفيلة بإثارة غضب أمريكا والعالم وإعطاء الحجج لتدمير العراق.ثانيا ، التأثير على أمريكا من خلال الإيحاء لها بأن عملية شل قدرات العراق وعزله تحقق لها من الأرباح ما لم تحلم به . بالنسبة لأمريكا ، فأننا لم نبذل كثير من العناء من اجل إقناعها بمثل هذا المشروع . أنها عموما تثق بنا بالإضافة إلى التأثير المعروف لجاليتنا اليهودية على مركز القرار الأمريكي . من دون تأثيرنا فأن للولايات المتحدة خططها القديمة من اجل إزاحة النفوذ السوفيتي بالإضافة إلى الفرنسي من منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر أهم منطقة اقتصادية وإستراتيجية في العالم . منذ زمن طويل تعمل أمريكا من اجل تطبيق مخططها القاضي بالاستيلاء على منابع البترول والاستحواذ على أسواق الخليج . وبمجرد إن بدأت علامات الضعف والانهيار في المعسكر الشيوعي في أواسط الثمانينات حتى قام الأمريكان بالتنسيق معنا من اجل الاستعداد لتطبيق مخطط الاستيلاء على المنطقة . بالحقيقة أن الولاياتالمتحدة كانت قد هيأت سيناريوهات عديدة من اجل خلق المبررات لتنفيذ مخططها . والطريف أن العراق لم يكن يوجد في أي من هذه المخططات ، بل السعودية كانت هي المطلوبة ، لأنها تعتبر الحلقة الأضعف في تلك الفترة. من ابرز هذه السيناريوهات وأخطرها هو الدفع غير المباشر لإشعال ثورة إسلامية في السعودية ، بالتنسيق مع الإسلاميين الأفغان المتحالفين مع أمريكا ، ثم قيام حرب أهلية سعودية طاحنة ، تتورط فيها إحدى جارات السعودية ، إما اليمن الشمالية ، أو إيران . هذا الوضع الخطير سيمنح التبريرات لتدخل الأمريكيين بطلب من الحكومة السعودية ودول الخليج . ولكن في عام 1989عند نهاية الحرب العراقية الإيرانية وظهور توترات داخلية عراقية ، حاول صدام كعادته افتعال أزمات وهمية تبعد الأنظار عن الأزمة الحقيقية . داخليا افتعل أزمة بين العراقيين والعمال المصريين من خلال قيامه بحملة سرية لاغتيال مئات العمال المصريين وترحيل مئات الآلاف ، بحجة أن العراقيين يرفضون المصريين . أما خارجيا فانه افتعل توترا مع إسرائيل وراح يهددها بالإبادة بأسلحته الفتاكة ومدفعه العملاق. حينها خطر هذا السؤال بذهن مسؤولنا الراحل(ك،ن) : كيف يمكننا أن نزج العراق في السيناريو الأمريكي بدل السعودية ، ولكن بنفس الوقت نحقق لأمريكا هدفها بإيجاد مبرر للسيطرة على المنطقة ؟! في أثناء ذلك علمنا بوجود توتر وغضب من قبل صدام ضد الكويت ودول الخليج بسبب تقصيرهم بدعم العراق بعد حربه الطويلة ضد إيران . حينها أتانا الجواب العبقري الذي لم نحلم به : أن يقوم صدام بغزو الكويت والسعودية ، لتندلع حروب أهلية ودولية تمنح كل المبررات لتدخل حلفائنا الأمريكان وبنفس الوقت نحقق هدفنا الأكبر : تدمير العراق ، ومعه المنطقة كلها ... بالحقيقة ، رغم تحالفنا مع الأمريكان فأنهم أيضا لهم مصالحهم ووجهات نظرهم التي لا تتفق بالضرورة معنا . لهذا فأننا في بعض الأحيان نضطر إلى خداع حلفائنا والتأثير عليهم من اجل جرهم إلى مشاريعنا . وكانت حرب الخليج أكثر القضايا الشائكة التي نجحنا بتوريط الأمريكان والعالم كله في حرب غايتها المعلنة تدمير صدام أما غايتها غير المعلنة ولكن المعروفة للجميع ، هي تدمير العراق .