صدر أخيرا، عن الدار العربية للعلوم "ناشرون" ببيروت، ومنشورات "الاختلاف" بالجزائر، كتاب جماعي جديد حول أعمال الباحث والناقد المغربي محمد مفتاح، تحت عنوان "المشروع النقدي المفتوح". الكتاب، الذي ساهم في تأليفه مجموعة من الباحثين المغاربيين، كتب مقدمته الباحثان المغربيان، جمال بندحمان وعبد اللطيف محفوظ من مختبر السرديات بنمسيك.وتضمن الكتاب، إضافة، إلى المقدمة، ملحقا ضم جردا كاملا لكل كتابات محمد مفتاح "بيبليوغرافيا"، فضلا عن خمس دراسات تناولت جوانب مختلفة ومتكاملة من المشروع النقدي لمفتاح. وتمحورت الدراسة الأولى، التي كتبها الباحث المغربي جمال بندحمان، حول "المشروع الفكري لمحمد مفتاح، الأنساق الدينامية وفلسفة انتظام الكون". فيما تناول الباحث الجزائري محمد قراش في دراسته، محور "إشكال التحقيب في أعمال محمد مفتاح.. دراسة في الرؤيا والمنهج والأدلوجة"، أما الباحث التونسي محمد كحلاوي، فتطرق في دراسته إلى محور "محمد مفتاح والخطاب الصوفي". الدراسة الرابعة تناول من خلالها الباحث الجزائري عبد الحق بلعابد "دينامية النص بين عتبات التنظير وعلامات الإنجاز"، في حين تمحورت الدراسة الخامسة والأخيرة، التي أنجزها الباحث المغربي عبد اللطيف محفوظ من مختبر السرديات بنمسيك، حول "الخلفية السيميائية لتصور محمد مفتاح للترجمة".وحسب ما ورد في الغلاف فإن "كتابات الدكتور محمد مفتاح شكلت حدثا ثقافيا عربيا، لأنها سلكت مسلكا منهجيا مركبا قارب نصوصا متعددة وظواهر مختلفة، لذلك يواجه قارئ كتبه فيضا من المفاهيم والمرجعيات، ومقاربة لمتون تراثية وحديثة؛ دينية وشعرية وحكائية وموسيقية وتاريخية وفلسفية، مثلما يواجه مرجعيات فرنسية وألمانية وأنجلوسكسونية.ولعل هذا التعدد هو الذي منحها قيمة متميزة وجعل مقاربتها في حاجة إلى دراسات متعددة تتطلب من صاحبها، أو أصحابها، الاطلاع على علوم مختلفة ونظريات فلسفية متعددة وإحاطة بالخلفيات والمقاصد، أي أنها في حاجة إلى قراءة المؤرخ والأنتربولوجي؛ ومحلل الخطاب، والملم بنظريات الذكاء الاصطناعي، والدراسات السيميائية، والتداولية، والعارف بالتراث ومقوماته شعرا ونثرا، وإشكالاته التي كثيرا ما كان مصدرها المنهجية المتبناة، وما يمكن أن تقود إليه من نتائج تلغي كل قول بتأميم المعرفة، وجعلها مقتصرة على قراءة أحادية الرؤية".ولعل هذا هو ما يعكسه هذا الكتاب، باعتباره مقاربة جماعية لمشروع فكري مركب، فقد ساهم فيه باحثون من تخصصات مختلفة، ومن بلدان مختلفة، ما يساعد على التعرف على نتائج التلقي التي خلفتها كتابات محمد مفتاح لدى القارئ الأكاديمي العربي، إذ يضم دراسات لباحثين من المغرب وتونسوالجزائر، موزعة بين الدراسة الشاملة للمشروع في أبعاده السيميائية والتداولية، والدراسة التي ركزت على أحد المستويات التي عالجها المؤلف في كتاباته من قبيل التحقيب والتصوف والترجمة".