بنص الحوار الذي أجرته اليومية " الاتحاد الاشتراكي" مع بوطيب عبدالسلام منسق اللجنة التحضيرية للمنتدى المغربي الأسباني من أجل الذاكرة المشتركة والمستقبل. نثير انتباهكم إلي أن الجزء المكتوب بالخط الأزرق لم ينشر في عدد يوم الأحد 23 من الشهر الجاري لاعتبارات تقنية.وفى إطار الاستعداد للأيام الدراسية الثانية حول " الذاكرة المشتركة: الديمقراطية حقوق الإنسان والمستقبل " التي ستناقش خلال هده الدورة الأبعاد المتوسطية و منهجية الاشتغال علي أسئلة الذاكرة المشتركة والتي من المزمع أن تعقدها شبكة الأمل للإغاثة والتنمية المستديمة بالحسيمة بتنسيق مع المنتدى نهاية شهر مارس المقبل . ......................................................................................................-أعلنتم بمعية مجموعة من الأطر الأكاديمية والفعاليات المدنية وخبراء في مجال حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية منذ أزيد من سنة عن تأسيس اللجنة التحضيرية للمنتدي المغربي الأسباني للذاكرة والمستقبل. والي اليوم ما زلتم تشتغلون في إطار اللجنة التحضيرية ما هي أسباب ذلك؟--- صحيح أعلنا عن تأسيس اللجنة التحضيرية للمنتدي المغربي الأسباني للذاكرة والمستقبل منذ أزيد من سنة وما زلنا نشتغل في إطار هذه اللجنة. إلا أن الزمن الفاصل بين هذا الإعلان واليوم لم يكن وقتا ميتا، بل حاولنا خلاله التفكير في الموضوع بعمق أكثر بعد أن تشكلت لدينا قناعة أن هذا الموضوع سيرهن العلاقات الدولية للربع القرن المقبل. وخلال هذه المدة عقدنا عدة لقاءات داخلية بين أعضاء اللجنة التحضيرية، حضرنا في ندوات دولية تتناول موضوع الذاكرة أهمها ندوة جنيف في موضوع ذاكرة العبيد التي أقيمت في رحاب قصر الأممالمتحدة، ساهمنا في ندوة الحسيمة حول "الذاكرة المشتركة حقوق الإنسان، الديمقراطية والمستقبل "، شاركنا في اللقاء السنوي الذي تعقده جمعية "لنتذكر كرنيكا" الباسكية، نفذنا مع فعاليات حقوقية أسبانية وقفة احتجاجية أمام المعمل – لا ما رينيوسا - الذي كان وما يزال ينتج القنابل الكيماوية التي سحق بها الريف والريفييون زمن مقاومة محمد بن عبدا لكريم الخطابي ورفاقه ، وهذا المعمل لا يبعد عن العاصمة الأسبانية مدريد إلا ببضع كيلومترات . أطرنا بمعية الأصدقاء في نقابة الكونفدرالية العامة للعمال الاسبانية يوما دراسيا حول الذاكرة في الذكري السبعين للحرب الأهلية الأسبانية. وشاركنا أخيرا في الندوة الدولية التي استضافتها جامعة غرناطة في موضوع " الذاكرة والتاريخ " وقدمت خلالها مداخلة هي في العمق تقييم لتجربة سنة من العمل في اللجنة التحضيرية وكانت في موضوع " قراءة وتحليل للإعلان الختامي لندوة الحسيمة في موضوع " الذاكرة المشتركة حقوق الإنسان الديمقراطية والمستقبل " . وهي مداخلة فتحت لنا نوافذ جديدية علي عالم جديد وهو عالم الجامعة الأسبانية التي لم نقترب إليها فيما سبق . بالإضافة إلي أنها قربت الموضوع من المساهميين في هذه الندوة الدولية. وقبلها وجهت باسم اللجنة التحضيرية رسالة مفتوحة إلي العاهل الأسباني غداة زيارته المستفزة إلي مدينتي