ومن اجل تحقيق غايتنا هذه ، قمنا لأول في التاريخ بتجربة احدث واخطر سلاح سري والأول من نوعه في الحروب الحديثة . السلاح الإيحائي السري ( ارادة يهوا) بالحقيقة أن هذه المرة الأولى التي نتجرأ بها على الحديث عن سلاحنا السريفي وثيقة مكتوبة ، وإن كان تقريرا سريا خاصا . كما تعرفون أن هذا السلاح السري تتكتم عليه دولتنا بصورة كبيرة جدا ، والسبب يعود إلى أن فعالية هذا السلاح ستهبط إلى الصفر في حالة الكشف عنه فقط . إذ يكفي للضحية ان يعلم بتأثير سلاحنا الممارس عليه حتى يتمكن من التخلص منه بسهولة كبيرة جدا . لهذا فأننا نفعل المستحيل للتعتيم عليه رغم اعتقادنا بأن هنالك بعض التسريبات التي بدأت تظهر في بعض الصحف الغربية بصورة غير مباشرة ، أي الحديث العام عن إمكانية استخدام مثل هذه الطاقات الخفية في النشاط التجسسي ، من دون أية إشارة لإسرائيل . ولحسن الحظ أن هذه التسريبات ، حتى الآن ، لم تثر اهتمام العرب ، ولا زال مفعول سلاحنا ساريا بصورة مريحة ومقبولة . إن هذا السلاح كما تعلمون أطلقنا عليه تسمية ( ارادة يهوا ) ويعتمد أساسا على استخدام ( طاقة الإيحاء الروحي ) في التأثير على أهداف معينة وفعالة . بالحقيقة أن هذا السلاح ، أو قل الجهاز ظل منذ الخمسينات مشروعا متداولا لدينا ولدى السوفيت وبدرجة اقل لدى الأمريكان . وتتلخص الفكرة كالتالي : استخدام طاقة الإيحاء التي يمتلكها البشر بالتأثير على إنسان آخر ودفعه إلى القيام بأعمال من دون إرادته . حتى الثمانيات ظلت هذه التجارب سرية ومحدودة التأثير ولم نتمكن أن نستخدمها فعليا في نشاطنا التجسسي ، وكدنا في مرات عديدة أن نغلق ملف هذا المشروع بسبب التكاليف الباهظة وغير المثمرة . لكن في أواخر الثمانينات حدث ما لم نتوقعه . مع التغيرات الكبرى التي بدأت تجري في الاتحاد السوفيتي وبدأ هجرة اليهود السوفيت ، جاءتنا خبرات سوفيتية جبارة في مجال التجارب الروحية. تبين لنا أن السوفيت قد توصلوا إلى نتائج سرية باهرة في هذا المجال ، ومن حسن الحظ فأن الكثير من الكوادر المشاركة بتلك التجارب كانت من اليهود ، بل حتى غير اليهود تمكنا من الاتصال بهم وجلبهم إلى إسرائيل . لقد اكتشفنا بأن السوفيت قد أضافوا خطوة مهمة وحاسمة إلى هذا الحقل ، لم تخطر من قبل على بال احد : استخدام التقنيات العلمية من اجل تفعيل وتكثيف النشاطات الروحية ! أية بصورة أوضح ، استخدام تقنيات الاتصالات السمعية البصرية بما فيها الأقمار الصناعية في عملية تنشيط الاتصالات الروحية والتأثير الإيحائي على بعض الأشخاص المطلوبين . لقد جرت العادة أن يجلس الشخص الفعال في مكان معين وينظر في صورة الشخص المفعول ويحاول أن يوحي له عن بعد ، القيام بفعل ما. والمشكلة أن تأثير الموجات الإيحائية يقل مفعوله مع المسافات