مطار محمد الخامس الدولي: توقيف مواطن كويتي يشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    حادث سير يفضح تهريب مخدرات وسط الدار البيضاء    نصف المتوجين بجائزة الكتاب العربي من المغاربة    المفتش العام للقوات المسلحة الملكية ورئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأمريكية يشيدان بدينامية التعاون العسكري بين المغرب والولايات المتحدة    نزار بركة يترأس لقاءً تواصليًا بأكادير لمناقشة تحديات الماء والطرق وتعزيز العمل الحزبي    الكاف يحدد موعد إجراء قرعة كأس أفريقيا تحت 17 سنة و"كان الفوتسال" للسيدات "المغرب 2025"    المغرب يقترب من حسم صفقة 168 قطارًا استعدادًا لمونديال 2030    توقعات المديرية العامة للأرصاد الجوية    27 قتيلاً و2873 مصاباً في أسبوع دموي جراء حوادث السير.. حصيلة ثقيلة تفضح خطط نارسا    فضيحة إنجاز "بحيرة الرهراه" بطنجة ب940 مليونا تصل لوزير الداخلية.. ومطالب برلمانية بفتح تحقيق    إسرائيل تتوعد حماس ب"معارك عنيفة" وإنهاء اتفاق الهدنة    سبعة مغاربة وأردني ولبناني وسعودي ومصريان يفوزون بجوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة 2024 – 2025    أشرف حكيمي.. ملك الأرقام القياسية في دوري أبطال أوروبا ب 56 مباراة!    مأزق استراتيجي جديد لقصر المرادية بسوريا    كوريا الشمالية: "اقتراح ترامب السيطرة على غزة سخيف والعالم يغلي الآن مثل قدر العصيدة يسببه"    الحكومة تقر بتراجع القطيع الوطني إلى مستويات قياسية    "دوزيم" الأكثر مشاهدة خلال 2024 وسهرة رأس السنة تسجل أعلى نسبة    بعد الانتصار المثير علي السيتي... أنشيلوتي يعتذر لنجم ريال مدريد البديل الذهبي … !    الاتحاد الدولي للملاكمة يتجه لمقاضاة اللجنة الأولمبية على خلفية مشاركة الجزائرية إيمان خليف في باريس 2024    لافتة "ساخرة" تحفز فينيسيوس في فوز ريال مدريد على سيتي    تراجع أسعار الذهب بعد ارتفاعها إلى أعلى مستوى على الإطلاق    أكادير تحتضن الدورة الثانية للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني    أساتذة اللغة الأمازيغية ينددون بإقصائهم من التكوينات ومنحة الريادة    بدء المجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي    ست نقابات صحية تطالب بتصحيح منهجية العمل وتسريع تنفيذ اتفاق يوليوز 2024    تلوث الهواء يؤدي إلى وفاة 7 ملايين شخص بشكل مبكر سنويا    جامعة الدول العربية ترفض التهجير    مؤشر "مازي" يرتفع ببورصة البيضاء    نوفل لحلو: التوفر على صناعة طبية مرنة شرط أساسي لتحقيق السيادة الصحية الوطنية    الاتحاد الدولي لألعاب القوى يلزم العداءات ب "مسحة الخد" لإثبات أنَّهنَّ إناث    سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة: النظام الجزائري يحاول التقارب مع تل أبيب من خلال وساطة أفريقية والقيادة الاسرائيلية ترفض    ظهور مفاجئ لسمكة "الشيطان الأسود" في الأعماق يثير الدهشة    القاتل الصامت بنهي حياة شابة بتزنيت    الرباط: مجلس المستشارين يختتم أشغال الدورة الأولى من السنة التشريعية 2024-2025    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    إبراهيم دياز يعلق لأول مرة بعد الفوز على مانشستر سيتي    إصابة عامل في مزرعة ألبان بولاية نيفادا الأمريكية بسلالة جديدة لإنفلونزا الطيور    إقالة المفتش العام للوكالة الأميركية للتنمية بعد انتقاده لترامب    الصحة العالمية: سنضطر إلى اتباع سياسة "شدّ الحزام" بعد قرار ترامب    سوريا ترفض الإفراج عن جنود وضباط جزائريين وعناصر من بوليساريو.. دليل إدانة ضد الجزائر وبوليساريو لمشاركتهما