سبتة ومليلية . كما عقدنا لقاءات جانية في الموضوع في كل اللقاءات الدولية التي حضرناها سواء في منتدي لشبونة أو في لقاء الخبراء العرب في مجال العدالة الانتقالية الذي احتضنته الرباط قبل أيام . بعد كل هذه اللقاءات وقبلها بقليل تبين لي أن هناك غموض كبير يلف هذا مفهوم – الذاكرة المشتركة أو من أجل دقة أكثر استرجاع الذاكرة المشتركة أو بناء الذاكرة المشتركة - إن علي مستوي تعريف المفهوم، أو علي مستوي منهجية التعاطي معه أو حتي علي مستوي الحقل المعرفي الذي ينتمي إليه- ذلك أن المؤرخين يحسون أن هناك محاولة سطو من قبل السياسيين والحقوقيين علي جزء من مجال اشتغالهم ، والحقوقيون الذين تشتغلون علي الذاكرة المشتركة ، خاصة من اشتغل منهم علي تجارب من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان مسترشدا بمناهج "علم" العدالة الانتقالية - وان كان هذا "العلم" يعالج الانتقال الداخلي من نظام غير ديمقراطي إلى أخر أكثر تقدما منه ويتناول إشكالات الذاكرة الوطنية - يحاولون وضع مسافة كافية – علي الأقل في المراجل التأسيسية لهذا المشروع السياسي- الحقوقي بينهم وبين المؤرخين أو القانونيين الذي يشتغلون علي ملفات العلاقات الدولية بكل امتداداتها .- وأنت منهم بطبيعة الحال ؟نعم.زد علي كل هذا أن هناك محاولات للاستغلال السياسوي لملف الذاكرة المشتركة من قبل السياسيين بشكل يسئ إليه كثيرا. عندما يتم التركيز من قبل البعض علي شق واحد فقط من الملف.- ماذا تقصد بالضبط ؟سأعطيك مثالا ، في مؤتمر لشبونة الأخير طالب العقيد معمر القافي بضرورة تعويض الأفارقة عن مرحلة الاستعمار .قد يكون المطلب عادلا ومؤسسا لكن علي العقيد أن ينتبه إلي أن التعويض مهما كان مهما بالنسبة للمتضررين- أفرادا وجماعات ودول - يبقي جزء بسيط من معالجة ملف الذاكرة المشتركة . وانه ليس هو الحق الوحيد لضحايا الاستعمار وجرائمه.لهؤلاء الضحايا – أفرادا وجماعات ودول حقوقا غير قابلة للتجزؤ. انه نفس الخطأ الذي سقط فيه الجزائريون عندما استعملوا ملف الذاكرة للضغط اقتصاديا علي الدولة الفرنسية عقب زيارة نيكولا ساركوزي لهم أخيرا . ذلك أن الشؤون الاقتصادية والتبادل التجاري والأسبقية الاقتصادية شئ وقضايا الذاكرة المشتركة وما تستتبعها من إجراءات شئ أخر .وكلما تم خلط العمل علي المستويين معا كلما سقطنا في الاستغلال السياسوي أو الاقتصادوي للذاكرة المشتركة.وبردود فعل أكثر تشنجا من قبيل ما أقدمت عليه الدولة الفرنسية عندما قررت أن تلقن لأبنائها بأن الاستعمار كان ايجابيا علي الشعوب التي خضعت له .بالنسبة لي هذا الرد الفرنسي المتشنج يدخل في إطار الفعل ورد الفعل طالما أن الناس لم تؤسس بعمق لا فكريا ولا نظريا ولا منهجيا لطرق التعامل مع أسئلة الذاكرة المشتركة من حيث المعالجة ومن حيث استخدامها لبناء الغد المشترك .بما فيه هذا الفضاء المتوسطي الذي ينادي به نيكولا ساركوزي. . - هل هذه هي أسباب تأخركم عن إعلان النشكلة الرسمية للمنتدى ؟ نعم، كل هذا يجعل المهتمين بهذا الموضوع – سوءا كانوا حقوقيين أم سياسيين أم أكاديميين أم غيرهم من المهتمين يحتاطون كثيرا قبل الإقدام علي أي خطوة في هذا الاتجاه. واعتقد أننا نحن كذلك في اللجنة التحضيرية للمنتدي المغربي الأسباني للذاكرة المشتركة والمستقبل وقعنا تحت تأثير كل هذا أو شئ منه. الشئ الذي جعلنا نتريث ونحسب كل خطواتنا بميزان بيض النمل. لأنه كما قلت لك سابق فملف الذاكرة المشتركة سيرهن مستقبل العلاقات الدولية علي مدي الربع القرن المقبل خاصة علي مستوي حوض البحر الأبيض المتوسط .-تقرون بصعوبة تحديد المفهوم - أي الذاكرة المشتركة أو استرجاع أو بناء الذاكرة المشتركة – كما تقرون كذلك بصعوبة تحديد المجال المعرفي للاشتغال عليه ومنهجية تناوله ؟ أنتم في المنتدى ماذا تقصدون بالذاكرة المشتركة وكيف ستتناولونها ؟ وبأية منهجية ؟ صحيح انه مفهوم دقيق ويكتنفه كثير من اللبس، مثلا في الأيام الدراسية حول موضوع "الذاكرة المشتركة حقوق الإنسان ، الديمقراطية والأفاق ،التي احتضنتها مدينة الحسيمة أيام 2-3- و4 مارس 2007 رصد الأخ عبد الفتاح الزين، الذي كان مكلفا بالتقرير التركيبي ، استعمالات متعددة لمفهوم الذاكرة والذاكرة المشتركة ذلك أن المتدخلين الثمانين استعملوا مفهوم الذاكرة مقرونة بعدد من النعوت المفارقة من قبيل: الذاكرة الجماعية/الجمعية، الذاكرة الفردية/الخاصة، الذاكرة المحلية، الذاكرة العفوية، الذاكرة الاجتماعية، الذاكرة التاريخية الذاكرة المشتركة ..الذاكرة الديمقراطية ... وهو تعدد يبين إلى حد كبير صعوبة تمثل الذاكرة ووظيفتها في بناء المشترك من خلال تجاوز الإسقاطات الذاتية والتصورات التي تتأسس على وقائع بعينها. فالذاكرة كما تم التعبير عن ذلك فى هذا اللقاء لا تخوم لها، إنها زمن يسير باستمرار شاملا كل لحظات الماضي القريب المنفلت من قبضة الحاضر. إنها من حيث توظيفها من قبل عدد كبير من المتدخلين في هذه الأيام الدراسية تشبه إلى حد كبير وظيفة مرآة الرؤية الارتدادية (rétroviseur = مرآة تساعد السائق إلى رؤية ما خلفه). في لقاء كرنيكا – بلاد الباسك – و في الذكري السبعين للحرب الأهلية الأسبانية مكثنا زهاء يوم كامل نناقش مفهوم الضحية والجلاد .تصور معي بعد كل هذا الزمن الذي مر علي الحرب الأهلية الأسبانية نظل نناقش المفهومين ليوم كامل خاصة أن منا من أتي من الأرجنتين أو من الشيلي ونيكاراكوا ليجد نفسه أمام هذين المفهومين ويساهم بكل ما أوتي من قوة فكرية ونظرية ليوضح للناس الفارق بين المفهومين .وذلك بغية توضيح الرؤية وبناء نظرة شمولية عن هذا الماضي الذي لا يريد أن يمضي .في اللقاء الأخير بجامعة غرناطة الشهيرة بريادتها علي مستوي الدراسات الإنسانية، احتدم النقاش حول المجال المعرفي الذي يجب أن يتناول إشكالات الذاكرة وبدا المؤرخين أكثر تشددا كمن يحس أن الآخرين يريدون أن يقتطعوا منهم جزءا من اهتماماته المعرفية. ذلك أن بعض المؤرخين، الفرنسيون منهم علي الخصوص ممن حضروا اللقاء ، نفوا وجود ما يصطلح عليه باسترجاع الذاكرة التاريخية في أية لغة باستثناء اللغة الأسبانية . وأوصوا بضرورة الإنصات في هذا الموضوع إلى المؤرخين ولا أحد غيرا لمؤرخين .