ملايين من الناس لا سماء لهم تحُلب ما يرضعون. ملايين من الناس لا أرض لهم تحضن ما يأكلون. ملايين في بلادي، لا سقف فوق رِؤوسهم ولا طريق لخطواتهم ولا رفوف لملفاتهم، ولا موقد لمساءاتهم، ولا ابتسامة لأطفالهم، ولا أنوثة في نسائهم، ولا فحولة في رجالهم... ملايين من الناس يقبرون في غياهب النسيان أو يستهلكون غلة جائحة، أو ينتظرون: مصادري الكيان، محجوزي الهوية، موقوفي التنفيذ، إلى ما لا نهاية.يا أيها الوطن المضيع، لماذا تحكم على أطفالك الرضع بالمنافي؟ من يركب الموج نحو حلم هارب، ومن يتجرع في اللفافة موته البطيء بالتفاصيل المملة، ومن .... طال انتظارهم، وكل شيء يرحل حولهم وهم جالسون على تراب يتسلل نحو المنافي، ويباع في سوق التهريب بلا ثمن. يلوكون في مرارة غصة الانتماء إلى وطن يتنكر لأكباده ويدفعهم للرحيل. عن أي حضن تبحثون؟ وأي درب تركبون؟ وأنتم كلما وضعتم أرجلكم على رقعة فرغت تحتكم ليبتلعكم في غطرسته رمل السكوت المتحرك. أين تأخذون أطفالكم والجليد يحرق أصابعهم في وقاحة واحتقار؟ أين تأخذون عجائزكم وحري بهم أن ينبشوا بالأظافر في ترابهم مثاوي دافئة؟ أين تأخذون أجسادكم التي امتصها الزمان؟ليل الشتاء طويل، وأنتم التحفتم العراء أرحم من خريطة شطبت على أسمائكم من حسبانها. كيف تنامون وقد أطبقت سماء فبراير على أرضها في بياض بخس، وجذب كافر برحمة الله، وعراء ماجوسي؟ كيف تدفئون رؤوس أصابع صغاركم إذا ازرقٌت؟ كيف تواجهون أنة الجوع في أصواتهم وقد جفت كل الأثداء المرضعة، والسماء لا تمطر قمحا ولا خبزا ولا لبنا على رؤوس الفقراء؟ إلى أين تخرجون؟ الدار وراءكم ردم، والكوانين رماد، والمخادع خامدة؟همت فيكم وأنا أغني لطفلتي كي تنام، كيف تُنومونهم ومخالب الصقيع تُغرس في أعضائهم، وترجف أكبادُهم من حرقة الانتماء؟ كيف تدللون تجمد الدم في الشرايين؟ وأي أغنية تملأ الفضاء حولكم وترفع المطر عن مواكبكم ؟ أي صوت يسعفكم في رسم خطاكم على الطرقات الزائفة؟ من سينصب لكم الخيام على صورة العربي المداهم بالرحيل والمشتت في المسالك المبهمة؟ قبائل هربت للعدو من شوكة في حلقها، وقبائل لاذت بالبحر يبتلع حكاياتها، وقبائل عانقت تراب الوطن، تحرثه بأظافرها طولا وعرضا وتمتصه حتى التيبس. إلى متى ستهاجرون؟ ولأي أرض تقصدون؟ هذه بلادكم، وهؤلاء أسيادكم، والله وحده فوقكم، وتحتكم جمد التراب؟ خلفكم أحزانكم وأمامكم كل الدروب موصدة، وكل الاحتمالات غير الواردة واردة.ليلة 03 فبراير2007