أسال نشر لائحة المستفيدين من الكريمات ، ولازال يسيل مدادا كثيرا ، وحرك في نفوس بعض المستفيدين احساسا لم يشعروا به من قبل مما أخرج بعضهم من صمته وجعله هو الآخر يلي بدلوه إما مبررا أو محللا ... يتضح من خلال هذه اللائحة (وإن لم تتضمن أسماء كل المستفيدين وتستر بعض المستفيدين خلف أسماء لشركات ) أن المستفيدين مختلفون في انتماءاتهم الاجتماعية فمنهم العسكريون ، والرياضيون والسياسيون والمدنيون ، والفقراء والأغنياء والشيوخ وحتى الأطفال ، الفقهاء والعلماء الشرفاء والعاميون الأفراد الذوات والمعنويون والشركات والأحياء وورثة الأموات .... وأن معظم المستفيدين كانوا معرفين في مناطقهم ومنهم من كان معروفا على الصعيد الوطني كالرياضيين والسياسيين والعسكريين ..كما أن منهم من يستفيد من أكثر من رخصة ومنهم من يجمع بين عدة رخص في البر وربما في البحر... لكن الجديد هو قرار نشر هذه اللائحة في هذا الوقت وهي التي ظلت إلى عهد قريب سرا من أسرار الدولة لا يتجرأ أي وزير على طرحها واقتراب منها ويكتفي بالادعاء أن كشفها ليس من اختصاصه لأنه لا يمنحها وبالتالي لا يحق له كشفها ومناقشتها .. نشر هذه اللائحة مبادرة تحسب لهذه الحكومة التي أوصلها شعار محاربة الفساد والقضاء على اقتصاد الريع إلى السلطة والمساهمة في تدبير الشأن العام ، وإن كانت تتضمن أحزابا عرف عدد الكريمات والأذنات في عهد حكومتها السابقة تزايدا كبيرا في عدد هذه الرخص فقد ارتفع عدد رخص السيارات الصغيرة في آسفي مثلا خلال السنوات الخمس السابقة من 180 رخصة إلى 502 ومن العائلات في المدينة من يملك 10 رخص دون أن يكونوا في حاجة ماسة إليها ، ودون أن يقدموا للوطن ما يستحقون عليه هذه الأذونات .... إن الاستفادة من الكريمات والأذونات مظهر من مظاهر الريع في المغرب الذي تتعدد مظاهره ، حيث ينعم عدد من المستفيدين بمدخول قار عبر كراء هذه الكريمات دون بذل اي جهد لا لشيء سوى لأن لهم علاقة مع بعض ذوي النفوذ والامتيازات في هذا الوطن ، أو لتملقهم أو دفعهم لرشاوى أو هدايا لجهات لها علاقة بمراكز القرار .. في الوقت الذي يقضي عدد من المغاربة طيلة يومه يكدون ويعرقون تحت حر الهجيرة صيفا أو يعانون قر الليالي شتاء من أجل الحصول على 40 أو 50 درها في اليوم عساه يؤمن بعض الضروريات من سكر وزيت ودقيق لأبنائه ، وكثير منهم يعجز من تأمينها رغم شهاداته العليا .بل منهم من فضل إلقاء نفسه في البحر وأن يكون غذاء للسمك بدل العيش في بلد لا ينعم فيه برغد العيش إلا أناس لا يعملون شيئا .. راج مؤخرا في الصحافة أو في بعض الحوارات أو النقاشات التي أثارها قرار نشر اللائحة ظهور بعض المدافعين عن هذه الامتيازات ، بدعوى أن المستفيدين منها يستحقونها لما أسدوه من خدمة للوطن ... السؤال هو متى كان لخدمة الوطن ثمن ؟ أو ليس كل الموظفين والعمال والفلاحين يقدمون خدمات للوطن ؟ وكيف يُدفع ثمن لرياضي أو رياضية لم يجر في حياته إلا دقائق معدودة حصل فيها على تعويضات وأموال ثم تمت مكافأته برخصة يستفيد منها طول حياته وتبقى لورثته بعد مماته في الوقت الذي يموت عدد من الجنود في الحدود حماية للتخوم ، ومنهم من قضى سنوات في معتقلات العدو ( البوليزاريو ) دون أن ينال ذلك من تعلقه بالوطن وإخلاصه له .وفي الوقت الذي يظل في الشرطي والمعلم المهندس والقاضي والجندي وغيرهم من أبناء هذا الوطن ساهرين على تعليم أو تأمين الأجيال ... يبدو من تعليقات بعض المستفيدين من هذه الرخص الإحساس بالإحراج ورغبة بعضهم في التخلي عنها بدعوى ضعف عائداتها في محاولة لكسب الرأي العام ، لكن المشكل الأساسي ليس هو الكشف عن هذه اللائحة ، ما دامت هناك لوائح كثيرة في حاجة لكشف كرخص المقالع ورخص أعالي البحار ، وسيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة وووو، كما أن الكشف وحده غير كاف لأن ما يريده المغاربة ليس تشخيص الواقع؛ فالواقع لا يرتفع وهو معروف للكبير والصغير ، المهم هو طريقة المعالجة ، وكيفية الحد من هذا النزيف الداخلي للاقتصاد الوطني، والقطع مع نمط اقتصادي يكاد يميز المغرب دون غيره من بلدان العالم وهو الذي يدعي السعي نحو تحديد اقتصاده وهياكل دولته ، فقد كان من الأهم إيجاد قانون متحكم في الشغل في المغرب مبني على الشفافية ويحد من الريع قبل هذا الإعلان ، حتى يتمكن المغاربة من الاحتكام للقوانين ، ومع ذلك لا يمك المرء إلا أن يقف احترام لهذا القرار الجريء في هذا الوقت الحرج الذي يمر منه المغرب إذا لم يتحول إلى فقاعات الهدف منها دغدغة المشاعر وتنفيس الحاقدين والرافضين لاقتصاد الريع