الشئ الذي لم يرق الجهة المنظمة التي أبانت عن استعداد كبير من اجل المضي في اتجاه " استعادة الذاكرة الديمقراطية " ما أثارني في لقاء جامعة غرناطة هو طغيان الهاجس السياسي الذي تسبب في تعدد تعريفات الذاكرة . - ما هي هذه التعريفات ؟ الذاكرة هو هذا الماضي الذي لا يريد أن يمضي، الذاكرة هو الماضي الحي فينا، الذاكرة هو الجزء الحي من تاريخنا الذي لا يريد أن يذهب إلي مقصلة المؤرخين، الذاكرة هو جزء من التاريخ الذي يريد أن يكتبه المنهزمون، الذاكرة هي المعركة الأخيرة علي جبهة التاريخ. الذاكرة هو إلاعلان المتأخر عن انتصار المنهزمين. - وبالنسبة لكم في اللجنة التحضيرية للمنتدي المغربي الأسباني كيف تعرفون الذاكرة المشتركة ؟ علي أن أقدم توضيحا أوليا في هذا الباب وهو أننا في اللجنة التحضيرية للمنتدي المغربي الاسباني للذاكرة المشتركة والمستقبل قررنا أن نشتغل علي البعد الحقوقي-السياسي للذاكرة المشتركة. و لا نتوخى الاشتغال علي أي بعد آخر.لذا بالنسبة لي – وليس لكل أعضاء اللجنة التحضيرية - الذاكرة المشتركة هو هذا الماضي الذي لا يريد أن يمضي وهو الجزء الحي فينا من تاريخنا الذي لا يريد أن يذهب إلي "معرض الجثث"la morque المؤرخين.وهي في نهاية المطاف مجموعة من الأحداث المؤلمة – انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بالمفهوم الحقوقي الآن - التي لها اثر مباشر علي معيشنا الحاضر وكذلك – وبدون شك – علي مستقبلنا. وأن معالجتها هي أساس بناء المشترك مع المحيط الإقليمي و الجهوي وفي خطوات مستقبلية مع الإنسانية جمعاء. قد تتعدد التعريفات وتختلف الصيغ اللغوية المستعملة للتعريف لكن المهم بالنسبة لنا – ومادام أن الموضوع جديد وليس فيه كتابات ولا تنظيرات كافية - هو الاجتهاد في مجال منهجية الاشتغال علي إشكالات الذاكرة المشتركة. أكاد أن أجزم أن لا علاقة مباشرة بين المؤرخين – بمن فيهم أولئك الذين يشتغلون علي ما يعرف بتاريخ الآنHISTOIRE IMMEDIATE - والذين يشتغلون علي إشكالات الذاكرة فهذه العلاقة تكاد تنحصر في نفس العلاقة التي تجمع هؤلاء المشتغلين علي إشكالات الذاكرة المشتركة وكل الباحثين في مجالات العلوم الإنسانية والاجتماعية وحتي القانونية .ذلك أن الأسئلة التي تطرحها إشكالات الذاكرة المشتركة هي بالأساس سياسية ذات منحي حقوقي محض تستهدف معالجة أثر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المقترفة من طرف قوة ما في حق شعب ما أفرادا وجماعات وفى حق الدول. وهذه المعالجة تتطلب التسلح بمنهجية واضحة وبرؤية دقيقة كما أكدت لك سلفا .بالنسبة لنا الوقائع التي نشتغل عليها مؤكدة تاريخيا ليس عند طرفي المعادلة أي المغاربة والأسبان بل عند العالميين . لا احد يمكن أن ينكر يوما أن اسبانيا استعمرت شمال المغرب ( ما كان يعرف آنذاك بالمغرب الخليفي) وان لهذا الاستعمار مخلفات سلبية كثيرة يجب معالجتها إن آجلا أم عاجلا ، لا أحد يمكن أن ينكر أن اسبانيا قنبلت أهل المناطق المستعصية عليها بالقنابل الكيماوية السامة والتي ما زال أثرها قائما إلي اليوم ذلك أن بالريف أعداد هائلة من المواطنين الذين يعانون في صمت من جراء أنواع من السرطانات أكدت دراسات علمية أن