أجمع كل مستعملي الهواتف النقالة وما يلحقها من تكنولوجيا، في مجال الإتصال سواء كانت مكالمة أو بواسطة ''الأس أم أس''، أو'' الأم أم أس على ''أنها تُقرّب البعيد، وتقلص المسافات بين الأفراد والجماعات، غير أن الكثير منهم في المغرب لم يتفطنوا إلى أن هذه التكنولوجيا ساهمت بقسط كبير في القضاء على أهم عاداتنا وهي صلة الرحم. كانت مناسبات عيدي الفطر والأضحى في سالف الأوان بالمغرب، هي الفرصة الأكثر تشجيعا على صلة الرحم من خلال زيارة الأهل والأحباب بعضهم لبعض في منازلهم مهما بعُدت عن بعضها، ولو تطلب الأمر التنقل من مدينة إلى أخرى، من أجل تبادل التهاني وإحياء السمر العائلي الذي يوطد العلاقات بين الأسر والعائلات، ويضمن التواصل بين الأجيال القديمة والجديدة الذي من خلالها يتم غرس الثقافة الدينية والإجتماعية في نفوس من نشأوا وسط معترك الحياة التي غزتها التكنولوجيا الحديثة التي أبعدتهم نوعا ما عن تقاليد الأجداد والأسلاف من الأولين. والأمر كذلك بالنسبة للأصدقاء الذين كانوا يطرقون أبواب منازل بعضهم بعضا بعد نهاية صلاة كل عيد من العيدين الدينيين، الفطر والأضحى، ليقوموا بتبادل ''المغافرة'' فيما بينهم وبين عائلاتهم، وهذا كله في إطار الحرص على صلة الرحم وعدم قطع زيارة الأهل والأقارب، والأصدقاء تطبيقا لما أوصت به الشريعة الإسلامية التي نشرها سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وكان لهذا السلوك الحضاري والأخلاقي والتربوي، الممتد من جذور أصالة الشعب المغربي أثر في تثبيت أواصر المحبة بين أفراد المجتمع، سواء تعلق الأمر بالعلاقات العائلية، أو بالصداقة والأخوة الصادقة.ومما لا شك فيه أن كل أفراد المجتمع المغربي لا يستطيعون إنكار ما لمناسبتي العيدين من دور في ترقية هذا الجانب المرتبط بصلة الرحم التي وإن قارناها بالزمن الذي مضى، فإنها أضحت في السنوات الأخيرة مناسباتية و محصورة في وقت زمني يتيسر مرتين في السنة، كما أنه لا أحد منهم مهما بلغت به درجة الجحود، أن ينفي بروز دواعي التشجيع على قطع الأرحام، والمتمثلة فيما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال الاتصال، خاصة بعد دخول متعاملي الهاتف المحمول، وانتشار هذه الوسيلة عبر كافة المملكة المغربية بشكل يستدعي الانتباه، إذ صارت الأغلبية الساحقة ''ولا مغالاة في ذلك'' تكتفي بإرسال رنة من جوال تعقبها تهنئة على الخط السريع، لا تسد رمق الشوق بعد غياب، أو نشر رسائل تهنئة عبر ''الأس أم أس''، بطريقة عفوية عبر سلسلة من الأرقام قد لا يتحقق المرسل من هوية أصحابها، وحتى وإن حدّدت المرسَل إليه فإنها تكتفي بتدوين عبارة ''عيدكم مبروك وكل عام وأنتم بخير'' أو تسرد شعرات لا تمت بصلة إلى موضوع التهاني والتي تتردد كثيرا على العديد من الهواتف المحمولة في عيد الأضحى.وأدى هذا الأمر الغريب على مجتمعنا إلى انقطاع الأصدقاء عن تبادل الزيارات، كما كانوا في السابق، لأنهم اكتفوا بما أرسلوه ويتم الرد عليه فيما بين الهواتف الجوالة، وكذا كف الأهل والأقارب عن صلة أرحامهم، ما عدا القلة ممن لا زالوا يتمسكون بالعادات والتقاليد المغربية العريقة ضاربين عرض الحائط ما تتناقله الهواتف المحمولة، وما هو منصوص في نشرات ''الأس أم أس'' المتنوعة بدون جدوى، وفي غالب الأحيان فهذا الجانب المهم يخص الآباء والأمهات من الجيل القديم. ولا تدل الإشارة إلى هذا العامل التكنولوجي أنه يساهم في قطع صلة الرحم، على الدعوة إلى التخلي عنه، ولكن هي تذكير بسلبياته التي تساهم في القضاء على وسيلة توطيد العلاقات بين العائلات المغربية، وأبناء المجتمع الواحد، مع العلم أن نجاعته في هذا الاتجاه تكمن في السماح للأقرباء والأحبة الذين تباعدهم مسافات طويلة ولا يستطيعون التنقل لسبب أو لآخر، بالاتصال وتبادل التهاني.