والمؤثرات المناخية والكهرومغناطيسية وغيرها . وكانت عبقرية السوفيات أنهم بدأوا باستخدام تقنيات الاتصالات لنقل الإيحاءات كما يتم نقل الصورة والصوت إلى مكان بعيد . ومن حسن الحظ أنهم لم يتوصلوا إلى نتائج حاسمة حينما توقفت التجارب مع بدأ انهيار النظام السوفياتي وانحلال جهاز المخابرات (الكي جي بي)المسؤول عنها . بعد جهود جبارة مكثفة وبرنامج بحث وتجارب لا يتوقف ليلا ولا نهارا ، تمكنا خلال اقل من عامين من تحقيق نتائج باهرة ومؤكدة . حينها قررنا الشروع الفعلي بتجربة سلاحنا السري هذا على صدام . والحقيقة أن هذه الفكرة كانت من مقترحات مسؤولنا الراحل المرحوم( ك ، ن ) الذي رغم مرضه وابتعاده عن وظيفته ، إلا انه أصر على إبقاء مسؤوليته المباشرة على برنامج التأثير على صدام . وكانت عملية التأثير كالتالي : يجتمع نخبة من عشرات الأشخاص المتميزين بقذارتهم الطبيعية في التأثير الإيحائي ، يجلسون في قاعة مظلمة وأمام جميعهم شاشة كبيرة تعرض صورة ملونة لصدام . كلهم متفقون على ترديد عبارة واحدة معينة تتضمن أمرا معينا موجه إلى صدام ، مثلا : (( يجب أن تقتحم الكويت .. كل شيء سهل وممكن .. لتقتحم الكويت .. الأمريكان لن يفعلوا شيئا ...)) . وهنالك أجهزة حساسة وعالية الجودة تقوم بالتقاط هذه الإيحاءات ونقلها عبر القمر الصناعي إلى نقاط محددة يتواجد فيها صدام .وحسبما ذكرنا فأن نقطة الضعف الخطيرة في هذا السلاح ، انه من السهل جدا التخلص من تأثيره بمجرد معرفة وجوده . يكفي للضحية أن يبادر بحماية نفسه بإيحاءات ايجابية مضادة وإجراء تمارين رياضية وروحية تحيطه بهالة ايجابية تمنع عنه كل المؤثرات السلبية الخارجية . الاستخدام الجديد لسلاح الإعلاملا ندعي بأن سلاحنا ( إرادة يهوا ) هو وحده الذي اثر في قرارات صدام ، بل هنالك مؤثرات عديدة دعمت هذه الايحائات ، أهمها هي طبيعة صدام نفسه ونظامه المهيأ تماما لتقبل مثل هذه القرارات المتهورة .فليس من الممكن مثلا إن نؤثر على صدام لو أن قراراته كانت تمر قبل تنفيذها بمداولات الحكومة والبرلمان والصحافة ودوائر الحزب والدولة . ثم إننا حققنا النجاح الفائق بالتأثير التام على صدام من خلال لعبنا على جانبه النرجسي الطفو لي بواسطة سلاح تقليدي جدا ، إلا وهو الإعلام ، لكننا استخدمناه بصورة جديدة ومناقضة تماما لتأثيره النفسي التقليدي : بدلا من العمل على الحط من قيمة العدو وإفقاده ثقته بنفسه ، قمنا نحن بالعكس تماما ، أي بإعلاء شأن صدام وتضخيم قدراته آلاف المرات . رحنا ننفخ به ليلا ونهار ، وهو المسكين بكل نرجسيته الطفولية دخل تماما في لعبتنا، وراح ينتفخ وينتفخ حتى انفجر مثل البالون الفارغ عند أول (بع...ة)أمريكية. لم يخطر على بال احد بأن إسرائيل ، كانت ومازلت ، وراء الحملة الإعلامية العالمية الجبارة التي أطلقت للتهويل من خطر صدام وجعله يحتل واجهات جميع وسائل الإعلام في العالم . أن هذا الأسلوب التفخيمي كان له تأثيرا حاسما في بث الرعب في العالم وتهيئة الرأي العام لتقبل أي رد فعل لإيقاف صدام عند حده .