لها علاقة مباشرة بما تم قنبلة الريف به من قبل الأسبان ، لا أحد يمكن أن ينكر أن العسكر الذين تمردوا علي الحكومة الشرعية في مدريد صيف 1936 جيشوا الآلف المؤلفة من المغاربة ليخوضوا حربا دامت ثلاث سنوات وحصدت منهم الآلف دون أن يعرفوا أي شئ عن هذه الحرب وأن من بين هؤلاء أطفال كانوا يلقبون بأطفال طابور "لالايما" ، لا أحد يعرف بالضبط كم من المغاربة شاركوا في هذه الحرب إلي جانب الطرفيين المتصارعين ولا أحد يعرف أي شئ عن مصير هؤلاء ومصير عائلاتهم . وقبل هذه الحرب الأهلية ، أي سنة 1934 ، جيشت الدولة الاسبانية عددا كبيرا من المغاربة لضرب الحركة العمالية في استورية ، وقد ارتكب هؤلاء المغاربة – الذين كانوا تحت الأمر العسكري – فضاعات بشعة في حق العاملات بالخصوص. لا أحد يمكن أن ينكر أن في تاريخ ما - مهما كان بعيدا ، لان البعد الزمني لم ولن يضف أية شرعية علي أي نوع من الاحتلال - استعمرت اسبانياسبتة ومليلية وعدد من الجزر وأن هذا التواجد الاستعماري له انعكاسات حقوقية واقتصادية خطيرة علي المغرب والمغاربة .هذه أحداث لا أحد يمكن أن ينكرها . بعض منها تدخل في خانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والبعض الآخر ضمن جرائم ضد الإنسانية تصل في حالة القنبلة بالغازات السامة – مثلا - إلي جرائم الإبادة.إن لهذه الأحداث مجتمعة أثر سلبي جدا علي المغرب والمغاربة وعلي الجوار بين المغرب واسبانيا وعلي مستقبل العلاقات بين البلديين لذا لا مفر من العمل سويا لمعالجة أثر هذه الانتهاكات معالجة شاملة.لكن السؤال الهام بالنسبة لنا هو كيف يمكن لنا معالجة كل هذه الملفات التي ترهن مستقبل العلاقة المغربية الاسبانية معالجة شاملة دون السقوط في الابتزاز السياسي والاقتصادي – كما هو سائد اليوم في العلاقة الفرنسية الليبية أو العلاقة الفرنسية الجزائرية - ولا في لعب دور الضحية الذي يستجدي – كما هو الحال بالنسبة لأولئك الذين يربطون التنمية والذاكرة بشكل استجدائي - ولا الناقم الأبدي علي جلاديه – كما يريد أولئك الذين يريدون أن يلعبوا دور الضحية طيلة حياتهم – في اعتقادي أن معالجة هذا الملف يستهدف في المنتهي بناء علاقة مغربية اسبانية أساسها احترام كرامة الناس باعتبار أن الكرامة هي أساس حقوق الإنسان . وهذا بالضبط هو الذي دفعنا إلى الاشتغال علي ملف الذاكرة المشتركة .لذا أقول أن الأسئلة المرتبطة بالذاكرة المشتركة - كما هي بالنسبة لذاكرة شعب واحد - هي أسئلة سياسية ذات منحي حقوقي وتستوجب الاجتهاد لتعميق النظر في المنهجية التي يمكن أن نتبعها لمعالجة أثر هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي مورست في حق شعب من الشعوب . واعتقد أن الاسترشاد بمنهجية العدالة الانتقالية سينفعنا كثيرا في التعامل مع أسئلة الذاكرة المشتركة،فإذا كانت العدالة الانتقالية موضوع محكوم بثلاثة مكونات هي حقوق الإنسان ؛القانون والسياسة وتنبني على الأقل على خمس مقاربات هي الكشف عن الحقيقة ؛جبر الأضرار؛حفظ الذاكرة ؛ المساءلة ؛ و التأسيس للمستقبل فان منهجية التعاطي مع أسئلة الذاكرة المشتركة – محكومة هي كذلك – في