لن تجادل هذه الورقة بخصوص ما إذا كان المغرب يعيش مرحلة انتقال ديمقراطي أم مرحلة تعثر في وجه الانتقال نحو الديمقراطية ، أو مرحلة رتابة سياسية قد تكون التنظيرات وحدها هي التي تسبغ عليها سمة الانتقال و طابع الديمقراطية. كما أنها لن تقف عند المشكلات التي يطرحها كل من : ملكية تنفيذية لا أحد يعلن حذره من مواصلة تسميتها بالملكية الدستورية ، حرس مخضرم لمخزن بيولوجي قديم ، أحزاب عديمة المبادرة ، حكومة لصاحب الجلالة على رأسها ، خلاف ما كان متوقعا ، وزير أول من خارج الألوان السياسية المنتخبة المكونة لمجلس النواب ، تتكون من وزراء آخرين تقنوقراط و وزراء ، يمثلون تقريبا الأغلبية النيابية السابقة الحالية . و هي حكومة لن يكون عليها ، برضاها طبعا ، أن تنفذ خطة من قواسم مشتركة بين البرامج الانتخابية الحزبية التي تستمد منها مشروعيتها الشعبية ، بقدر ما كان و يكون المطلوب منها أن تتمثل برنامجا آخر مملاة خطوطه الرئيسية من قبل الملك ، و تبدي جهدا أكبر من أجل تحقيقه ، و ذلك رغم أن مضامين هذه الخطوط المتمركزة حول التنمية الاقتصادية ، التعليم النافع ، التشغيل المنتج و السكن اللائق ، ليست بعيدة عن اهتمامات الأحزاب المشاركة مثل الاتحاد الاشتراكي ، حزب الاستقلال ، التجمع الوطني للأحرار ، و التقدم و الاشتراكية .لن تجادل هذه الورقة و لن تقف عند أي من ذلك و إنما تقترح، كما سبق لي أن ساهمت بها في إطار تفعيل " مرصد الانتقال الديمقراطي بالمغرب " ، أربعة محاور رئيسية للمساعدة على وضع مؤشرات تكون موضوعية و قابلة لملاحظة و قياس مدى التناسق بين التصريحات الحكومية و عناصر الديمقراطية ، من جهة ، و بينها و بين أسلوب الحكومة و عملها الميداني في تدبير حاجات المجتمع و وضع البلاد على سكة سليمة للانتقال الفعلي نحو الديمقراطية ، من جهة أخرى . و قد تم ، بتصرف هنا ، استعراض هذه المحاور المعنية كالتالي :1. المحور الأول ، و يستهدف رصد مدى احترام الحكومة للمبادئ الوظيفية للديمقراطية . و لأن الأمر يتعلق بأربعة مبادئ أساسية ، يكون حريا مساءلة كل واحد منها وفق ما يلي :أ إن أول مبدإ هو أن تكون الحكومة مسؤولة أمام الشعب . فهل تلتزم الحكومة مبدئيا بعرض عملها على الشعب ؟ و هل تقوم عمليا بعرض هذا العمل على الشعب ؟ و هل يتم تحقيق هذا الالتزام عبر اتصال مفتوح و عمومي ؟ كيف ذلك ؟ و ما مداه ؟ ب إن ثاني مبدإ هو أن تحرص الحكومة على رصد و تتبع حاجات المواطنين و رغباتهم التي يعبرون عنها . فهل يستمع المسؤولون الحكوميون لما يقوله الأشخاص و لما يعلنونه من خلال مجموعاتهم ؟ و هل يستجيب المسؤولون الحكوميون لبلاغات هذه المجموعات ؟ و هل يحترمون حق الأفراد و المجموعات في التعبير ؟ج إن ثالث مبدإ هو أن تتاح للأفراد و المجموعات إمكانية المشاركة بشكل دال في السيرورة السياسية . فما هي الأشكال و الأدوار التي تتخذها هذه المشاركة ؟ و هل هي أشكال و أدوار يقبلها المواطنون ؟ هل يستطيعون أداءها ؟ و هل تشعرهم بأنهم يساهمون فعليا في القرارات المتخذة حول القضايا العمومية ؟