اما الهدف الأهم فهو خداع صدام نفسه وجعله يتصور حقيقة بأنه قادر على مواجهة جيوش أمريكا والعالم كله . لم يكن يخطر على باله أبدا من قبل ، ولم يكن يتجرأ حتى أن يحلم بأنه سوف يصبح ذات يوم الشخصية الأولى في العالم ويحتل واجهات جميع وسائل الإعلام ، وتنطلق المظاهرات المرددة لأسمه في جميع أرجاء الأرض. لقد نجحنا بتصعيد الحالة النرجسية الساذجة فيه إلى حد الجنون والفقدان التام لكل ارتباط بالواقع والحسابات العقلانية . كل هذا سهل كثيرا لجماعتنا المحيطة به بأن تفرض عليه إيحاءاتنا بصورة سهلة جدا ، مع إيهامه بأنه هو المالك الجبار والقادر الأوحد على اتخاذ القرارات! إسرائيل والمعارضة العراقيةكما هو معلوم ، أن هدفنا المرحلي الأول هو الحفاظ قدر الإمكان على نظام صدام لأن ديمومة هذا النظام تضمن ديمومة مشروعنا لتدمير العراق . لهذا فأننا نبذل كل ما في وسعنا وبكل حماس وصدق لمنع أي طرف مهما كان من تغيير النظام .ولكننا نعرف جيدا بأن صدام ونظامه ليس أزليا ، ولابد أن يأتي اليوم القريب أو البعيد لأن ينتهي ، سواء بالقوة او موتا طبيعيا . لهذا فأننا نحاول ان نخطط لوجود قوى قيادية يمكن أن تلعب دورا فعالا في عراق المستقبل. وعلى هذا الأساس يتحدد موقفنا إزاء المعارضة العراقية.يتوجب التوضيح ان هنالك في العراق نوعان من المعارضة :أولا، المعارضة المقيمة في الخارج ، وهي المعارضة المعروفة والمتداولة في الإعلام . أن تأثيرنا في هذه المعارضة محدود جدا ، لسببين ، أولهما ، لأنها بكل بساطة هي نفسها معارضة محدودة التأثير ومشتتة ( هنالك استثناء القوى الكردية وبعض الأطراف الإسلامية واليسارية التي تمتلك وجودا داخليا مهما ) . في كل الأحوال أن معارضة الخارج عدديا لا تمثل حتى عشرة بالمائة من مجموع العراقيين في الخارج ، حيث القسم الأعظم من هؤلاء العراقيين يعارضون النظام بطريقة صامتة أو من خلال نشاطات ثقافية واجتماعية متنوعة خارج التنظيمات الحزبية. ثم السبب الثاني والمكمل ، ان هذه المعارضة مع ضعفها وتشتتها هي أيضا مفتوحة جدا وتشبه السوق الشرقي الذي تتداخل فيها الدروب والأزقة والدكاكين والبسطات ، ويمكن بسهولة التيه فيه . أي أن هنالك في هذه المعارضة منافسون كثيرون لنا ، فحتى الذي يوافق على التعامل معنا يمكن ان يكون بنفس الوقت يتعاون مع جهات أخرى متنوعة ، تبدأ بالحكومة العراقية ، وتنتهي بالدول العربية والغربية المعنية بالشأن العراقي ، بالإضافة إلى تركيا وإيران وروسيا ، بل اكتشفنا انه حتى باكستان لها عيونها في هذه المعارضة !