اعتقادي المتواضع ووفق ما استطعت أن أستخلصه من جميع الندوات التي حضرتها في الموضوع - بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، القانون الدولي الإنساني والعلاقات الدولية وعلي الأقل علي نفس عدد المقاربات وهي الكشف عن الحقيقة فى كل امتداداتها ،جبر الأضرار الفردية والجماعية بما يوازي طبيعة وعنف الجرائم المرتكبة في حق الناس والدولة ،حفظ الذاكرة التي تصبح ذاكرة مشتركة ، الاعتراف السياسي بما تم اقترافه من جرائم حقوقية في حق الناس والدولة . والمقاربة الخامسة وهي المهمة بالنسبة لنا في المنتدي هي التأسيس للمستقبل المشترك وهذا التأسيس للمستقبل المشترك يتم بالضرورة عبر تقوية الديمقراطية في البلدان المعنية بقضايا الذاكرة المشتركة ذلك أن الديمقراطية لا تبنى على النسيان كما لا تنحصر شروط بنائها في معرفة الماضي فقط . وهنا يسرني دائما أن أستحضر مقولة لماري روبنسون – وان كانت تتحدث علي الانتهاكات الداخلية لحقوق الإنسان – حيث قالت ”انتهاكات اليوم لحقوق الإنسان هي مصدر لصراعات الغد“لذا وجب علينا الانخراط في هذا المشروع الذي يتموقع في مستقبل شعوب أو كما قال الراحل إدريس بن زكري ”لا ينحصر الأمر في تقاسم معرفة ما حدث في الماضي وإعادة تملكه، بل يتعداه، عبر الجدل البناء، إلى التحفيز حاضرا، على إبداع معايير وقواعد عيش مشترك، يسهم الجميع من خلالها في بناء المستقبل“ - هل وجدتم تفاعلا ايجابيا من قبل الأسبان طيلة المدة التي اشتغلتم فيها كلجنة تحضيرية ؟كما سبق لي أن قلت لك أن طبيعة الموضوع وامتداداته السياسية والحقوقية – بالإضافة إلي الطريقة الجديدة التي نحاول أن نطرحه بها – تجعل الناس مغاربة وأسبان يحترزون كثيرا. بالنسبة لأغلبية الأسبان الذاكرة المغربية الاسبانية المشتركة في بعدها الحقوقي لا تعني أكثر من مساهمة المغاربة إلي جانب فرانسيسكو فرانكو والجرائم التي ارتكبها هؤلاء في حقهم جميعا وفي حق نسائهم بالخصوص . قليلة هي المرات التي أسمع فيها عندما أحضر إلي ندوات في اسبانيا عن شئ آخر ساهم به المغاربة أو مكروه أصابهم به الأسبان إلا ما أصاب به – المورو أو la guardia mora - الجمهوريين غداة الحرب الأهلية الاسبانية. قليل هم من يتحدثون عن سحق الريفيين بالغازات السامة ، قليلون من يذكرون بأن من جاء بهم فرانكو كانوا فقراء لم يفقهوا في صراعات القرن الماضي أي شئ ، قليلون من يتحدثون علي أن ما زال هناك مستعمرات اسبانية في شمال المغرب تستوجب فتح نقاش عميق بين كل المعنيين بأمر تلك الأراضي ، قليلون هم من يتحدث اليوم في اسبانيا عن ضرورة ايلاء الفترة الاستعمارية ما تستحقه من مراجعة .سأحكي لك أشياء غريبة في هذا الصدد، لكن أتركني أحكي لك آخر ما عشته مع الموضوع.في اللقاء الأخير الذي نظمته جامعة غرناطة حول" التاريخ والذاكرة "- وما أدراكما جامعة غرناطة - لم تستسغ مندوبة حكومة الأندلس في شؤون استرجاع الذاكرة حضور حقوقي مغربي – باحث في مجال ايتيكة حقوق الإنسان والحقوق الأساسية ونائب لاحدي أهم الجمعيات في العالم في مجال الحقيقة والإنصاف - إلي اللقاء الأكاديمي العلمي الذي حضره العشرات من الخبراء الدوليين في المجال من مختلف التخصصات التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بموضوع الذاكرة والتاريخ .