بضع سنين من الغيبة،وعقود من الغربة، و بضع شهداء ماتوا،وحصار دام ردحا من الزمن... لكنها عادت،عادت الفلسفة الى المؤسسات التعليمية ...استبشر البعض و هلل فرحا ... اختلطت دموع الفرحة بالم الانتظار... الفلسفة في مدرستنا ...هللوا ايها الرفاق القدامى ...العقل يقتحم منافذ الظلام و النور يلملم اطرافه لتعم اطيافه ارجاء العتمة...اجهدت نفسي بان عودتها ميمونة رغم الصفرة الباهتة التي علت وجهها.. ربما هو السفر القاسي وراء قضبان ...الحصار انهكها او الاهانات المتكررة اصابتها في نظارة وجهها.لا يهم لقد استوت فوق كراسي المدارس و بدات الحكاية ... جاؤوا بها من المنفى ليس حبا في عيونها.. وابدوا اهتماما كبيرا بملحقاتها وسعوا دائرتها في الجامعة فاستوت فوق الغيوم ... يريدونها للمرة الالف ان تنقدهم من الطوفان العظيم ... لكن اجواء الجليد اقتحمت منافذها و سممت مسامها انها تحس بالوحدة ...هي كفر هي الحاد هي ضلال يقول الفقيه فيردد التلاميذ الاسطوانة...احساسي بالوحدة يضجرني و صوت العقل المنادي لا يخبرني بحدوث انقلاب .السياسيون والعسكر و الفقهاء يخيفونني و المشاريع التعليميةالفاشلة منذ مسلسل التقويمات الاصلاحية الازلية تزحف على ذاكرتي...اتذكر المشهد جيدا ... على عتبة الفلسفة جلس السياسي بعد احداث 16ماي مستجديا.. استقبالها له كان باردا... ذرفت دمعتين وجلست تتحدى فصول الموت... خرجت التصريحات من بين حشود الافواه ان انتبهوا الفلسفة اصل الداء فاعيدوها الى الواجهة الزجاجية اللامعة... مفعولها كالسحر و اسقطت سهوا في الثانويات .. تكوين للمدرسين اشبه باغتيال العقل ان لم يكن هو الاغتيال ذاته .. طموح سياسي و حماسة لا تطاق .. وزراء و احزاب و نقابات يصدحون بالقول العجيب..اوريكا ..اوريكاالفلسفة هي الحل ...في مثل هذه الخطابات تتاكد من سذاجة الخطابات و في مثل اللحظات ينهال سيل من الاسئلة كشواظ على راسي :الا تزال عقيدة المخزن المترنح بعمائم بالية ثابتة ؟اليس احتفاء الرفاق بتمريغ الكرامة في وحل الارتزاق مذلة كبرى؟طيلة الطريق الى الثانوية تنهال على رأسي الالاف من الاسئلة ككرات الثلج المتدحرجة :كيف أدرس ؟ماذا أدرس ؟من هم الفلاسفة الجديرون بالتدريس؟هل ماتدرسه فلسفة أم أنه محض مهدئات القصد منها التنويم..؟السنا نحن مدرسو الفلسفة مجرد عبوات ناسفة وجدران واقية ضد زحف الارهاب المهدد للامن العام ،جئ بنا كأجراء من جيش البطالة العرمرم لتنفيذ مأتم جماعي اسمه اعادة الاعتبار للفلسفة؟أجيال عديدة ترعرعت على طول الغياب فنبتت على الارصفة وحوش مفترسة تزهو برغبة مزيفة في الشروع في البنا ء،لكن لون الفلسفة القاتم يخاطبني بأن أحلامك كارتونية ووديعة وأن نسيم الحرية القادم من بعيد مجرد وهم..