ثانيا ، المعارضة الداخلية ، وهي الأخطر والاهم لأنها تتشكل من قوى وتيارات بمعظمها غير معلنة وغير واضحة حتى لأجهزة المخابرات الحكومية . يمكن الاستعانة بأمثلة الأنظمة الاشتراكية لتوضيح هذه الإشكالية . فمن المعروف ان معظم التيارات والقيادات التي برزت بعد سقوط الانظمة الشيوعية ، كانت جزءا من النظام السابق ، لكنها كانت قادرة على أن تخفي مواقفها بانتظار الفرصة المناسبة. لهذا نحن على يقين بأن النظام القادم في العراق سينبثق من رحم النظام الحالي . رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها عناصرنا المتغلغلة في نظام صدام من اجل معرفة العناصر والتيارات المستقبلية ، فأننا فشلنا حتى الآن بتحديدها والإمساك الكافي بها ، لأن خطورة الوضع لا تسمح لها أن تعبر عن نفسها حتى بصورة عابرة ، لكننا على يقين من وجودها .أمام هذا الوضع الملتبس ، فأننا تمكنا بصورة غير مباشرة من توريط حلفائنا الأمريكان والبريطانيين بالقبول بإستراتجية جهنمية تتلخص بالتالي :بما أننا لا نستطيع الإمساك بالمعارضة العراقية الحقيقية ( الداخلية المستقبلية) فأن علينا الاستفادة قدر الإمكان من وجود المعارضة الخارجية من اجل التأثير على المعارضة الداخلية . وهذه الإستراتيجية تستند على محورين :1 استعمال معارضة الخارج كمصيدة لمعارضة الداخل . إننا مع حلفائنا نجحنا بتضخيم أهمية بعض الأطراف المتواطئة معنا من معارضة الخارج وجعلها هي المعارضة الرسمية المعترف بها دوليا وأمريكيا . من خلال هذه تمكنا من جذب الكثير من العناصر الداخلية للاتصال بمعارضة الخارج أملا بضمان الدعم الدولي لمشاريعهم السرية . إننا من خلال مصادرنا المتنوعة نجحنا بالكشف عن الكثير من هذه العناصر . وبما أننا غير قادرين بسهولة على الإمساك بهذه العناصر الداخلية وخصوصا العسكريين منهم ، فأننا فضلنا دائما فضحهم لنظام صدام والقضاء التام عليهم . طبعا لا نخفي عليكم بأن غالبية المنتمين لمعارضة الخارج لا يدركون حتى الآن أنهم بتقديمهم المعلومات إلى الأجهزة الأمريكية والبريطانية ، إنما يقدمون هذه المعلومات لنا نحن ، حيث نستخدمها من اجل إستراتيجيتنا الخاصة بعيدا حتى عن حلفائنا . 2 تدمير سمعة أي معارضة عراقية وإخماد روح المعارضة لدى كل العراقيين ، من خلال التعتيم التام على معارضة الداخل ، واعتبار معارضة الخارج هي المعارضة العراقية الوحيدة . وبنفس الوقت نقوم بكل ما نستطيع بتشويه سمعة معارضة الخارج وإسقاطها في الحضيض من خلال توريطها في فضائح مخابراتية وعلاقات تبعية لأمريكا بصورة إعلامية كاريكاتورية مكشوفة للجميع . إننا نشكر السماء لأن معظم قادة المعارضة العراقية في الخارج قد ورثوا ما يكفي من السذاجة والنرجسية (من سيدهم اللدود صدام) لكي يدخلوا في هذه اللعب الإعلامية والمؤتمراتية التي تحط من سمعتهم وتجعلهم في نظر الجميع ، بما فيهم الغربيين ، عبارة عن عملاء تافهين وأطفال حمقى في حضرة أمهم الطيبة والجبارة أمريكا !! إننا يمكن أن نقول بكل ثقة وفخر مرتاحون جدا لما حققناه وما نحققه حتى الآن من تحطيم مستمر للعراق ، دولة وشعبا ومعارضة . ولكن يمكن أن نضيف بكل صراحة وواقعية بأن ثقتنا هذه غير مضمونة أبدا بخصوص المستقبل ، بسبب عدم ضماننا السيطرة على اخطر سلاح تمتلكه الشعوب (والعراقيون على الأخص) يتجاوز في أهميته كل الأسلحة السياسية والعسكرية : سلاح الثقافة !!!