لقد قالت لي بالحرف :-كيف استطعت أن تكون بيننا ؟علما أنني – مثلها - تلقيت دعوة رسمية من جامعة غرناطة ومن اللجنة العلمية التي سهرت علي قراءة وتقييم المساهمات العلمية .بعد أن توصلت بمداخلتي التي كانت في موضوع " قراءة وتحليل في التقرير التركيبي لندوة الحسيمة في موضوع الذاكرة حقوق الإنسان الديمقراطية والمستقبل " وهي الندوة التي كانت قد عقدتها شبكة الأمل للإغاثة والتنمية بالحسيمة بداية ربيع هذه السنة . وعندما اشتكيت الأمر إلى أحدنا معارفنا المشتركة علي طاولة العشاء التي جمعتني مجددا بهذه السيدة .قال لي وهو يسخر من صديقته . لقد كنت محظوظا وإلا كانت قد سألتك .- ماذا يفعل هنا هذا " المورو"- الذي تسبب أجداده في هزيمتنا إبان الحرب الأهلية - ونحن نناقش أثر هذه الحرب علي واقعنا اليوم ؟ولكن هذه الحالة لا تنفي أن أسبان كثيرون يدعمون مسعانا الهادف إلي بناء المستقبل المشترك الخالي من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ومن العودة إلي همجية الأزمنة الغابرة.سواءا في مدريد أو غرناطة أو بلباو أو قاديس أو في مدن أخري من الدولة الاسبانية . لقد استطعنا خلال هذه المدة أن نربح أصدقاء كثيرون سواءا من المجتمع المدني ، من الجامعة أو من بعض الحكومات المحلية .-وبالنسبة للمغاربة ؟كثيرون من المغاربة اعتقدوا في البداية أننا نؤسس لمنتدى ريفي اسباني ، لذا كانت هناك تحفظات من لدن العديد منهم .إلا أن تدخلات أعضاء اللجنة التحضيرية في ندوة الحسيمة السابقة الذكر – والتي حضرها كل قادة التنظيمات الحقوقية بالمغرب وفي كل اللقاءات التي حضرناها في المغرب أو اسبانيا – أوضحت للناس جميعا – الأسبان والمغاربة – السياق الجغرافي والتاريخي الذي نريد أن نشتغل عليه . وأوضحت للقائلين - من الساكنة المحلية - بأننا نحاول تهريب موضوع ذو خصوصية محلية إلى جهات غريبة عنه فلسفة المشروع وأهدافه و المسافة التي نريد أن نرسمها مع كافة المعنيين بالموضوع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ورغم كل هذا لا زالت هناك ممانعات من هذا الطرف أو ذاك وهذا شئ جد طبيعي وسنتغلب عليه من خلال التقدم في الاشتغال علي الموضوع ومن خلال النتائج التي سنحققها علي أرضية الواقع سواء علي مستوي الاجتهاد لبلورة منهجية الاشتغال علي الموضوع – في الفترة الأولي - أو من خلال الاشتغال مستقبلا علي ملفات معينة .أعتقد أن المرحلة المقبلة تتطلب نوعا من التركيز و عمق النظر لأننا سنشتغل فيها علي منهجية العمل لذا سوف لن نحتاج إلا إلي من يمكن أن يساهم معنا نظريا علي هذا المستوي . و أفكر مع عدد من الأصدقاء مغاربة وغيرهم في تأسيس مركز دراسي حول الذاكرة المشتركة سيكون هدفه الأول والأساسي هو الاشتغال نظريا علي أسئلة الذاكرة المشتركة.إلا أن هذا الأمر يتطلب إمكانيات مادية وبشرية مهمة جدا . -أعلنت شبكة الأمل في بلاغ لها نهاية الصيف الماضي عن انخراطها في الاستعداد للدورة الثانية للأيام الدراسية حول " الذاكرة المشتركة، حقوق الإنسان والديمقراطية ". أين وصلت الاستعدادات وما هو موضوع هذه السنة .