ليس سهلاً لمحررة مثلي أن تكتب إنطباعاتها وملاحظاتها على حلقة من برنامج كان نجمها رئيس التحرير في الصحيفة التي تعمل بها. فالخشية دائمة في كل كلمة من أن تدخل الكتابة باب المداهنة المعتمدة عادة بين العامل ورب العمل، وبخاصة في مهنة تحتمل الكثير من التفسير والتأويل للسطور وما بينها. وبما أن متابعة برامج التلفزيون تحولت إلى واجب وفرض يومي مهني نقوم به نحن من نوقع هذا العمود أسبوعياً على التوالي بين الزملاء، قررت متابعة الحوار مع رئيس تحرير االقدس العربيب عبد الباري عطوان من منطلق مهني ومعرفي معاً، وتقصدت الكتابة وليس التجاهل. وبالطبع ليست المرة الأولى التي أتابع فيها برنامج اضد التيارب الذي تبثه قناة اروتانا موسيقى'، والذي كانت تقدمه الصحافية الجريئة وفاء الكيلاني قبل إنكفائها القسري بسبب مضاعفات الحمل، بحيث توالت وجوه صحافية متعددة على تقديمه كل وفق أسلوبه، بإنتظار أن تعود صاحبة البرنامج إلى مقعدها. وقد علمت من مصادر اروتاناب أن المدعوين والمدعوات لتقديم البرنامج كبديل مرحلي يُترك لهم إختيار الضيف الذي يرغبون بمحاورته، ويبدو أن الصحافية التونسية المشاغبة كوثر البشراوي كانت على رغبة كبيرة في محاورة الصحفي والكاتب الفلسطيني ورئيس تحرير االقدس العربيب عبد الباري عطوان. وقد شكل كتابه الأخير الصادر باللغة الإنكليزية اوطن من كلمات ذ رحلة فلسطيني من مخيم اللاجئين إلى الصحفة الأولىب جاذباً أولاً لها، مضافاً إليه الشهرة التي حققها منذ أكثر من عقد حتى الآن كمحلل سياسي عربي حاضر على الدوام في الفضائيات العربية والعالمية.في الدخول إلى سياق حضور عبد الباري عطوان في قناة اروتانا موسيقىب فهذا ما يحقق لمزيد من المشاهدين التعرف إليه وإلى أفكاره في السياسة بشكل خاص، وفي بعض القضايا الأخرى بشكل عام. ولمن يعرف عبد الباري عطوان مدلياً بآرائه وتحليلاته في السياسة رآه بكل تأكيد شخصية مختلفة في برنامج اضد التيارب. إبتعد عن صرامته وحدته في الدفاع عن مواقفه التي عهدناه عليها على الدوام. كان منشرحاً، مبتسماً، خاصة وأن كوثر البشراوي إعتمدت في حوارها معه أسلوباً يقترب إلى المُساءلة والإستفسار، أكثر من إعتمادها أسلوب الحشر أو الإستفزاز. وبخلاف بعض التعليقات التي صدرت منها كمثل القول لضيفها اأنتم كفلسطينين عبء على الجامعة العربيةب. أو القولبالأقصى حجر ويتعوض'، وكذلك حديثها عن الكوبونات النفطية العراقية، وقولها لضيفها بأنه شعبوي، بخلاف ذلك لأمكننا تصنيف الحوار بالعادي رغم جهد البشراوي في قراءة الكتاب في يوم ونصف اليوم.عبد الباري عطوان كان كالعادة صريحاً واضحاً، قادراً على الدفاع عن نفسه وبخاصة فيما يتعلق ببتهمة الشعبويةب فلم يتبرأ منها ولم ينفها، خاصة واننا أصبحنا في زمن تُداس فيه مشاعر الشارع العام وعواطفه القومية، فيما تسلك سياسة الحكام المنحرفين طريقها الملتوي والتدميري لكل المسلمات الوطنية.ما انتظرناه من حلقة اضد التيارب وإستضافة عبد الباري عطوان مزيدا من البوح والولوج في الجانب الإنساني، لأن الجانب السياسي منه معروف ومفهوم لكل متابع. وهذا لم يحصل لسوء الحظ. شخصياً ازددت إطلاعاً على بعض جوانب كتابه الجديد لأني لا أجيد الإنكليزية، كما جنيت ما يزيد من إعتزازي كعاملة ببالقدس العربيب وهي معرفتي بأن مليوني زائر ينقرون يومياً على موقعها الإلكتروني.