التطورات الثقافية وخطورتها على إسرائيليتوجب أن نعترف بكل صراحة ، أننا لا نمتلك مشروعا مستقبليا واضحا بالنسبة للعراق (كذلك بالنسبة للدول العربية المحيطة) ، لأننا غير مطمأنون لطبيعة الفورة الثقافية السياسية التي بدت معالمها تتضح لدى النخب العربية ، وخصوصا النخبة العراقية التي عانت أكثر من غيرها من الاحباطات والكوارث، وآخرها حرب الكويت والدمار الشامل . أي بصريح العبارة أننا مهما خططنا سياسيا وعسكريا لاستيعاب التطورات ، إلا أن الجانب الفكري الثقافي يبقى هو الأهم ومن الصعب السيطرة عليه ، وخصوصا إزاء (صحوة الهوية) الكبيرة المطالبة بالعودة إلى الذات وبناء الهوية الوطنية ونبذ الأفكار القومية والحداثية القادمة من الغرب ، وتبني تيارا فكريا جديدا وجامعا أطلقوا عليه (تيار الوسطية)! أننا نشد انتباه الجميع إلى الخطورة المستقبلية لمثل هذا التيار الثقافي الجديد ، من الناحيتين التاليتين أولا ، كما تعلمون أننا منذ مطلع القرن الحالي ، وعبر (الحركة الصهيونية) والمؤسسات الأكاديمية والتبشيرية الغربية القريبة ، ساهمنا بصورة غير مباشرة بدعم انتشار الأفكار الحداثية من ليبرالية وقومية وماركسية ، لأننا نعرف أنها بالنتيجة تخدمنا وتبرر وجود دولتنا . رغم المواجهات العديدة التي خضناها ضد هذه التيارات ، إلا أننا كنا ندرك جيدا انها من دون قصد تقدم لنا الخدمة المطلوبة ، من خلال مساهمتها بتدمير الأسس الروحية والميراثية والدينية لهذه المجتمعات وزرع الشقاق بين الأطراف والأجيال والفئات المختلفة . ونشكر الله ان هؤلاء الحداثيون بمختلف اتجاهاتهم مع حكوماتهم العلمانية لم ينتبهوا الى الميزة الأساسية التي ظلت تمنح القوة الكبرى لنظامنا السياسي الاجتماعي ، والمتمثلة بالتوازن القائم بين التيار العلماني والتيار الديني ، بصورة تسمح للجميع ممارسة حياتهم من دون اعتداء على حياة الآخرين . بينما الحداثيون العرب ، بكل سذاجة ورعونة ، قرروا القطيعة التامة مع المجال الديني واحتقاره وعزله باعتبار رجعيا متخلفا ، ولم يدركوا أنهم بسلوكهم هذا قطعوا الرجل الثانية التي يسير بها جسم الدولة والمجتمع. منذ أعوام السبعينات بدأ خبرائنا يلاحظون بروز معالم (صحوة الهوية) المطالبة بالعودة إلى الذات ورد الاعتبار إلى الميراثات الوطنية الأصلية . لهذا فأننا أسرعنا بالتنسيق مع حلفائنا الانكليز والأمريكيين إلى وضع إستراتيجية غايتها تحطيم هذه الصحوة وتشويهها وحرفها عن مسارها . نجح الأمريكيون بالتغلغل في داخل الحركات الإسلامية المعادية للشيوعية وللسوفييت ، خصوصا من أنصار مجاهدي أفغانستان ، ودفعها لكي تقوم بممارسة العنف ضد الأطراف المدنية . بهذا تمكنا من تحويل (صحوة الهوية) هذه الى (صحوة دينية) ونوع من الردة السلفية العنفية الممقوتة من قبل المثقفين وعموم الناس وكذلك من قبل الغرب والعالم اجمع . وهذا الأمر ابقى على حدة الصراع بين التيارين الحداثي والسلفي ومنع الاستقرار السياسي والاجتماعي ، وبنفس الوقت منح الشرعية لصورة إسرائيل الحضارية المسالمة المعادية للإرهاب .