في تقتيل الشعب السوري    حوار قطاعي بين وزارة العدل والنقابة الوطنية للعدل.. توافق حول ملفات الترقية والتعويضات والخصاص    ‬"أونكتاد" تتفحص اقتصاد المغرب    الصين تعرب عن استعدادها لتعزيز تطوير الذكاء الاصطناعي مع الدول الأخرى    كيف تحمي نفسك من الاحتيال عبر الإنترنت في 2024: دليل شامل لحماية بياناتك وأموالك    زيارة رئيس الاتحاد العربي للتايكوندو السيد إدريس الهلالي لمقر نادي كلباء الرياضي الثقافي بالإمارات العربيةالمتحدة    7 مغاربة يتوّجون بجائزة "ابن بطوطة"    أيقونة مجموعة "إزنزارن" مصطفى الشاطر في ذمة الله    باحثون يطورون اختبارا جديدا يتنبأ بمرض الزهايمر قبل ظهور الأعراض    منظمة الصحة العالمية تطلق برنامجا جديدا للعلاج المجاني لسرطان الأطفال    وزيرة الثقافة الفرنسية تزور مدن الصحراء المغربية لتعزيز التعاون الثقافي بين المغرب وفرنسا    بسمة بوسيل تحت الأضواء مجددا بعد تصريحاتها الجريئة حول طلاقها من تامر حسني    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    سعيد الناصري يختار درب السلطان لتصوير فيلمه السينمائي "الشلاهبية"    مناهضو التمييز يحذرون من وصم الأطفال بسبب "بوحمرون" ويدعون إلى إجراءات شاملة    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    والأرض صليب الفلسطيني وهو مسيحها..    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قلق العنف واللّاعنف
نشر في الصحيفة يوم 17 - 05 - 2022

هل اللّاعنف ضرورة فلسفية وحاجة ماسة أم مجرد ترف فكري وأمنيات مثالية؟ هذا سؤال طالما يتردّد في الأوساط الأكاديمية وفي النقاشات الثقافية وحوارات مؤسسات المجتمع المدني والإعلام، فضلاً عن الفقه الديني، وهناك من ينحاز إلى هذه، مثلما هناك من ينحاز إلى تلك، والسؤال دائماً يتوجّه إلى دعاة اللّاعنف، خصوصاً حين تعجز بعض وسائل اللّاعنف من تحقيق أهدافها على نحو ملحوظ وسريع وحاسم، فحتى ما أُطلق عليه "الربيع العربي" الذي تبلور بسلسلة احتجاجات وحركات اعتصام وتمرّد سلمي ومدني ولاعنفي، تحوّل في الكثير من الأحيان إلى أعمال عنف منفلتة من عقالها وفوضى عارمة، وقاد إلى صدامات واحترابات أهلية مسلحة، دمّرت الكثير من عناصر التعايش السلمي في مجتمعاتها، ولم تخلق شرعيات جديدة في مواجهة الشرعيات القديمة.
ولعلّ ذلك ما يثير قلقاً وجودياً إزاء الخشية من التغيير الذي قد يسبّب عنفاً وانفلاتاً وتفتتاً وتشتتاً واحتراباً في مجتمعات بدت مستقرة وآمنة ومتعايشة لفترة من الزمن وإن كانت أقرب إلى السكون، حيث انتعشت فيها الهويّات الفرعية، الإثنية والدينية واللغوية والسلالية والجهويّة على نحو سافر، بسبب الكبت المزمن من جهة، ومحاولة التعبير عن نفسها وخصوصيتها من جهة ثانية لدرجة أخذت تهدّد الكيانات القائمة.
وبين عشية وضحاها تفكّكت دول وانقسمت واحتربت وتعادت، وهكذا تشظّى الاتحاد السوفيتي السابق ليصبح 15 كياناً ويوغوسلافيا تفتّتت وتجزّأت إلى 6 كيانات وانقسمت جمهورية تشيكوسلوفاكيا إلى قسمين (جمهوريتي تشيكيا وسلوفاكيا)، وانبعثت موجة تعصّب وتطرّف وعنف وإرهاب في العديد من البلدان العربية التي طالتها عملية التغيير، وخصوصاً بالوسائل العنفية، وكانت ردود الأفعال والكوابح لمنع عملية التغيير وحرفها عن مسارها مؤثّرة وكبيرة لدرجة انشغلت بعض المجتمعات بنزاعات وحروب أهلية أثّرت على وحدتها، فضلاً عن أن عملية التغيير والإصلاح المنشودة أصبحت بعيدة المنال أكثر من السابق وزادت نعقيداً، بسبب العنف وانقسام المجتمع، لاسيّما بتعويم مرجعية الدولة وصعود قوى وجماعات دينية وطائفية وعشائرية وهي ما دون الدولة إلى ما فوقها.