د و إن رابع هذه المبادئ هو أن يأخذ النظام بعين الاعتبار جملة المتغيرات المتولدة داخل الجماعة و في العالم . فهل يتيح الدستور و باقي الأعراف و التقاليد و العلائق المخزنية السائدة وسائل الانتقال للحكومة ؟ و هل يتيح هذه الوسائل للمجتمع أيضا؟ و كذا هل يتعدى اعترافه بالتعددية الحزبية و النقابية إلى تعددية سياسية و سياسية اجتماعية كما في المرجعيات و التصورات و المقترحات المتبناة لأجل إعمال ديمقراطي لذلك ؟ ثم هل يأخذ النظام بعين الاعتبار أن سيرورة التغير لا تقتصر على قادة الدولة فقط و إنما هي رهينة كذلك بالأشخاص و المجموعات داخل المجتمع ؟ و كيفما كان الحال ، ما هي الإجراءات و التدابير التي تتخذها أو تدعو إليها حكومة مختلفة المشارب من أجل تليين هذا النظام و جعله ندي السلطات و قادر على الإقرار بالثقة المتبادلة في كل مكوناته السياسية و في العلاقة بينها ؟ 2 المحور الثاني ، و يتغيى مراقبة مدى التزام العمل الحكومي بالخاصيات المميزة للديمقراطية ، و هي هنا ثلاثة ، لكن الأسئلة حول مكوناتها يمكن أن تتعدى التالية بكثير :أ بخصوص خاصية أن تحترم الحكومة حقوق الإنسان احتراما عميقا ، هل تلتزم حكومتنا بضمان الحقوق المدنية و السياسية بمساواة للمواطنين و المواطنات ؟ كيف تتصرف هذه الحكومة إزاء انتهاك أحد أجهزتها المركزية أو المحلية ، العلنية أو السرية ، لحقوق الإنسان و حرياته ؟ هل تستمر في الإبقاء على مشهورين بانتهاكاتهم الجسيمة لهذه الحقوق في الخدمة ؟ هل يستفيد موظفوها المنفذون للقوانين الذين يثبت عليهم خرق من خروقات حقوق الإنسان و حرياته الأساسية ، أم لا يستفيدون من الترقية داخل المناصب و المراتب ؟ و بصفة عامة ، هل تتبنى الحكومة مبدأ عدم الإفلات من العقاب ؟ ما هي التشريعات و القوانين التي قامت بتعديلها بما يجعلها متلائمة مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق المغرب عليها ؟ ما هي التدابير العملية التي اتخذتها في هذا المجال ؟ و هل ينال الجيلان الثاني و الثالث من حقوق الإنسان اعتبارهما لدى الحكومة؟ كيف ذلك ؟ و ما مداه ؟ ثم هل يتمتع عمل القطاعات الحكومية ذات الصلة بالمصداقية لدى هيئات حقوق الإنسان الأممية و الدولية غير الحكومية ؟ و ما هي التدابير الإيجابية التي اتخذتها إلى الآن لتلبية مطالب مختلف مكونات الإطار الحضاري للمجتمع المغربي من أجل الطي النهائي ، العادل و المنصف ، لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و في مقدمتها جريمة الاختطاف و " الاختفاء " القسري ، و ما يواكبها من مس بالكرامة الإنسانية و من تعذيب و فقدان للحياة ؟ و ما هي التدابير التي اتخذتها كذلك من أجل صيانة حقوق السجناء ، و هم يقضون عقوباتهم المحكوم عليهم بها قضائيا ، و كذا حقوق موظفي السجون ، في الحياة و في السلامة الجسدية و العقلية ؟ و هل تبرمج هذه الحكومة ، انطلاقا من حاجات المجتمع الطامح إلى الديمقراطية في علاقته بقطاعاتها الرسمية ، تكوينا إعداديا و تكوينا مستمرا لأطرها و موظفيها المنفذين للقوانين و ذلك في مجال حقوق الإنسان و آليات حمايتها للاستنارة بمعاييرها و احترامها أثناء أدائهم لمهامهم ؟ب في شأن خاصية ألا يتوقف النظر إلى الديمقراطية عند حدود كيفية ممارسة السلطة و مشاركة المواطن في الانتخابات ،هل يتواصل الناس فيما بينهم ؟ كيف ذلك ؟ ما هي الكيفية التي تحل بها النزاعات داخل الأسرة و المدرسة ؟ ما هي النزاعات التي تسود داخل الأحزاب ؟ ما هي النزاعات التي تنتشر داخل المجموعات الجهوية و المحلية ؟ ما هي النزاعات القائمة داخل المجموعات اللغوية و الدينية ؟ كيف تحل مختلف هذه النزاعات ؟ ما هي الكيفية التي تدار بها النزاعات بين الأفراد و بين هذه المجموعات ؟ هل لبرامج الحكومة من دور أو تأثير في كل ذلك ؟ ج بصدد خاصية أن يكون تصور الديمقراطية واسعا فيشمل في اتخاذ القرار مشاركين آخرين ، ما مدى مشاركة إطارات من قبيل الجمعيات ، الفرق المنظمة ذات النفع العام ، الفرق ذات الصفة الاجتماعية أو الثقافية أو التربوية ، المقاولات ، النقابات العمالية ، المنظمات العمومية أو الحكومية ذات الاستقلال الذاتي ، مجموعات الأقليات اللغوية أو الدينية ،،، في اتخاذ القرار ؟ كيف يتم ذلك ؟ و هل تدمج الحكومة هذه الإطارات في برامجها العامة و القطاعية أم لا ؟ 3 المحور الثالث ،و يهتم بملاحظة مدى انشغال الحكومة بتسيير المقتضيات المحيطة بالانتقال نحو الديمقراطية :أ في شأن المقتضى الأول ، و الذي من أوالياته ، في بلدان الانتقال ، أن تعمل الحكومة على النهوض بقطاع الخدمات الاجتماعية . ما مدى اهتمام حكومتنا بالقضاء على الأمية القرائية و الكتابية و الحسابية و على الارتداد نحو الأمية و كذا على الأمية التكنولوجية ؟ و ما مدى اهتمامها بإقامة و تنفيذ نظام تربوي تعليمي ، نظامي و غير نظامي ، جيد ؟ ما هي الأشواط التي قطعتها ، فعليا ، في سبيل تعميم التعليم و تعميمه بين الإناث و في هوامش المدن و المداشر و الأرياف النائية ؟ هل حقا أن نسب الأطفال المسجلين عند بداية كل موسم دراسي هي نفسها نسب المتمدرسين الفعليين طيلة الموسم ؟ و ما مدى اعتناء الحكومة بالكفالة الصحية للمواطنين ؟ و ما مدى مراعاتها لحق المواطنين في الشغل و في التعويض عن البطالة ؟ و ما مدى اعتناء الحكومة بحق الناس في سكن لائق و بيئة سليمة ؟ ب إزاء المقتضى الثاني ، و هو المقتضى الذي يلزم الحكومة و المجتمع بالعمل معا على تذليل العوائق الأخرى للديمقراطية. فهل تمارس الحكومة أم لا تمارس الإقصاء أو التمييز ضد مجموعات الأقليات السياسية و النقابية أو الثقافية أو النساء ؟ كيف ذلك و ما مداه ؟ هل تعمل الحكومة أم لا تعمل على تأسيس قواعد و مؤسسات تقوم على مشروعية الاختلاف ؟ ماذا تفعل الحكومة من أجل القضاء على الرشوة مقابل خدمات مشروعة أو ممنوعة أو كبديل عن امتيازات توافق السلطات العمومية على تقديمها ؟ و ما هي التدابير التشريعية و العملية التي تتخذها الحكومة من أجل : وضع حد للمخالفات و أعمال الشطط و الغش و التدليس في الانتخابات الجماعية المقبلة و في غيرها من الاستحقاقات المتوقعة ؟ وضع حد لتدخلات السلطة و أجهزتها العلنية و الخفية في مختلف المجالات ذات الصلة بالحرية في التفكير و التعبير و إبداء الرأي و الحصول على المعلومات و تداولها ؟ وضع حد لأساليب اختلاق المؤامرات الوهمية المحركة للهواجس الأمنية و التي تروم إرهاب الأفراد و المجموعات و كبح المبادرات الإبداعية للتشهير بالفساد و لتفعيل الحياة العامة و تسريع ديناميكية تحديث المجتمع ؟ ثم هل ستستمر هذه الحكومة كسابقاتها في اعتبار أن التضامن هو مجرد عملية موسمية لتجميع الصدقات و إعادة توزيعها في شكل أطعمة بمناسبات دينية و بأساليب تحط من الكرامة الإنسانية للأفراد ؟ أم أنها ستسعى إلى إعماله في عمقه الدال على الاستعداد التلقائي للأفراد و المجموعات للتوحد و التنازل عن أنانيتهم و وضع المصلحة العامة قبل كل اعتبار حفاظا على الوطن في حالة مجابهته لكوارث أو لمشاكل أو نزاعات ،،، و على إدراك الأشكال التي يتخذها التضامن الوطني و المنافع التي يقدمها و العوائق التي تعرقله ،،، و كذا الوعي بالروابط بين أفكار التضامن و تلك المتعلقة بحقوق الإنسان و الديمقراطية و حل النزاعات و السلم، و بأن العالم واحد و أن المشاكل و الثلوت و التصحر ، و الحرب و السلم و الجفاف و الأمراض و الفقر ،،، كلها تعني جميع الناس لأنهم جميعهم يعيشون و يموتون فوق نفس الأرض ؟4 المحور الرابع ، و يتركز النظر من خلاله على مدى التزام الحكومة باحترام منهجيات الديمقراطية . و لأن الأمر يستدعي:أ أن تضمن الحكومة للتصويت الشعبي كل الحقوق المدنية و السياسية ذات الصلة ، فهل تضمن حكومتنا الحق في حرية الاختيار ؟ و في الاجتماع بين الناس ؟ و في التعبير بحرية عن الآراء حول القضايا المهمة ؟ و في نشر وجهات النظر غير المؤيدة لها ؟ و هل تكفل الطابع الاختياري في التصويت و المساواة في الترشيح و التصويت و الصبغة الشخصية للاختيار و سرية هذا الاختيار ؟ كيف ذلك ؟ و ما مداه ؟ ب أن يتم التوافق حول نظام انتخابي و طرق للتصويت أكثر ملاءمة و عدل و موضوعية ، فما هو الموقف من طريقتي التصويت الشائعتين ، المباشر و غير المباشر ، ؟ و ما هو الموقف من أساليب الاقتراع المشهورة و المتمثلة في الاقتراع الفردي في دورة و الفردي في دورتين ، و التصويت باللائحة ، و الأغلبية النسبية أو البسيطة ، و الأغلبية المطلقة ؟ و ما هو الموقف من القيود الموضوعة على الحق في الترشيح و التصويت ؟ج أن يتم اعتماد توافق الآراء في شأن القضايا التي لا يحسمها التصويت بشكل مقنع و فعال ، فهل تتبنى حكومتنا موقف توافق الآراء ؟ متى ؟ و بخصوص أي القضايا يتم تبنيها لذلك ؟ و ما هي الإجراءات التي تتخذها لإعمال توافق الآراء ؟ ثم هل الأمر يتعلق في النهاية بتوافق حقيقي للآراء أم بمجرد أسلوب مخادع لتمرير المقررات ؟ كيف ذلك ؟ و في الأخير ، تصبح الصورة التي يقدمها تقييم حصيلة العمل الحكومي أكثر وضوحا ، إذا ما تم تدبيج تلك المحاور الرئيسية الأربعة بتقديم يحدد الملامح الكبرى للسياق العام الوطني و الدولي الذي تم فيه تنصيب هكذا حكومة ، و يذكر بالتشكيلات السياسية التي تمثلها و بالصلاحيات المخولة لها بمقتضى الدستور ، و ذلك مع التأكيد على إبراز الخطوط العريضة لولايتها .•المصطفى صوليح El Mostafa Soulaih ، كاتب ، باحث ، و مؤطر في مجال التربية على حقوق الإنسان و المواطنة – من أطر اللجنة العربية لحقوق الإنسان ؛•المصدر : المصطفى صوليح ، كتاب : " نقد التجربة المغربية في طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " ، الأهالي ، اللجنة العربية لحقوق الإنسان ، أوراب .