لكننا الآن في الأعوام الأخيرة ، بدأنا نواجه تيارا جديدا أكثر حنكة وأكثر خطورة ، استطاع أن يتبنى (صحوة الهوية) بصورة ديناميكية وذكية قادرة على كسب التيارات المختلفة الرئيسية وتجميعها حول قواسم وطنية مشتركة وثابتة! وهذا التيار الثقافي الجديد يسمى (تيار الوسطية) ، والذي نجح بتكوين أساس فكري ونظري من اجل التخفيف من حدة الصراعات بين مختلف الأطراف المتناقضة ، وخصوصا بين الحاثيين العلمانيين وبين التقليديين المتدينين ، عبر تكوين (قاسم وسطي مشترك) يجمع ما بين الحداثة والأصالة ، بين الديني والعلماني ، بين المادي والروحاني . أن خطورة مثل هذا التيار الوسطي تكمن بقدرته على التخفيف من حدة التوترات الاجتماعية والسياسية وبث نوعا من الوئام بين تلك الأطراف التي نجحنا بجعلها متصارعة متناحرة منذ سنوات طويلة. ثانيا، أن الأكثر خطورة في هذا (التيار الوسطي) انه لم يكتف ببناء الجسور بين مفهومي الحداثة والأصالة ، بين العلماني والديني ، بل أيضا بناء الجسور بين مفهوميه لقومية والوطنية ) ، وهما من اشد المفاهيم التي نجحنا بجعلها متناقضة ولعبت دورا حاسما طيلة القرن العشرين ، ببث الشقاق والصراع في داخل الشعوب العربية وخصوصا في بلدان ما يسمى بالمشرق ( الهلال الخصيب) !! إننا كما هو معروف لديكم ، تمكنا منذ بدايات القرن ، ومن خلال مساهمتنا بنشر الأفكار الحداثية ، نجحنا أيضا بنشر أهم واخطر مفاهيمنا التي لولاها لما قامت دولتنا أبدا : (مفهوم القومية العرقية) وهو نفس مفهوم الصهيونية . إننا من خلال هذا المفهوم اقنعنا العرب بأنهم (عرب عرقيا وسلاليا ) وكلهم قادمون من الجزيرة العربية . وبهذا المفهوم القومي نجحنا بضرب عصفورين بحجر : إقناع الفلسطينيين ( ومعهم العرب والعالم اجمع) بأنهم عرب اقحاح قدموا فلسطين مع الفتح ، وبالتالي فأننا نحن يهود الشتات نمثل تاريخ فلسطين وشعب إسرائيل الأصيل . وما على الفلسطينيين إلا ترك بلادنا والعودة غالى ديار أسلافهم العرب . إننا منذ مطلع القرن نجحنا بتقسيم شعوب الشرق الأوسط ، ليس على أساس الوطن والأرض والتاريخ المشترك ، بل على أساس القوميات العرقية الدينية الطائفية . وساهمنا بكل إمكانياتنا وخبرائنا ، ومعنا كل المؤسسات التبشيرية والاستشراقية الغربية أن نصوغ لكل جماعة تاريخا قوميا دينيا طائفيا متميزا مع أصول عرقية وسلالية مختلفة، وإقناع كل منها على أنها (امة) متميزة بشعارات سياسية وأحلام وطنية توسعية . بهذا الأمر ضمنا انعدام الوحدة الوطنية وديمومة الصراعات القومية بين هذه الجماعات: عرب أكراد تركمان شركس سريان ، مسلمون مسيحيون ، شيعة سنة ..