أيّ كلمات بمقدورنا استمدادها من قاموس الرثاء لنستحضرها اليوم، تليق بتوديعنا الوداع الأخير لرجل أتى إلى الحياة بصرخة أنين صغيرة كغيره، ليجعلها صرخة حياتية كبيرة في رسالة نبيلة عنت بالهم الإنساني وقلق الوجود الأبدي. بحيث أطلقها صرخة مدوية من جبال الأطلس الكبير وخلفت أصداءها جميع الأرجاء في مختلف البقاع، هذه الجبال الشامخة التي ألهمته نسج أروع خالداته الفنية، ولا شك أنها تبكي اليوم اثر ما ألم بها من فقدان للرويشة مؤنسها الذي ركض في براريها ذات يوم وارتحل عبر أمكنتها ذات أزمنة وروى لها قصصا وحكايات تجسد وقائع في أدق تفاصيلها عبر أغانيه ذات همس. لقد غنى الراحل محمد الرويشة قيد حياته، قبل أن توافيه المنية أمس الثلاثاء 18 من يناير الجاري، للإنسان والحياة والطبيعة والهوية وللأم والأسرة وللمغترب والأيام والوطن، كأي فنان ملتزم تتجلى فيه صورة السفير الحقيقي لمعاناة بني البشر، رافعا بشأنها رسائل تحكيها أوتار عود خشبي تاركا لهذا العود أن ينوب عنه في إيصالها واضحة غير مشفرة إلى الضمائر الحية لعلها تتعظ، مستعينا بحبائل صوت جبلي شجي، ينشدان أنشودة الايخاء والسلام الأزلية. في لوحة فنية خلابة في منتهى التناغم بين زرقة المياه والسماء واخضرار التضاريس على سفوح جبال الأطلس المكسوة قممها ببياض ثلجي ناصع، سيظل الفنان الرويشة معلمة حاضرة ها هناك في المشهد يتمثل بجلبابه البدوي وعوده القرمزي، تصدح حبائل كليهما بالحب والسلام، وان كان الموت سيغيبه عن عشاقه وجمهوره العريض، فانه سيبقى بسجل روائعه الحافل قمة من قمم الأطلس الكبير. تغمده الله بواسع رحمته.