صحيح، لقد أعلنا في شبكة الأمل عن ذلك. وتعرف أن الشبكة جددت في الأسابيع الأخيرة هياكلها التقريرية والتنفيذية . ولم يجتمع بعد المكتب الجديد لتوزيع المهام وتحيين الأنشطة التي أعلنا عنها. لكن بالنسبة للإخوة في الأمل فقد تشكلت لديهم قناعة بالغة بأهمية الاشتغال علي الذاكرة المشتركة لما لهذا الموضوع من علاقة مباشرة مع مجال اشتغالهم. بدورهم الإخوة في شبكة الأمل مقتنعون بضرورة الاشتغال علي الشق المنهجي و استثمار خلاصات الدورة الأولي و تنفيذ توصياتها . لذا فدورة هذه السنة ستكون بدون شك حول منهجية الاشتغال والبعد المتوسطي للذاكرة المشتركة .-مما لا شك فيه أنك تتبع تحركات بعض الشخصيات والجمعيات في شمال المغرب المطالبة بتحرير مليلية وسبة والجزر .لماذا لم تنخرطوا كمنتدي فيه هذه الدينامية ؟ المتتبع لكل هذه التحركات سيخلص إلي أنها محكومة برد الفعل ، قد تكون مثل هذه التحركات الفردية و الجماعية مفيدة لقضية سبتة ومليلية والجزرأو العكس . ومما لا شك فيه أن المنخرطون فيها يسكنهم الهاجس الوطني بالقدر الذي يسكننا جميعا. لكن أتركنا أن نكون واقعيين – فأنا ما زلت مقتنعا أن الثورة أو الحقيقة أو المستقبل يتحقق عبر التحليل الملموس للواقع الملموس.إذا سألنا اليوم ساكنة سبتة أو مليلية – أتحدث معك في الموضوع باعتباري ابن عائلة جاءت إلى الحسيمة من منطقة بوعنانة المحاذية لمليلية –- كم من مغربي يقطن المدينة سيقول بأنه يريد الانضمام غدا إلى المغرب ؟ فحسب معرفتي المتواضعة بالناس الذين يقطنون مليلية ، وسبتة كذلك ، يحبون أن يقولوا عن أنفسهم أنهم مسلمون أسبان . - علينا أن نسأل أولائك البسطاء الذين يقتاتون من ما يسمح لهم بإخراجه من المدينين المحتلتين من سلع حول وجهة نظرهم في مستقبل الثغريين . لا أحد سيقول لك بأنه يريدها مغربية غدا .- أبعد من هذا بقليل ولكن أقرب إليه في الجوهر.قبل أسبوع فقط عرفت مدينة الحسيمة احتجاجات علي شروط تحكيم المبارة التي جمعت الفريق المحلي بفريق شباب هوارة ، وخرج الناس إلى الشارع يحتجون علي ما أسموه بالتحكيم العنصري . أتعرف ما هي الشعارات التي كانوا يرفعونها .-لا ؟-عاشت اسبانيا ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ من هذا المنطلق نحن في المنتدى نتوخى معالجة أسئلة الذاكرة المشتركة بشكل كلي ووفق منهجية دقيقة تسمح لنا برسم خارطة الطريق التي ستساعدنا علي أن نكون في الموعد مع التاريخ . من هنا نحن نلح علي ربط أسئلة الذاكرة المشتركة بأفق تحقيق حقوق الانمان كاملة وغير مجزئة وببناء الديمقراطية في بلدنا وتدعيمها في البلدان التي نشترك معها نفس الذاكرة . واعتقد أن المؤسسات الحقوقية الوطنية الرسمية منها أو الغير الرسمية و الأحزاب السياسية الوطنية الديمقراطية وعلي رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يمكن لها أن تلعب دورا أساسيا في هذا الاتجاه عبر دعمنا معنويا بالأساس و مساعدتنا علي ربط قنوات الاتصال مع حلفائها في الضفة الاخري . انتهي .