وكل ذلك شكّل عائقاً كبيراً أمام عملية التنمية المستدامة، الأمر الذي يحتاج لإعادة البناء إلى جهود مضنية وإمكانات كبيرة، حيث تؤكد التجربة أن التغيير بالعنف يفتح الأبواب على مصراعيها إلى عنف مضاد وهو ما يعزّز استشراء الفوضى ، خصوصاً في المجتمعات المتخلّفة، حيث الفقر والجهل والتعصّب ووليده التطرّف الذي حين يتحوّل إلى سلوك أو ممارسة يصبح عنفاً وحين يكون عابراً للحدود ويضرب عشوائياً يصير إرهاباً دولياً.
قد يجد الفكر العنفي ذرائع مختلفة لتبرير استخدام العنف، حتّى أن فلاسفة ومفكرين كانوا يعمدون إلى تقديم حجج نظرية تجيز استخدام العنف طالما الإنسان ذئب لأخيه الإنسان حسب توماس هوبز، الذي يعتبر العنف سمة أساسية وفطرية عند الإنسان تدفع كل واحد لاستخدام العنف سبيلاً للتقدم. وهو يرى أن العنف حلّاً منطقياً وضرورياً للبقاء بالنسبة للأفراد المفيدين للتخلّص من أولئك الطفيلين الذين يستنزفون الموارد باستمرار.
أما مالثوس فالحروب بالنسبة له هي الحل المنطقي للتخفيف من التزايد السكاني، فالفرد الذي لا يستطيع أن يجد له عملاً في المجتمع لا يجب أن يكون له نصيب من الغذاء، فهو عضو زائد، وهو ما ورد في كتابه "بحث في نظرية السكان". وذهب هتلر أكثر من ذلك بالدعوة إلى قتل المرضى وذوي الإحتياجات الخاصة على اعتبار أن التخلّص منهم ضرورة تفسح المجال لتطور المجتمع.
لكن أصحاب اللّاعنف يردّون على تلك الدعوات العنفية ويفنّدون أسسها الفكرية ، حيث يذهب الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل إلى اعتبار أن تطوير الأنا ضرورة لوعي العالم، وفي ذلك إعادة الإعتبار للذات وتحريرها من عزلتها، والأنا ليست وحيدة وهناك "أنيات" أخرى تشاركها للعيش في هذا العالم.
أما الفيلسوف الفرنسي إيمانويل ليفيناس فيطرح سؤال الوجود الفلسفي، وهذا الوجود هو مصدر البهجة والسعادة في الحياة وأن تقليله يخلق الحزن، الأمر الذي يستوجب الإنتقال من الذات إلى تحقيق الفكرة الإنسانية من خلال اللقاء بالآخر، والآخر هو شرط لهويّة الذات.
وقد تأثر ليفيناس بالمسيحية والبوذية وبغاندي، وحسب غاندي "اللّاعنف هو أقوى قوة في متناول البشرية. إنه أعتى سلاح من أسلحة الدمار تم التوصل إليه من خلال إبداع الإنسان"، وهو يعني رفض إستخدام العنف الجسدي لتحقيق تغيير إجتماعي أو سياسي. إنه شكل جديد من أشكال الكفاح الإجتماعي.
ووفقاً لجين شارب: اللّاعنف أسلوب يستطيع به الناس الذين يرفضون السلبية أو الخضوع والذين يرون الكفاح ضرورياً أن يخوضوا صراعاتهم دون عنف، والعمل اللّاعنيف ليس محاولة لتجنب أو تجاهل الصراع، بل هو استجابة لمشكلة كيفية العمل بفاعلية في مجال السياسة، لاسيّما كيفية استخدام القدرات بفاعلية.
وكان ثورو قد استخلص من تجربة مقاومة الرق ورحلة ما بعد الإستقلال الأمريكي الكثير من الدروس لبلورة شكل جديد وفريد من الكفاح يقوم على تمجيد اللّاعنف والقيم العليا في السلام والتسامح واحترام الإنسان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.