الخ .. بحيث أن كل منهم يمكن أن يحلم بتكوين دولة قومية كبرى على غرار دولتنا ! لكن المشكلة الآن ، أن هذا (التيار الوسطي ) المذكور ، بدأ يطرح مفهوما (وسطيا) جديدا وخطيرا قائم على أساس الرفض التام لكل المفاهيم التاريخية العرقية القومية السائدة ، سواء منها العروبية أو الصهيونية . أن الخطير في هذا التيار الجديد انه يعيد الاعتبار إلى ما أطلق عليه تسمية( تاريخ الأرض والوطن) بالتعارض مع (تاريخ العرق والقومية). معنى هذا انه يفند من الأساس كل أطروحاتنا الصهيونية التي قامت عليها دولتنا ، وظل يتبناها ، بصورة غير واعية ، العرب أنفسهم من خلال تبنيهم للمفهوم القومي للتاريخ . الأشد خطورة في هذا التيار انه بدأ يتغلغل بين مثقفينا أنفسهم ، مستفيدا من طروحات بعض مؤرخينا التي تعتبر أن تاريخ الثورات أسطوري وغير حقيقي ، وبالتالي فأن ميراث إسرائيل وارض الميعاد ليس له أي أساس اركيولجي تاريخي. وهذا يعني أيضا بأن الفلسطينيين الحاليين هم أنفسهم أحفاد اليهود والكنعانيين ، وهم ورثة كل تاريخ فلسطين بما فيه الحقبة الإسرائيلية !! إن هذا كما تتفقون هو عين التطرف والانحراف الذي يقرب إلى مستوى الخيانة الوطنية. مع احترامنا لحرية الرأي في دولتنا ، فأننا نبدي قلقنا من بعض التيارات المعتقدية التي راحت تنتشر بين الكثير من مثقفينا ومتعلمينا ، والتي تدعوا إلى التنصل عن أساسيات دولتنا اليهودية وإيماننا الصهيوني ، ودفع إسرائيل إلى الاتحاد مع السلطة الفلسطينية وتكوين دولة (فلسطينية عبرية) متعددة الأديان واللغات !! والمشكلة ان هذه الميول اللاوطنية(المسالمة) سوف تستفيد من حالة السلام التي ستحل بيننا وبين العرب ، من اجل الحصول على دعم من التيارات (الوسطية) والمسالمة العربية وإقناع شعبنا بمشروع تغيير الطابع اليهودي القومي لدولتنا . وهذا خطر جدي يستحق منا كل الانتباه والحذر . هذه الحقيقة المرة تجعلنا نعيد تأكيدنا على ضرورة استعدادنا لمواجهة مرحلة السلام المقبلة مع العرب ، وان نتذكر أبدا الفكرة القائلة : رغم السلام ، فأن حربنا مع العرب سوف لن تنتهي ، بل إن شكلها سوف يتغير . ستكون حربا قائمة على محورين ( التكنولوجيا والثقافة) . من ناحية التكنولوجيا فأننا معركتنا مضمونة الانتصار لأن البلدان العربية متأخرة كثيرا عنا . ولكن الخطر يكمن في معركة (الثقافة) ، لأنهم يمكن أن يعوضوا عن ضعفهم السياسي والتكنولوجي بنهضة ثقافية روحية يمكن ان تؤثر في نخبنا الفعالة وتجتاح مجتمعنا وكياننا من الداخل . المحصلة النهائية من إسهابنا بهذا التحليل ، بأن العراق ومستقبل العراق هو المستفيد الأول من مثل هذه التطورات الثقافية الخطيرة ، لأنها كما توضح لكم تؤدي إلى خلق هوية عراقية موحدة تكون الأساس لقيام دولة عراقية وطنية وممثلة لتنوعات الشعب العراقي ، قادرة على خلق الاستقرار والتطور وصنع قوة حضارية قد تتقارب مع سوريا وتجمع شمل ما يسمى ب (الهلال الخصيب) ، وتتحالف مع إيران وتركيا ...!! إننا في الخاتمة نود التذكير بالدور التاريخي الكبير لمسؤولنا ومؤسس مكتبنا ، الراحل ( ك،ن) ، ولا يسعنا إلا أن نعاهده على الاستمرار بالطريق الذي كرس عمره وحياته من اجله ، ويبقى هدفنا الأول والأساسي : إضعاف العراق ثم إضعافه ثم إضعافه..الهيئة الاسرائيلة الأمنية العليا مكتب شؤون العراقتقرير شامل عن تاريخ سياسة إسرائيل نحو العراق (سري وخاص