بعد الحلقات عن المسلمين البريطانيين، أكمل بحلقة مختصرة عن المسلمين وأميركا وأوروبا.الولاياتالمتحدة هبطت بعلاقاتها مع المسلمين إلى الحضيض، وبدل ان تحاول الخروج من الحفرة التي وقعت فيها بدأت تحفر.إرهاب 11/9/2001 كان فظيعاً إلى درجة أن مسلمين كثراً رفضوا ان يصدقوا أن مسلمين مثلهم يمكن أن يرتكبوا هذه الجريمة النكراء، وبعضهم لا يزال ينكر، وكانت الحرب الأميركية التي تبعته على نظام طالبان في أفغانستان والقاعدة مبررة تماماً، وصمدت لها العلاقات مع مسلمي الولاياتالمتحدة والعالم. ثم جاءت الحرب القذرة على العراق، وتهديد سورية وإيران، وأبو غريب وغوانتانامو وقاعدة باغرام والسجون السرية، وألوف المعتقلين من دون محاكمة. وشعرت غالبية مسلمة حول العالم أن الإدارة الأميركية التي تقودها عصابة إسرائيلية متطرفة تشنّ حرباً عليهم لا على الإرهاب، وهبطت العلاقات إلى الحضيض.في الحضيض بدأت الإدارة الأميركية تحضر لتزيد عمق الهوّة، فهي بإصرارها على الاستمرار في الخطأ زادت المأساة العراقية أضعافاً ودخلت البلاد حرباً أهلية لا يعرف سوى الله كيف تنتهي، ثم أكملت الحفر بتأييد إسرائيل وهي تقتل النساء والأطفال وتحوّل قطاع غزة إلى معسكر اعتقال نازي وبمعارضة وقف إطلاق النار مع لبنان فيما إسرائيل تدمره بسلاح أميركي.الولاياتالمتحدة أرسلت قنابل عنقودية إلى إسرائيل وهذه تستعمل ما عندها ضد المدنيين، والأمم المتحدة تقول الآن ان إسرائيل تركت وراءها حوالي نصف مليون قنبلة لم تنفجر تقتل كل يوم ثلاثة أو أربعة أشخاص، عادة من الإجفال.وفيما كان خبراء يحاولون أبطال مفعول هذه القنابل كانت الولاياتالمتحدة تعارض (مع بريطانيا وروسيا والصين) حظراً على هذه القنابل اقترحته السويد في محادثات عن التسلح في جنيف.الإرهاب مدان بالمطلق، ولا أقبل أي تبرير له. غير أن الإدارة الأميركية تزيد منه وهي تحاربه، وسواء كان ذلك جهلاً أو قصداً فالنتيجة واحدة، وأتوقع أن تستمر العلاقة السيئة مع المسلمين، وأن يدفع الجانبان الثمن.الإيجابية الوحيدة في العلاقات بين أميركا والمسلمين فيها أن هؤلاء تجنبوا أخطاء غيرهم، فلا يوجد إرهاب من صنع محلي كما حدث في لندنومدريد، و «كريستيان ساينس مونيتور» نشرت قبل أسبوع تحقيقاً وافياً عن هذا الموضوع مع مقارنة.العلاقات الإسلامية مع أوروبا أفضل بالمقارنة، إلا أنها أيضا انتكست. وفي حين أن الأوروبيين قالوا في استطلاع مشهور انهم يعتبرون الولاياتالمتحدة خطراً أكبر على السلام من إيران أو كوريا الشمالية، فإنهم دخلوا مواجهة مع الجماعات الإسلامية في بلادهم بعد أن رفعوا سنوات شعار التعددية الثقافية.مرة أخري الإرهاب من النوع الذي ضرب مدريد سنة 2004 ولندن السنة الماضية غير مبرر إطلاقا، ومن يدافع عنه يصبح شريكاً فيه.أيضاً أدين قتل المخرج الهولندي تيو فان غوخ، وتهديد أستاذ الفلسفة الفرنسي روبير ريديكر بالقتل، ثم أزعم أن الرجلين كانا عنصريين حقيرين تعمدا الإساءة بما يتجاوز كثيراً حرية الكلام.فان غوخ كان يستعمل لوصف المسلمين عبارة لا تقولها مومس، ولا أستطيع هنا مجرد التلميح إلى معناها. أما البروفسور فهو اعترض على إخضاع فرنسا للتقاليد الإسلامية وهو موضوع جدلي تمكن مناقشته، وأعطي أمثلة بينها توفير طعام «حلال» للطلاب في المدارس.النقطة الأخيرة أيضا يمكن مناقشتها مع أنني لم أسمع أي بروفسور أوروبي يعترض على الطعام الكوشر لليهود. ومع ذلك فكل ما سبق لا يستحق أي تهديد.غير أن البروفسور تحوّل إلى مومس بعد ذلك، والعبارات التي وصف بها الإسلام ونبيّه والمسلمين قد يعترض عليها سكارى في ماخور، وهو لو قالها عن سيدنا موسى أو النبي داود لكان الآن يحاكم بتهمة اللاسامية.هل البذاءة فعلاً حرية كلام؟ أو هل ان حرية الكلام لا تستقيم إلا بفيديو دنماركي يسخر من النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في شكل مهين، بعد موضوع الرسوم الكاريكاتورية؟حرية التعبير اعتبرت ضحية أيضا عندما أوقفت دار الأوبرا في برلين عرض اوبرا «ايدمينيو» لموزار لأنها تتضمن مشهداً يظهر رؤوساً مقطوعة للمسيح والنبي محمد وبوذا. لم أحضر هذه الأوبرا، ولكن قرأت ان المشهد لم يكن في «الليبرتو» الأصلية، فمن زاده ولأي سبب؟أدين كل إرهاب، بل أدين كل تهديد، ومع ذلك أصر على أن هناك حملة على المسلمين في أوروبا، كما في أميركا وحول العالم، ولا أقول أن المسلمين مساكين أو أبرياء، فالإرهاب هو أصل المشكلة منذ 11/9/2001 وحتى اليوم، غير أن الأوروبيين ليسوا أبرياء أيضاً.أخطر ما في الموضوع في أوروبا هو أن العنصرية ضد المسلمين كانت قصراً على الأحزاب اليمينية المتطرفة، غير أن ثمة مؤشرات واضحة إلى ان الوسط بدأ يبتعد عن المسلمين ويعاملهم بريبة. وقد سجلت الأحزاب المتطرفة نجاحاً واضحاً قي بلجيكا والنمسا وبريطانيا. وأصبحت مقاومة الهجرة، وطرد المهاجرين، جزءاً من أي حملة انتخابية لليمين المتطرف.أعتقد بأن الوضع سيسوء قبل ان يتحسن، وفي حين لا أتوقع تحسناً في الولاياتالمتحدة قبل ذهاب الإدارة الحالية بعد سنتين، فإن لا سبب يمنع ان يبدأ الأوروبيون والمسلمون في أوروبا جهداً حقيقياً لإبعاد الإرهاب عن القارة، فهو الخطوة الأولى التي يجب ان تسبق كل خطوة تالية.وربما وجد الطرفان من الشجاعة ليعترف كل طرف بأخطائه، فلا يوجد هنا بريء ومذنب، وإنما درجات من البراءة والذنب، فأعود إلى الناس والثعلب وابنه، فالناس سيئون إلا ان الثعلب وابنه ليسا أفضل منهم.حركة القوميين العرب