ما يزال سكان المدينة العتيقة في الرباط يتذكرون قصة ارتبط فيها الانتقام بالحب الجنوني، بطلها شاب في مقتبل العمر، حينما وصلت به درجة عشقه لحبيبته إلى التربص بها في شوارع المدينة بل وإحراق وجهها بمكواة للملابس... رغم التفاهم الذي كان يطبع علاقتهما، حيث كان يلتقيان باستمرار قرب المآثر التاريخية في العاصمة، فإن شعورا تسرب إلى الشاب مفاده أنها معشوقته أصبحت تتماطل في لقائه ولم تعد تُعبّر له عن مشاعرها تجاهه، وهو ما دفعه إلى التفكير في الانتقام منها، مستعيناً في ذلك بتناول المخدّرات والكحول، التي اعتبرهما الوسيلة الوحيدة لمساعدته في ارتكاب ما يفكر فيه ومساعدته في نسيان معاناته العاطفية. حب جنوني لم يشفع للفتاة مبادلتها إياه كلَّ مشاعر الحب والعشق، فقد كان يعتقد أنها تتلاعب بمشاعره وظل يفكر في الانتقام منها، حيث خطر على باله، وقد صار تحت تأثير الكحول، أن يعترض سبيلها في الطريق العامّ للتخلص من الحقد الذي تَولَّد لديه بسبب شكوكه المتزايدة في العلاقة الغرامية التي جمعته، منذ مدة، بهذه الشابة. في يوم من الأيام، فكّر هذا الشاب في إحراق الفتاة، التي ظلت عشيقتَه الوحيدة، حيث جلب مكواة للملابس من بيت عائلته وقام بشحنها حتى ارتفعت درجة حرارتها، فاعترض سبيلها في الشارع العامّ.. باغت معشوقتَه بسرعة من الخلف ووضع الجهاز على وجه فتاة أحلامه، التي كان يُكنّ لها حبا جنونيا ويتعقبها في كل الأماكن التي تتردد عليها، بعدما صارت تشكّل له هاجسا يوميا في مخيلته.. وفّر والد هذا الشاب لابنه كلّ شروط الحياة الكريمة، لكن الحب الجنوني حطّم له كل معنوياته، مما دفعه إلى الإدمان على المواد الكحولية والمخدرات، قبل أن يقرر، في النهاية إحراق محبوبته. وبعدما قام الجانح بارتكاب هذا الفعل، أحسّ بندم شديد وحاول الفرار عبر دروب الرباط، لكن الشرطة القضائية تعقّبتْه في أزقة ضيّقة وتمكنت بسهولة من اعتقاله، قبل أن تستمع إليه وتستدعيّ الشابة الضحية إلى مقر التحقيق. أقر المعتدي بسهولة بأنه لم يستطع مقاومة عشقه لهذه الفتاة، مما دفعه إلى التّربُّص بها ووضع المكواة على وجهها. أحيل الظنين على المحكمة الابتدائية في الرباط، طبقا للفصل ال137 من القانون الجنائي. ظل الشاب يكرر نفس الجواب خلال محاكمته: «لم أكن في كامل وعيي حينما فكرتُ في تنفيذ هذا الاعتداء».. كما ظل يشدد على معاناته اليومية مع وقوعه في أول حب، خصوصا أن هذه الشابة كانت فتاة «حسناء»، فنفذ صبره ولم يستطع تحمُّل جفائها وصدودها. مفاجأة التنازل ظلت هذه الفتاة الجميلة مصدومة من هول ما أقدم عليه حبيبها ولم يتبادر إلى ذهنا، في يوم من الأيام، أن يُقْدم عشيقها على هذا العمل الشنيع، حيث فقدت جزأ كبيرا من ملاح الجمال التي كانت تتمتع به. ظل الجانح يقبع داخل السجن أسابيع قبل النطق بالحكم في حقه، وانتظرت الهيأة القضائية حضور الفتاة، التي فاجأت المحكمة بتوقيع تنازل منها لفائدة عشيقها، الموجود رهن الاعتقال، والذي حاول أن يتسبب لها في عاهة في وجهها.. واتضح للهيئة القضائية ولدفاع كل من الظنينة والمتّهَم، بعد هذه المبادرة، أن الملف يطبعه غرام جنونيّ، رغم ما تعرضت له من اعتداء خطير. وبعد الاطّلاع على التنازل الموقع كتابيا من قِبَل الضحية، قررت الهيأة القضائية الإبقاء على المتّهَم رهن الاعتقال الاحتياطي. عشق مستحيل ورغم أن والد الفتاة الضحية كان يتقلد منصبا حساسا وكانت الأسرة ترغب في أن تقضي العدالة في حقه بأقصى العقوبات، بعدما شوّه وجه فلذة كبدهم، فإن توقيع الفتاة للتنازل حال دون ذلك، فقضت المحكمة في حقه بأربعة أشهر حبسا نافذ، وهو حكم خيّب آمال عائلة الشاب، التي كانت تنتظر أن يعانق ابنُها الحرية.. حاول الجميع أن يفهموا ما حدث في هذا الملف، فكان تعليل قرار الهيأة القضائية وجود تطابق مع الفصل الجنائي ال137 من قانون المسطرة الجنائية، والذي ينصّ على أن «السكر وحالة الانفعال والاندفاع والتعاطي للمواد المخدرة، بأي حال من الأحوال، لن يعدم المسؤولية أو ينقصها»، وقطع تعليل قضاة المحكمة الابتدائية لهذا الحكم الابتدائي الشك باليقين في انفصال العشيقين عن بعضهما البعض، رغم الارتباط العاطفي الذي أبدوه داخل ردهات المحكمة وأمام أعين المحامين والقضاة. ورغم الحب الجنوني وما قدّمته الحبيبة لعشيقها داخل ردهات المحاكم من استعطاف وتنازل لعدم حبس حبيبها، كانت القضبان الحديدية فاصلا بينهما، بعد صدور الحكم القضائي. لم ينفع مع هذه الواقعة أي اجتهاد قضائي من قِبَل هيأة الحكم، التي بتّت في الملف في الغرفة الجنحية التلبسية، رغم المطالب التي تقدم بها دفاع الظنين بإسقاط المتابَعة عن موكله، بعد التنازل التي تقدمت به الضحية. المفاجأة الكبيرة التي وقعت في استحالة استمرار هذا العشق الجنوني هو أنه بعد مدة، توفيت الفتاة الضحية في مدينة الرباط بمرض لا علاقة له بالإصابات البليغة التي أصيبت بها من جراء حرق وجهها واستمر وجود الشاب داخل السجن... وهكذا أمضى الشاب المجنون بحب الفتاة أربعة أشهر خلف القضبان، بينما رحلت محبوبته إلى دار البقاء