كما صدر في شهر فبراير الماضي، مؤلف جماعي عن دار نشر المدارس المغربية، بعنوان "التأسيس المنهجي والتأصيل المعرفي.. قراءات في أعمال الباحث الناقد محمد مفتاح".وجاء في الإعلان عن صدور هذا الكتاب أنه يهدف إلى "الإضاءة المتجددة للمنجز النقدي والثقافي للباحث محمد مفتاح، تكريما مستحقا له، وتقديرا لجهوده العلمية المتواصلة التي تجسد إضافة نوعية للخطاب النقدي والثقافي المعاصر بالعالم العربي، واعترافا بأهمية هذه الجهود وإسهامها الخاص في تطوير المعرفة".أشرف على تنسيق إصدار الكتاب الناقد المغربي محمد الداهي، وشارك فيه كل من سعيد يقطين وأحمد بوحسن ومحمد الداهي وإسماعيل شكري ومحمد العمري وأحمد العاقد ورشيد الإدريسي وعبد الفتاح الحجمري وعبد الحميد عقار من المغرب، والطاهر رواينية وعبد الغني بارة من الجزائر، وتوفيق بنعامر ومصطفى الكيلاني من تونس، وهيثم سرحان من الأردن، ومعجب الزهراني من السعودية.يقول الباحث المغربي فريد أمعضشو، "يعد الناقد المغربي محمد مفتاح أنموذجا حيا للناقد العربي الحداثي، الذي استطاع أن يستقدم جملةً من المفاهيم و النظريات والمناهج العلمية محاولا استخدامها واستثمارَها - عمليا - في قراءة النص الأدبي العربي بقطع النظر عن الجنس، والزمن الذي ينتمي إليه".ويؤمن مفتاح بأن التقدم في مجال الإنسانيات متوقف على التقدم في العلوم الدقيقة، ويقول في حوارٍ أجري معه أواخر الثمانينيات من القرن الماضي "إن التقدم في ميادين العلوم الإنسانية رهين بالتقدم في العلوم البحتة. و النتيجة المنطقية هي أن التقدم في ميدان البحث الأدبي مدين لهذه العلوم. لذا، يبدو لي بعيد المنال جعل مصطلحات الأدب كاملةَ الانفصال عن هذه العلوم". و انطلاقا من هذا المبدأ، انبرى مفتاح في مشروعه النقدي ينادي بكسر الحواجز بين العلوم الإنسانية والعلوم البحتة، و يدعو إلى ضرورة انتفاع النقد الأدبي العربي بالعلوم المعاصرة و مناهجها و مفاهيمها.ويضيف فريد أمعضشو أن "مفتاح صاحب مشروع نقدي علمي طَموحٍ يراهن على إضافة "لبنة في صرح البحث العلمي، الذي يشيده الخطاب الفلسفي والخطاب اللساني والخطاب التاريخي والخطاب التأويلي والنقدي لصياغة فكر أصيل متحرر متفتح"، وكتب مفتاح في إطار مشروعه هذا مجموعة مهمة من الأبحاث والدراسات، فضلا عن عدد من المقالات المنشورة في صحف وطنية وعربية معروفة. ويلمس قارئ هذه الكتابات أنها تمتاز "بوضع أسئلة كبرى منشغلة بقضايا نظرية وفكرية أساسية، لها ارتباط وثيق بما تحقق و يتحقق اليوم من نظريات وأبحاث ومقاربات ذات ثراء وتنوع معرفيين.ويرى الباحث عبد المجيد نوسي، أن أعمال مفتاح "تميزت بالتفاعل. فكل دراسة تثير قضايا منهجية وإبستمولوجية تخضع للبحث والتعميق... هذه الملامح العامة تجعل الأعمال تندرج في إطار مشروع مترابط الحلقات، غني بالمقاربات الثقافية والفكرية، وبالإسهام المعرفي الخصب الذي يقدم المناهج و يسائلها ويستوحيها تحليلا ويكشف عن أصولها، ويضعها أيضا على محك النقاش".