جورج قرداحي: كفى تضليلا.. مع احترامنا الشديدتابعت بإهتمام برنامج االقوة العاشرةب الجديد الذي يقدمه المذيع والصحافي جورج قرداحي على قناة MBC، وهو الذي حقق شهرته من خلال برامج الأسئلة والربح وفي طليعتها امن سيربح المليونب. وفي آليات هذا البرنامج جديد نسبي يختلف عن سياق غيره من برامج المسابقات والربح التي قدمها القرداحي من خلال الشاشة نفسها. وما لفتني الأسئلة بحد ذاتها وما تحتلمه من تحليل وتفسير ودلالات على سلوكنا ومشاعرنا وطموحاتنا نحن العرب. فكل الأسئلة تركز على مجتمعنا العربي وهذا جيد جداً، دون الدخول في متاهة النسب بين الصح والخطأ التي يعتمدها البرنامج والتي من شأنها تسهيل الربح لكل صاحب فطنة متوسطة.السؤال الأول الذي أثار إنتباهي وإهتمامي 'ما هي نسبة العرب الذين تمنوا أن يصبحوا يوماً ما حكاماً أو رؤساء لبلدهم'؟ نظرت من خلال هذا السؤال إلى بلاد العرب من البحر إلى النهر، ومن أفريقيا إلى آسيا، فلم أجد مكاناً يتيح للمواطن العربي مثل هذا التمني 'غير المشروع' سوى لبنان. في حين أن البلدان الأخرى مملكة أو إمارة يورث فيها الحكم للعائلة. أما الجمهوريات فالأماني فيها مقموعة في السر قبل العلن. والرؤساء القائمون عليها هم لمدى الحياة، وإن أخطأ مواطن وحلم بهذا المنصب في نومه وليس في يقظته فنصيبه السجن إن لم يكن أكثر بتهم لها أول وليس لها آخر. لذلك أسألكم لماذا هذا السؤال غير الواقعي؟وعندما دخل البرنامج إلى السلوك الفردي عبر سؤالبما هي نسبة العرب الذين يقومون بحلق شواربهم إذا طلبت منهم حبيبتهم ذلكب؟ فقد جاءت النتيجة التي كان البرنامج قد توصل إليها من إستفتاء الناس في الشارع 48 بالمائة. حينها وجدت نفسي من دون إرادة أقول ايا عيب الشومب. ففي الزمن االغابرب كان الرجال يأتمنون الآخرين أو يستدينون منهم مقابل شعرة من شواربهم. وكانت النسوة إن وجدن شعرة من شاربي أزواجهن عالقة في أسنان المشط يحملنها إلى مكان آمن كي لا تدوسها قدم وإن عن طريق الخطأ. ويبدو أننا في عصرنا الحالي لم يعد لدى الرجال العرب ذلك الإعتزاز بالشاربين، ولم يعد أحد يستحلف رجلاً بشاربيه. ولهذا سهُل إجتثاثها ومن جذورها بطلب من الحبيبة أو حتى دون طلبها.وفي سؤال آخر كانت الفضيحة كامنة وواضحة في تلك الإحصاءات التي توصل إليها البحث قبل طرح السؤال. والسؤال كانب ما هي نسبة العرب الذين قرأوا كتاباً في الأشهر الست الماضيةب؟ وكانت النتيجة 48 في المائة أيضاً وهي مصادفة. هي نسبة فضائحية بكل المقاييس. فلست أملك الرقم الحقيقي بالطبع، لكننا معروفون بأننا أقل الناس قراءة، وبأننا من أكثر الشعوب إحتضاناً للأمية. ولو كانت النسبة صحيحة لكنا شعب يفكر بغير الطريقة التي نحن عليها. ولكنا أزحنا عن كاهلنا عبء الحكام الظالمين الجهلة. وغير هذا وذاك لكنا اقبرنا الفقرب نظراً لإنتشار المطابع ودور النشر والمكتبات الخاصة والعامة. نحن يا سادة يا كرام في حالة تراجع كبرى على صعيد القراءة والنشر والترجمة وكل ما يمت إلى القراءة والكتابة بصلة. شعوبنا فقيرة تلهث وراء لقمة العيش، وملايين منا يعيشون على دولار في اليوم. والميسورون منا يتابعون زيادة يسرهم، أما متوسطو الحال فيشقون ليل نهار للحفاظ على درجتهم الإجتماعية.ولهذا نقول للعاملين على هذا البرنامج كفى تضليلاً للناس بإحصاءاتكم الهمايونية. مع إحترامنا الشديد للصحافي والمذيع جورج قرداحي.صحافية من لبنان[email protected]